أراد أن يلفت انتباهها فلوّح لها بكلتا يديه. من أعلى شرفتها فسّرت رمز إشارته على طريقتها، فقالت في دخيلتها: «قالت يداه: ليس لديّ ما أقوله لك» ثم أردفت بعد أن كزّت من الغيظ على شفتيها: طيب.. سأرد لك الصاع.
وظلت لبعض الوقت تحْبِك خطة ماكرة في مخيلتها، فاهتدت بهدي من شيطانها إلى ورقة ثم خطت فيها على عجالة: «انتظرني.. هنيهة.. سأطوي السلالم مسرعة وأنزل إليك»، ثم طيّرت الورقة في السماء فتلقفها بكلتا يديه والتهمها بعينيه فأشرقت كل حناياه بمسرة غامرة. وظلت عيناه مشرئبة إلى شرفتها، وظل ينتظر بشوق جارف أن يمرق طيفها من باب العمارة. وظلت خلف الخصاص ترقب توجسه وترقبه إلى أن يئس من خروجها فاختفى. وبينما هي تسرح وتمرح بين ممرات شقتها إذا بخشخشة خلف الباب تهز أوتار نفسها.
دنت من ردهة الباب، سقطت عيناها على وريقة مدسوسة من خلف شق الباب. تصاعدت أنفاسها قبل أن تفتحها وتفك لغزها. ثم سرعان ما هجمت على الوريقة بعينيها المتوجستين، لتجدها بيضاء ناصعة، فارغة من الجهتين إلا من نفحة عطر تسربت إلى أرجائها!
٭ روائية مغربية
كان جد مهذب وجسور وذكي في رده… لعل رشة عطر تختزل كل المسافات.
بوركت دكتورة أسمهان والشكر العظيم للقدس العربي العريقة والأصيلة في رسائلها الإعلامية والثقافية.