نواكشوط – «القدس العربي»: أزاحت دورة اختتمت الأربعاء في نواكشوط، للجنة المشتركة الكبرى للتعاون بين موريتانيا والسنغال وما تمخضت عنه من نتائج، حالة الترقب والشكوك التي كانت تحوم حول العلاقات بين البلدين منذ وصول مجموعة حزب “باستيف” الشابة للسلطة في السنغال.
فقد أكدت هذه الدورة مضافة لقيام الرئيس السنغالي الجديد جيوماي فاي في نيسان/ أبريل الماضي، بأول زيارة خارجية له إلى موريتانيا، ولما أظهرته حكومة داكار حتى الآن، من حرص على التنسيق مع موريتانيا في استغلال حقل الغاز المشترك، أن العلاقات الموريتانية السنغالية اندفعت نحو آفاق مضمونة.
وتمخضت الدورة الثالثة عشرة للجنة التعاون الكبرى الموريتانية السنغالية عن عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم في عدة مجالات، أمضاها وزير الشؤون الخارجية الموريتاني، محمد سالم ولد مرزوك، ونظيرته السنغالية وزيرة الاندماج الإفريقي والشؤون الخارجية، ياسين فال.
ومن هذه الاتفاقيات، مشروع اتفاق مؤطر للتعاون في مجال التحول الرقمي والابتكار وعصرنة الإدارة، ومشروع اتفاق تعاون في مجال التجارة، ومشروع اتفاق تعاون في مجال المعلومات ووسائل الإعلام والتكوين على الحرف والإعلام والاتصال، ومشروع بروتوكول اتفاق تعاون في مجال الوظيفة العمومية والعمل، ومشروع اتفاق إطار للتعاون في المجال الرياضي، ومشروع اتفاق يتعلق بشروط الدخول والإقامة بالنسبة للأشخاص والممتلكات، ومشروع اتفاق يتعلق بالخدمات الجوية.
ووقع السفيران الموريتاني المعتمد في داكار، والسنغالي المعتمد في نواكشوط، كذلك، مذكرة تفاهم في مجال محاربة الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين، وبرنامج تعاون في مجال التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، ومذكرة تفاهم في مجال الانتجاع، واتفاق تعاون في مجال الصحة الحيوانية والصحة العامة البيطرية والإنتاج الحيواني.
وأكدت وزيرة الاندماج الإفريقي والشؤون الخارجية السنغالية “أن فترة طويلة قد مرت على لجنة التعاون دون أن تجتمع، إلا أن اللجنة عوضت، حسب قولها، كلما فات من وقت، من خلال تحديث آفاق شراكتنا الاستراتيجية في قطاعات حيوية لتنمية بلدينا”.
وحثت “الإدارات في موريتانيا والسنغال، على التحلي بالصرامة والجدية في تنفيذ الاستنتاجات الواردة في محضر هذه اللجنة”.
وأكد وزير الشؤون الخارجية الموريتاني، محمد سالم مرزوق، أن “دورة لجنة التعاون مكنت من إجراء تقييم شامل وتحيين لوضعية العلاقات الثنائية التي تغطي قطاعات متنوعة من التعاون الثنائي”؛ مؤكداً “أن كل الأسباب تدعو لأن يكون هذا التعاون مثالياً”.
وأكد “أن ما تمخضت عنه هذه الدورة من قرارات وتوصيات هامة يشكل رافعة قوية تعطي دفعاً جديداً للعلاقات الأخوية وللصداقة الممتازة بين بلدينا”.
وأبرز الوزير “استعداده الكامل لتطبيق كل ما تم اتخاذه من قرارات وتوصيات سبيلاً للرقي بالتعاون الموريتاني السنغالي إلى أعلى المستويات”.
هذا أكدت دورة اللجنة المشتركة الموريتانية السنغالية “أن البلدين الجارين قد تمكنا من تجاوز آثار أزمات سابقة من أشدها أزمة 1989 التي كادا خلالها أن يدخلا في مواجهة عسكرية مباشرة”.
وتعود أسباب التوجس التي كانت تخيم على العلاقات السنغالية الموريتانية للخطاب السياسي غير الودي تجاه موريتانيا الذي تبناه أوسمان سونكو رئيس الوزراء السنغالي والرجل القوي في النظام، خلال سنواته في المعارضة.
ولعل الأمر الذي ما زال مصدراً للقلق، هو تعهد الرئيس السنغالي الجديد في برنامجه الانتخابي، بمراجعة اتفاقيات استغلال الغاز الطبيعي، الموقعة مع شركة “بريتش بيتروليوم” البريطانية وشركة “كوسموس” الأمريكية.
فهل سيواصل الرئيس السنغالي التقدم في تنفيذ هذه المراجعة من طرف واحد دون التنسيق مع حكومة نواكشوط، أم إنه سيتراجع عن هذا التعهد بعد أن اتضحت له حساسيته؟
ولعل القضية الوحيدة الأخرى التي لم تتطرق لها اجتماعات اللجنة المشتركة، والتي ما تزال تحتاج لحل حاسم، هي معضلة الصيادين التقليديين السنغاليين الناشطين انطلاقاً من مدينة سينلوي، في المياه الإقليمية الموريتانية اعتماداً على رخص تمنحها لهم السلطات الموريتانية.
فقد تعهد الرئيس السنغالي الجديد لناخبيه بحل هذه المعضلة مع أن حلها ليس بيده، بل بيد حكومة نواكشوط، حيث إن الصيادين التقليديين يمارسون صيدهم برخص موريتانية، وإن كانوا يعتبرون أن صيدهم يجب أن يستمر كما كان قبل قرون مضت، رافضين للحدود البحرية الدولية التي أصبحت واقعاً لا يمكن تجاهله.
ونظراً لموقف الصيادين السنغاليين هذا، فكثيراً ما دخلت قواربهم إلى المياه الموريتانية بطريقة غير شرعية، مما يؤدي لمطاردات البحرية الموريتانية لهم، وهو ما نجم عنه في السابق موت صيادين سنغاليين، في حوادث حركت الشارع السنغالي وتسببت في توتر شديد في علاقات البلدين.