عدم قبول تعاطي الجماهير المشجعة العربية وغير العربية في مونديال قطر 2022 مع الإعلام الإسرائيلي، وكذلك إنشادها لأغنية «أنا دمي فلسطيني» تؤكد بشكل لا لبس فيه رفض التطبيع الشعبي العربي وشعوب العالم مع دولة الاحتلال الإسرائيلي المارقة والموغلة في المجازر اليومية التي يرتكبها الجيش والشرطة الإسرائيلية على مدار الساعة.
وقد حاول الغرب وفي مقدمته أمريكا تعميم مصطلح التطبيع بعد انعقاد مؤتمر مدريد في نهاية 1991، بغرض جعل إسرائيل دولة طبيعية في المنطقة لها سيادة ووزن شرق أوسطي كبير وفاعل رغم فاشيتها المتفاقمة.
رفض شعبي
سعى الغرب وخاصة الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ مؤتمر مدريد إلى عقد مؤتمرات شرق أوسطية حضرتها إسرائيل والدول العربية لرفع المقاطعة العربية تدريجيا، ومن ثم محاولة الوصول إلى نظام إقليمي جديد له مؤسساته عوضا عن مؤسسات الجامعة العربية المختلفة خاصة الاقتصادية منها.
وبهذا يمكن الاعتراف بإسرائيل دولة طبيعية في المنطقة رغم أنها أنشئت في ظروف دولية استثنائية على حساب الشعب الفلسطيني وأرضه قبل أكثر من اثنين وسبعين عاماً.
صحيح أن الإدارات الأمريكية سخرت جلّ جهدها لفرض التطبيع العربي بعد مؤتمر مدريد للتسوية، لكن اللافت أيضاً أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ إنشاء إسرائيل في الخامس عشر من أيار / مايو 1948 لم تتوقف عن سعيها لرفع المقاطعة العربية، وأتبعت سياسات لحمل الحكومات العربية على إنهاء مقاطعتها التجارية لإسرائيل.
ورغم المقاطعة الشعبية العربية لإسرائيل ورفض التطبيع ، ثمة مؤشرات على وجود تطبيع اقتصادي لبعض الدول العربية مع الاقتصاد الإسرائيلي لكنها بقيت في حدودها الدنيا؛ وفي هذا السياق تؤكد مراكز البحث الإسرائيلية المختلفة أن خسائر إسرائيل من جراء المقاطعة العربية يصل إلى أكثر من مليار دولار سنويا، أي أن الاقتصاد الإسرائيلي تكبد خسائر متراكمة وصلت إلى نحو (74) مليار دولار في الفترة (1948-2022).
وتبنت الإدارات الأمريكية خطاباً لكسر المقاطعة العربية لدولة الاحتلال الإسرائيلي، أكدت من خلاله على أن التطبيع الاقتصادي بين إسرائيل والدول العربية يخدم المصالح العربية الاستراتيجية خاصة الاقتصادية منها. لكن اللافت أن هدف التطبيع بين العرب وإسرائيل لا ينحصر في إقامة علاقات تجارية أو دبلوماسية، وإنما يجب أن يشمل مراجعة لمفاهيم مسار الصراع وجذوره الاحتلالية التهويدية لفلسطين، أي يجب أن يكون عملية قلب جذرية للنظرة العربية تجاه إسرائيل كدولة طارئة ناشئة على حساب الشعب الفلسطيني ووطنه فلسطين وتالياً فرض الرواية الإسرائيلية – الصهيونية لاحتلال فلسطين.
وبهذا المعنى فإن اتفاقيات التطبيع الرسمي العربي كتلك الموقعة بين بعض الدول العربية وإسرائيل قد توفر لإسرائيل اعترافا قانونيا بسيادتها كدولة، ولكن هذا الاعتراف بطبيعة الحال ليست لديه شرعية لدى الشعب الفلسطيني والشعوب العربية.
الجماهير المشجعة
ومن الأهمية الإشارة إلى أنه رغم حصول تطبيع اقتصادي بين بعض الدول العربية وإسرائيل، لا يمكن الحديث عن تطبيع شعبي عربي بالمعنى الحقيقي، إذ رفض الشعب المصري وكذلك الأردني عملية التطبيع رغم وجود اتفاقيات رسمية بين كل من مصر وإسرائيل والأردن وإسرائيل.
وقد تأكد الرفض الشعبي للتطبيع مع كيان فاشي محتل مجدداً في مونديال قطر 2022 ، حيث رفضت الجماهير المشجعة على مختلف مشاربها التعاطي مع الصحافيين الإسرائيليين الذين حاولوا الاختراق والحضور بوسائل مختلفة لكن دون جدوى وكانت فلسطين الحاضر الأكبر في المونديال .
محاولات بائسة
ذهبت بعض مراكز بحث إسرائيلية إلى أبعد من ذلك لتشير إلى أن علاقات التجارة الحرة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي توفر لإسرائيل امتيازات عديدة، غير أنها تسعى في الوقت نفسه إلى تحقيق أكبر قدر من المكاسب الممكنة من تعزيز حجم تجارتها سواء السرية أو المعلنة مع بعض الدول العربية، وذلك من خلال اتباع ما يطلق عليه نظام العلاقات التجارية الثنائية، بمعنى أن تقيم إسرائيل علاقات ثنائية مع كل دولة عربية على حدة، بما يؤهلها في مرحلة لاحقة لأن تضطلع بدور المركز والمحور الرئيسي في التعاملات التجارية والاقتصادية مع عدد كبير من الدول العربية والإسلامية.
حراكات الشعوب
وقد استقبلت قرارات بعض الدول العربية تطبيع علاقاتها مع دولة الاحتلال الإسرائيلي خلال العامين المنصرمين بحراكات للشعوب العربية رافضة للقرارات المشؤومة، كما رفض الشعبان المصري والأردني التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1979 ووادي عربة في عام 1994.
ويمكن الجزم أن أحلام التطبيع الإسرائيلية مع الشعوب العربية قد أطيح بها دون رجعة في مونديال قطر 2022 ودوحة العرب ، حيث رفض المشجعون العرب وغير العرب التعاطي مع الاعلام الصهيوني من جهة والتضامن بشكل لافت مع فلسطين، وخير دليل على ذلك إنشاد أغنية «انا دمي فلسطيني «، فهل وصلت الرسالة من الشعوب الى الدول العربية المطبعة ؟
كاتب فلسطيني مقيم في هولندا