إصابة مدافع ريال مدريد داني كارفاخال، وقبله وسط ميدان مانشستر سيتي رودري، بتمزق في الرباط الصليبي، وبعدهما ايدير ميليتاو وهاري كاين وهاري ماغوير، بدرجات مختلفة من الخطورة، وغيرهم من لاعبي المستوى العالي في بداية الموسم، أثار جدلا في الأوساط الكروية الفنية والاعلامية والطبية، حول الأسباب والتداعيات، وأعاد الحديث عن ظاهرة كثرة المباريات التي يخوضها اللاعبون وتتراوح بين 60 و70 مباراة في الموسم خاصة بالنسبة للاعبين الدوليين، وأولئك الذين تصل أنديتهم إلى أدوار متقدمة في المسابقات التي تخوضها، وتقتضي جهدا وتركيزا ولياقة تفوق قدرات اللاعبين، وتعرضهم لمختلف الإصابات حتى بدون أن يتعرضوا لتدخلات المنافسين.
تزايد عدد الإصابات في بداية الموسم الجاري، وخطورتها، وطول فترة الغيابات كان ملفتا، لكن الغريب في الأمر أن غالبيتها لم تكن بسبب الكسور إثر تدخلات خشنة أو قوية أو عنيفة من الخصوم، بل بسبب استخدام العضلة بشكل يفوق قدرتها على التحمل نتيجة كثافة وقوة التدريبات أثناء التحضيرات، وكثرة المباريات خلال الأسبوع الواحد، ما يؤدي إلى حدوث أنواع مختلفة من الإصابات يغيب اثرها اللاعب المصاب بين ستة الى عشرة شهور بسبب تمزق العضلات والرباط الصليبي وانخلاع المفصل، وهي كلها اصابات تقتضي علاجا طويلا ومكثفا، وراحة أطول تؤثر على مستويات اللاعبين ومردودهم ونتائج فرقهم ومنتخباتهم.
كل الدراسات القديمة والحديثة أثبتت بما لا يدع أي مجال للشك أن السبب الرئيسي لتزايد حجم الاصابات وخطورتها يعود بالأساس إلى الإرهاق الشديد بسبب كثرة المباريات التي تجعل اللاعبين عرضة للخطر، خاصة وأنها صارت أطول مما كانت عليه سابقا، تصل 100 دقيقة باحتساب الوقت بدل الضائع، وصارت تقتضي تحضيرات شاقة ومتعبة قبل بداية الموسم، وحضور بدني وذهني وقدرة كبيرة على تحمل الضغوطات الجماهيرية والإعلامية المتزايدة مع انتشار مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، واستحداث مسابقات اضافية محلية وقارية ودولية، وزيادة عدد الأندية والمنتخبات المشاركة في مختلف المسابقات القارية والدولية، تتخللها فترات راحة قصيرة جدا.
تقديرات الموسم الجاري تتوقع أن يصل عدد المباريات التي يشارك فيها اللاعب الأساسي في السيتي أو الريال إلى 80 مباراة إذا بلغ فريقه نهائيات الكأس المحلية ودوري الأبطال، وإذا شارك في مباريات منتخب بلاده العشر المقررة، إضافة الى بلوغه نهائي كأس العالم للأندية المقررة الصيف المقبل، وهو رقم لم يسبق له مثيل عبر التاريخ، ولا يمكن لأي لاعب بلوغه بسلام من الناحية الصحية، وبأعلى مستوياته فنيا وبدنيا، ما يعرضه للإرهاق وتدني المستوى، ويعرضه للإصابة رغم التطور العلمي والتكنولوجي والطبي والغذائي وكل وسائل الراحة والاسترجاع الحديثة التي يتوفر عليها لاعب المستوى العالي.
الإصابات العديدة لبداية هذا الموسم لن تمر بسلام على مسؤولي الكرة الذين يتعرضون لضغوطات كبيرة، مباشرة وغير مباشرة، تدق ناقوس الخطر، وتدعو الى اعادة النظر في برمجة المباريات والمسابقات لإنقاذ كرة القدم من كرة القدم، وإنقاذ لاعبي الكرة من الملل والإرهاق والإصابات المتكررة على مستوى العضلات بالدرجة الأولى، والتي تبدأ من تشنج العضلات، الى التواء الكاحل والركبة، وتمزق العضلات المأضبية، وكذا تمزق الرباط الصليبي الذي أدى إلى إنهاء رودري وكارفخال لموسمها قبل الأوان، بسبب خطورة الاصابة وصعوبة معالجتها بسرعة حتى بعد اجراء عمليات جراحية لإعادة بناء رباط الركبة وإعادة تأهيلها حتى تتعافى كليا.
صحيح أن الاصابة في الرياضة عموما وكرة القدم خصوصا هي جزء من اللعبة، لكن عندما تتزايد وتصبح أكثر خطورة، حتى بدون احتكاك عنيف بين اللاعبين، فإن الأمر يستدعي وقفة لإيقاف النزيف، حتى ولو كانت مجرد وقفة احتجاجية من اللاعبين، يصعب تصورها في الظرف الراهن، لأن الهيئات الرياضية المحلية والدولية والمؤسسات الاقتصادية والتجارية والإعلامية التي ترافقها دخلت عالما آخر يصعب الخروج منه على المدى القصير، فهل من مغيث للاعب الكرة من كثرة مباريات كرة القدم وكثرة الاصابات؟
٭ اعلامي جزائري