قبل الثورة بحوالى شهر، نشرت على صفحات هذه الجريدة مقالاً سميته ‘لعبة الأوراق الضعيفة’ وقد كتبت فيه بالنص ‘الكل ضعيف.. ويظل النظام هو الأقوى والأذكى والأكثر تنظيماً، تلك هي الحقيقة المؤلمة’. ليس معنى هذا أن شيئاً لم يتغير طيلة ثلاث سنوات، وإنما هو تأكيد على أن النظام بما تحمله الكلمة وما تحيل إليه من انحيازاتٍ اجتماعية واقتصادية، لم يسقط ولم يتغير رغم الهزة العنيفة، وأن قوانين اللعبة السياسية مازالت كما كانت، خلا النظام الكل ضعيفٌ مرهق، خاصةً بعد الضربة التي تلقتها ومازالت الجماعة. ما جد في حقيقة الأمر هو اكتساب هذا النظام شعبيةً لم يعرفها مبارك، تخطت المنتفعين إلى قطاعاتٍ جماهيريةٍ أوسع بما لا يقاس، وهي تستدعي العنف وسيلةً وحلاً لما تراه من فوضى وانفلاتٍ أمني وانقطاعٍ في الرزق وهبوطٍ في مستوى المعيشة، خاصةً وقد تماهى في أنظارها ذلك التدهور مع الثورة مفهوماً وعمليةً عن طريقٍ إعلامٍ فاسدٍ شائهٍ مشوِهٍ يسعى لترسيخ واقع الهزيمة والعبثية وانعدام المكاسب، غير أن المستجد الأهم في نظري هو استدعاء فكرة البطل – المخلص في صورة السيسي.
من توازنات الضعف التي أسلفت ولدت هذه الظاهرة، وهي ليست مجرد إملاءٍ من مؤسسةٍ عسكريةٍ هي الأقوى والأكثر تنظيماً على الساحة الآن، وقد جددت دماءها بالقائد الشاب الأكثر حيويةً بمراحل من سابقيه الطاعنين المترهلين، وأقل ارتباطاً (على الأقل ظاهرياً) بمبارك، وإنما صعود هذا الرجل – الظاهرة تعبيرٌ عن صيغة توافقٍ بين مصالح رأس المال والبيروقراطية والمجتمع الأمني ـ العسكري المحليين والمصالح الإقليمية، وبالأخص دول الخليج التي تخشى تصدير الثورة، والعالم الأوسع الذي لا يستطيع تحمل استمرار واستشراء حالة الفوضى في مصر، ناهيك عن تطورها إلى آفاقٍ ثوريةٍ’حقيقية تحاول تخطي، بل كسر الحدود المرسومة جيوسياسياً واقتصادياً.
إلا أننا نغفل الكثير إذا لم نذكر ونركز على الجانب الشعبي، أو على الأقل قطاعاتٍ منه نمت مسكونةً بأفكار الخلاص والمخلصين، الذين عادةً ما يأتون هكذا، هبةً مجانيةً من السماء، بلا مقدماتٍ ومن دون الالتفات إلى الظرف الموضوعي التاريخي ونضجه المحتم والضروري من أجل أي تغيير.. يأتي كالحلم ليحل كل المشاكل ويملأ الدنيا عدلاً بعدما امتلأت جوراً وظلماً.
لقد أكدت وكررت في أكثر من موضعٍ أن الوعي الجماهيري العام قد تنامى بمتتاليةٍ هندسيةٍ مذهلةٍ خلال السنين الماضية، إلا أن ذلك لا يعني تخلصه تماماً من ميراث آلاف السنين الذي استُغل تقليدياً من قبل سلطات الطغيان الشرقي لتعضيد سلطانها رغم العسف والجور والإفقار، ليس ذلك فحسب، بل إن ذلك المخلص جاء وقد يئس الناس تماماً ونخر الإرهاق عظامهم، أي أنهم في حالةٍ تجعلهم أكثر عرضةً لتلقف أسطورة المخلص تلك ومنحهاً حياةً من أشواقهم وآمالهم المحبطة في أية مكاسب، خاصة ً إذا كان لا يفوت فرصةً لدغدغة مشاعرهم واحتياجهم إلى من يربت على أعضادهم في حنانٍ أو يتفوه بأقل كلمة توحي بالتفهم.
والحقيقة أنني إذا راقبت مهرجان الطبل والزمر الذي يصاحب تشكل هذه الظاهرة ومن ثم إبحارها في ذلك المناخ السياسي المعقد، لا أملك إلا أن يستحضر ذهني ‘الموالد الشعبية’ في مصر، كمولد السيدة زينب الطاهرة في القاهرة، ومولد السيد البدوي في طنطا.. مشهدٌ تكرر في الكثير من الأعمال السينمائية وخلده أوبريت ‘الليلة الكبيرة’ للراحل المبدع صلاح جاهين، حيث يفد الناس من شتى القرى والنجوع ليحتفلوا بذكرى الولي.. كلٌ له غرضه من المجيء وكلٌ يغني على ليلاه، يتراوحون بين مؤمنٍ مصدقٍ ولص.. والكل سعيد. وفي مولدنا المدهش هذا الكل سعيدٌ أيضاً والكل يرى في الرجل ما شاء وما عنَّ له، فهناك من يراه واضعاً حداً للفوضى ويطالبه بذلك وهناك من يريد دولةً قويةً تؤمن مصالحه الاقتصادية وهناك من يطالبه بالثأر وضرب غزة بالمدافع والدبابات، وهناك بالطبع الكثير من القوى السياسية، خاصةً بعض المحسوبين على التيار الناصري، يسقطون على الرجل ذي الخلفية العسكرية أوهامهم وأحلامهم في مشروع استقلالٍ وطني وتنميةً محليةً، تستعيد دور القطاع العام ودولة مركزية قوية بدرجاتٍ متفاوتة. والكثير من البسطاء ينشدون العدالة الاجتماعية.. ولا داعي لتوضيح كم يحملون الرجل ويظلمونه بما يتوقعونه منه ويطالبونه به.
المحقق أنه طغى تماماً على كل الطبقة السياسية أو من يطلق عليهم ذلك، سواءً من مرشحي الانتخابات الرئاسية السابقة أو من شباب الثورة الذين تتم شيطنتهم على الإجمال والإطلاق، تماماً كعصا موسى، حتى بات أي انتقادٍ أو أبسط تشكيكٍ أو حتى تحفظٍ على مقدرته على الإنجاز يقابل بموجةٍ عارمةٍ من الرفض والاستنكار الذي لا يخلو من فظاظة قد تصل إلى العنف الجسدي ليس من قبل السلطة وإنما من قبل أفرادٍ من الجمهور.
تاريخياً، ولدت أساطير الخلاص من هزائم بدت غير معقولة للناس الذين عاصروها وتابعوها، هزائم رفضوها وثار عليها حس العدالة لديهم والشوق إلى الانعتاق، خاصةً في ضوء قسوة ما حاق بالمخلص من عسفٍ جائرٍ دمويٍ بشع… لاحظ المسيح الصلب، والحسين كربلاء، ككل أساطير الخلاص تولد أسطورة الفريق، معذرةً المشير السيسي من الهزيمة. ليس سراً أن الثورة في حالة انكفاءٍ، تطور وعي الناس وكسروا جدار الخوف إلا أن ذلك لم يترجم في صورة مكاسب على الأرض، وفي ظل الفشل المجتمعي والاقتصادي وتحت غطاء الأسطورة الوليدة يعيد النظام ترميم منظومته الأمنية، من دون أقل إعادة هيكلة، بل إن البعض بات يطالب جهاراً نهاراً بعودة أولئك الضباط الذين كانوا أحد’أسباب اندلاع الثورة بحجة خبرتهم في التعامل مع الإرهابيين.
هوعبثٌ في رأيي، لكنه ليس مجانياً هذه المرة.. فقد دفعت فيه أعمارٌ في سن الزهور وضاعت فيه عيون، وغنيٌ عن التذكير أن إضفاء الطابع الكاريزمي على نفس النهج الاقتصادي والسياسي، وبالأخص التعامل الأمني البحت مع مشاكل اجتماعية – اقتصادية معقدة لن يؤدي إلى أي اختراقات أو مكاسب تشفي من ظمأ… قد يطبق الحد الأدنى والأعلى للأجور، إلا أن ذلك من الناحية الفعلية لن يضبط الأسعار أو السوق، في ظل البنية الاقتصادية الهشة لأسبابٍ عديدة.. الحل الوحيد للخروج من هذا المأزق يكمن في إصلاحاتٍ سياسية حقيقية تغير هيكل السلطة وإصدار القرار وتغييرٍ شامل وعميق في البنية الاقتصادية.
جرياً مع الاستعارة فإن كل مولدٍ لا بد منفضٌ، وكذلك مولدنا هذا، على ضخامته المفحمة سينفض هو الآخر، وسيحين وقت المساءلة والمطالبة بالاستحقاقات.. وقد علمتنا الثلاث السنين الماضية أن الإيقاع البطيء (على أقل تقدير) قد ولى مع مبارك وأن أكبر أسطورة، من دون مكاسب تسقط محترقةً بسرعة النيازك، فهل سيلجأ النظام إلى مزيدٍ من العنف بعد أن يفرغ من الإخوان (إن فرغ)؟
أرجو أن أكون مخطئاً، غير أن بضع علاماتٍ تلح عليً وتقلقني بشدة مستدعيةً أمثلة الفاشستية الشهيرة في التاريخ بمكوناتها: الدولة الشمولية + الزعيم الكاريزمي + العدوالذي يهدد الدولة ووحدته + العسكرة والعنف.
وها نحن الآن نسمع الدعاوى الى تقديس الدولة المصرية ‘القديمة قدم التاريخ’ (وكأن الله الذي أخذ فرعون ليس بقادرٍ على أخذ دولته)… والعدو موجودٌ في صورة الإخوان المسلمين وحماس وغزة التي سنقصفها بالطيارات والدبابات.. والزعيم القائد المفدى ذو الحلة العسكرية عثرنا عليه وها نحن نغني له ونسقط عليه كل تصوراتنا وأمانينا.. ألا يحق لي التساؤل: هل نحن مقبلون على فاشية عسكرية؟
‘ كاتب مصري
لا وجه للشبه بين شهداء الحق كالمسيح والحسين عليهما أفضل الصلاة والسلام، وبين ضاهرة السيسي التي هي وليدة حركة تآمرية من تخطيط وإنتاج وإخراج وتنفيذ المؤسسة العسكرية والرجعية المحلية والإقليمية والدولية. أما عن تساؤلكم، هل نحن مقبلون على فاشية عسكرية؟ الجواب الصحيح، مصر لم يفارقها ظل الفاشية العسكرية إن لم نقل منذ عهد الفراعنة، فبالقليل منذ حركة (ثورة) الضباط الأحرار عام 1952، ولا حتى في عهد الرئيس المدني محمد مرسي المخلوع عسكرياً غدراً، ولكن الآن بدأت تعيشها (الفاشية العسكرية) بأبشع صورها، هذا ما يعنيه شيطنة وقمع وسفك دماء من ليس معها، مع ضاهرة الحق الرجعي الفاشي الذي يُراد بها باطل.
لا اقول اقل من مبروك لكل علمانيي مصر ام الدنيا بدا من احمد ماهر 6 ابريل الى اخر المخدوعين وعقبال زيارة ابو زعبل وتكسير الزلط فيه من قبل حكم لابسي البيادة من مماليك مصر العصر الحديث واللهم لا شماتة
مقال جدبر بالقراءة
ما يجري في مصر مسرح دمى تديره الاستخبارات المحلية والدولية،واللعبة كشفتها رائحة الدماء!مشكلة المثقف المصري العلماني انّه يهرب من الدين ليسقط في حضن الخرافة!تجربة الإخوان حملت بشائر النجاح،فكان لابدّ من إسقاطها،فلا أحد من الأعداء،يريد للإسلام أن يسجل نجاحا في تجربة الحكم!فذلك سيسجل سابقة تغير وجه التاريخ!ومن هنا تحالف الأعدء في الداخل والخارج!أقباط ونخب منتفعة ورجال دين مرتزقة وفنانون وكل من يشكل الدين تهديدا لنمط حياته التكسبي والمنفلت!إنه فرز دقيق له مرجعياته وليس مولد ولا بحث عن مخلص!وليس من رحم الهزيمة بل من خوف النصر الإسلامي الكاسح!