الدوحة- “القدس العربي”: سلط موقع “صوت أمريكا” الضوء على قمع الحريات في تونس، وعودة البلاد إلى الوراء، عقب قرارات الرئيس قيس سعيّد الأخيرة، وتحديداً إغلاق مكتب قناة الجزيرة، الذي اعتبر خطوة للوراء في بلد كان يُنظر له على أنه التجربة الديمقراطية المشرقة في الوطن العربي.
واستهل الموقع الأمريكي التقرير، الذي خصص لتحليل الوضع في تونس، بخطوة مداهمة قوات الأمن مكتب قناة الجزيرة في العاصمة، مباشرة بعد تولي سعيّد السلطات التنفيذية وتعطيل عمل البرلمان.
وأشار “صوت أمريكا” إلى أنه بعد أكثر من أسبوع، ظلت المكاتب مغلقة، ومنع الصحافيون من أداء عملهم، أو تغطية الحدث بشكل مباشر.
وكشف لطفي حاجي، مدير مكتب الجزيرة في تونس، لـ”صوت أمريكا”، أن المنع الذي تعرضت له المحطة، “عطل عمل الصحافيين والمراسلين، خصوصاً وأن الأجهزة مصادرة داخل المكتب، وأصبح بعض الزملاء يعملون من منازلهم، يرسلون الأخبار عبر هواتفهم، بينما بعض المراسلين يبثون على الهواء عبر سكايب فقط”.
وقال الحاجي وزملاؤه إنهم حاولوا استعادة المعدات، لكن دون جدوى.
ووقعت المداهمة في صباح يوم 26 يوليو/ تمّوز، في الوقت الذي دخلت فيه البلاد في اضطراب سياسي، أثار المحللون تساؤلات حول استمرار ديمقراطيتها الهشة.
واعتبر موقع “صوت أمريكا” أنه “لطالما اعتبرت تونس قصة نجاح نادرة للربيع العربي، في كثير من الحالات، أدت الحركات والاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية التي اجتاحت الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قبل عقد من الزمان إلى عدم استقرار طويل أو حرب، كما هو الحال في سوريا أو اليمن، أو الحكم الاستبدادي، كما هو الحال في مصر”. ويستطرد المصدر بالقول إنه “بالمقارنة، تونس لديها سجل جيد نسبياً، وهي تحتل المرتبة 73 من بين 180 دولة، حيث رقم 1 هي الأكثر حرية، على مؤشر حرية الصحافة لمراسلون بلا حدود، وتم تصنيفها على أنها “حرة” في التقرير العالمي السنوي لمؤسسة فريدوم هاوس، ومع ذلك، تشير كلتا المنظمتين إلى الضغوط والمضايقات التي تتعرض لها وسائل الإعلام”.
وعاد الموقع لبداية الأزمة التونسية حينما أعلن الرئيس قيس سعيّد حالة طوارئ وطنية، وأقال رئيس الوزراء، وعلّق المجلس التشريعي في البلاد، وجرد النواب من الحصانة وأعلن نفسه الزعيم التنفيذي.
وتأتي هذه الخطوة في الوقت الذي يكافح فيه اقتصاد البلاد للتعافي من موجة جديدة من حالات الإصابة بفيروس كورونا، وبعد احتجاجات حاشدة في عدة مدن على البطالة والوباء، تعرضت معها تونس لانخفاض كبير في الإيرادات المتأتية عادة من السياحة.
ويؤكد الخبراء أنه من غير الواضح ما إذا كانت إجراءات الطوارئ ستُرفع في غضون 30 يوما، وفقا لما ينص عليه الدستور.
وأشار “صوت أمريكا” إلى أن سعيّد تجول مؤخراً في شارع بورقيبة الشهير في تونس، في إشارة واضحة إلى عودة البلاد إلى طبيعتها، ووصف الهجرة الجماعية الأخيرة إلى أوروبا من قبل عدد من الشباب التونسي بأنها مؤامرة لتقويض البلاد.
وقال في شريط فيديو نشره مكتبه “أسوشيتد”، “إنهم يعطونهم المال حتى يغادروا، هؤلاء الناس يستغلون البؤس ويريدون إعادة صياغة ما حدث في 2011، إنهم يضرون بعلاقات تونس مع إيطاليا وأوروبا ودول أخرى”.
وكشف لطفي حاجي للموقع الأمريكي أن قوات الأمن لم يكن لديها أمر من المحكمة عندما دخلوا مقر المكتب الإعلامي.
ووصفت قناة الجزيرة المداهمة التي قام بها ما يقرب من عشرين ضابطا بأنها “هجوم على حرية الصحافة” و”تصعيد مقلق”.
وقالت الشبكة، التي تتخذ من قطر مقراً لها، في بيان، إنها تخشى أن تؤدي المداهمة إلى “عرقلة التغطية العادلة والموضوعية للأحداث الجارية في البلاد”.
وأضافت الشبكة أن ضباط الأمن لم يذكروا سبب المداهمة واكتفوا بالقول إنهم ينفذون الأوامر.
وقبل تونس، تم حظر بث القناة الممولة من قطر في دول أخرى في الشرق الأوسط ، بما في ذلك مصر والمملكة العربية السعودية، في كثير من الأحيان أثناء التوترات بين تلك الدول والدوحة.
وأعربت قطر، إلى جانب تركيا، عن قلقهما بشأن تصرفات سعيد ، لكن الإمارات والسعودية ومصر عرضتا دعما ضمنيا.
مع إغلاق مكتبهم، لم يتمكن موظفو الجزيرة من تجديد تراخيص التصوير الخاصة بهم، حيث أنه في تونس، يجب على وسائل الإعلام الأجنبية تجديد التصاريح كل شهر.
وقال الحاجي: “بدون تراخيص لا يحق لنا التقاط صور في الشارع”.
وكشف الموقع الأمريكي أن الجزيرة ليست الجهة الإعلامية الأجنبية الوحيدة التي تواجه مشاكل منذ حل سعيّد للحكومة، حيث احتُجز صحافيون من “نيويورك تايمز” لفترة وجيزة الأسبوع الماضي، قبل استدعائهم من قبل الرئيس.
وقالت المراسلة فيفيان يي على صفحتها في موقع تويتر: إنه بعد أن أوقفتها الشرطة، تم استدعاؤها وزملاؤها إلى القصر الرئاسي حيث تحدث سعيد مطولاً.
وأضافت المراسلة في وقت لاحق على تويتر: “جئت لتغطية الانهيار المحتمل للديمقراطية في تونس وتم احتجازي لفترة وجيزة، ثم تلقيت محاضرة عن دستور الولايات المتحدة من الرئيس التونسي، الذي تعهد بالحفاظ على حريات الصحافة، لكنه لم يفعل، ولم يسمح لي بطرح سؤال واحد “.
https://twitter.com/VivianHYee/status/1421824070065299458?s=20
وأكد الموقع الأمريكي أن واشنطن كانت صريحة بشأن “إعادة” تونس إلى مسارها الديمقراطي، ونقلت جانباً من تصريحات أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي في مقابلة مع قناة الجزيرة حول الموضوع: “لقد أجريت محادثة طويلة مع الرئيس [التونسي] وحثته على التأكد من عودة تونس إلى المسار الديمقراطي في أسرع وقت ممكن، كما أن لدينا مخاوف من أي جهود لقمع أصوات الشعب التونسي، بما في ذلك وسائل الإعلام ، الذي رأينا بعض التقارير عنه في الأيام الأخيرة “.
وقالت سارة يركس، الزميلة البارزة في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي ومقرها واشنطن، إن الديمقراطيات الغربية يجب أن تضغط على تونس لاستعادة الحكم المدني.
وكشفت لموقع “صوت أمريكا” أنه “خلال الأسبوع الماضي، كان من دواعي سروري أن أرى لغة إضافية أقوى من الوزير بلينكين وجيك سوليفان توضح أن الولايات المتحدة ملتزمة بمساعدة تونس”.
وأجرى سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس جو بايدن، مكالمة لمدة ساعة مع سعيّد، حثه فيها على تشكيل حكومة جديدة “بسرعة”، وفقًا لبيان صادر عن البيت الأبيض.
وأضاف زميل كارنيجي يركيس أن الهجمات على حرية التعبير تثير القلق، مؤكداً أن ما حدث مع الجزيرة بالطبع مثير للقلق، لكن قراءة رواية فيفيان يي (صحفية نيويورك تايمز) عن تفاعلها وزملائها مع سعيد أمر مثير للقلق أيضًا – الطريقة التي يحاول بها استغلال وسائل الإعلام المحلية والأجنبية.
وشددت الباحثة، في تصريحها لإذاعة صوت أمريكا إن هذا خرج مباشرة من كتاب قواعد اللعبة “، في إشارة إلى ما يوصف أنه دليل الطغاة.
وبخصوص ما تعرض له مكتب الجزيرة الذي يعمل به 23 موظفًا، قال حجي إن “حظر الاستوديو الخاص بها قد يكون له عواقب واسعة على جمهور قناة الجزيرة وهو خطوة إلى الوراء بالنسبة لتونس”.
وأضاف: “على مدى السنوات العشر الماضية، مرت تونس بفترة من إرساء دعائم الحريات، ومحاولة لتأسيس قضاء مستقل، وتطبيق سيادة القانون، لكن ما يحدث يعيدنا إلى المربع الأول، ميدان مراقبة ورقابة عمل وسائل الإعلام “،” اختتم مدير مكتب الجزيرة في تونس تصريحه لإذاعة صوت أمريكا.
إذا كان الرئيس من الصادقين!
لماذا لم يترك الكاذبين يتكلموا ليكشف كذبهم؟
أم أن الكذب صار أقوى من الصدق؟!