ميخائيل نعيمة والنقد الأدبي الرومانتيكي

حجم الخط
0

عندما ولدت الحركة الأدبية، ولاسيما الشعرية منها في القرن التاسع عشر بفضلِ الاتجاه الرومانتيكي الجارف والقائم على أنقاضِ الاتجاه الكلاسيكي، نشطَ النقد الأدبي وعلى وجهِ الخصوص الشعري، فاتسعَ ميدان الشعر والإنتاج الغزير فيهِ؛ جراء مدرسة عظيمة بديعة تقوم على الفلسفةِ العاطفية القلبية، وتُعنى بالذات الفردية العارية الوحيدة، بجميعِ آمالِها أحلامِها وهمومها أي مُولعة بالشخصية ونزعاتِها وسبرِ أغوارها؛ لذا لا ريبَ في أن يكونَ القرن التاسع عشر غنيا بالشعراء والنقاد في ظل وجود الرومانتيكية. إذ يظهرُ النقد ويستفحلُ مع نشاطِ وحيوية الأدب، تربطهُ علاقة قديمة ووطيدة مع الأجناسِ الأدبية منذُ نشأتها الأولية آنذاك، رافقها شفاهيا، وإلى نضجِها التدوِيني الدؤوب استمر بجانبِها وما زال.
نلحظُ من الوقتِ الغابر حينَذاك تغير الشعر من حيث قوالبه الفنية وموضوعاته وعنواناته، وأيضا معانيه، استقى الشاعرُ موادهُ الأساسية اللازمة للشِعر من أمور الحياة العادية، التجارب الفعلية الصادقة وما يشاهدهُ حولهُ تحديدا، على أننا يجب أن لا نخلطَ هذا بالوصفِ الواقعي والاتجاه الذي تلا الرومانتيكية وبرزَ في محاولاتٍ لجعلِها أنقاضا، إلا أنهُ فشلَ في تحقيقِ هذهِ الغاية المُرجوة طبعا، مكثت وصمدت الرومانتيكيةُ إلى يومِنا هذا وبإِشراقٍ وخيالٍ لا مُتناه، وبتحطيمٍ للقوالبِ البالية، الأغراض الرتيبة والمعاني الباهتة المُنطفئة.
على أثرِ كُل ما جرى، تجلى لنا النقدُ الرومانتيكي الخالق والخارق، هو أنضج وأخصب أنواع النقد وأكثرها أثرا على الإطلاق، نقدا حيا لا يموت، يتخذُ من عبارةِ (الحرية في الفن، الحرية في العمل) شِعارا يسوغُ بهِ ما يمارسهُ ويطبقهُ بشكلٍ وجداني شاعري وعبقري. أهم ما رسخهُ النقد الرومانتيكي هو نظرةٌ مُغايرةٌ فريدة عما ينتجهُ الأديب، يرى ما يُصرح بهِ ويعلنهُ ويكتبهُ نتاجا فرديا وذكاء ذاتيا بحتا، يصدرُ من بيئةٍ خاصة، أو أنا مُستقلة معزولة، يُحيلنا تبعا لذلكَ إلى علاقةِ الأدب بالمُجتمع وعلاقته بالمُؤلف، لا كونه نقدا لأفكار وآراء تقليدية مركزها هيئات مصنوعة وقواعد مفروضة صارمة جافة.
كما قالَ الناقد محمد غنيمي هلال في كتابهِ «الرومانتيكية»: «أعظم النقاد في العصرِ الرومانتيكي وأخطرهم أثرا هو الفرنسي سانت بوڤ، لهُ الفضل في السمو بشأن النقد الأدبي حتى صارَ جنسا أدبيا أو كاد، ويعد أبا النقد الأدبي الحديث بغيرِ مُنازعٍ، حرر النقد من العبارات التقليدية المأخوذة من البلاغةِ القديمة».

الشخصيات النقدية

كانَ طبيعيا مثل هذهِ الشخصيات النقدية الحاذقة الجدية والحصيفة أن تكونَ مهمومة بصورةٍ كبيرة في وصفِ وتحليل العمل الأدبي وبيان كيفية تكوينه وشرح طباعه وتقمص حال كاتبه، فضلا عن الحرصِ على إهمالِ الحُكم وتسليط القرار القضائي عليهِ. وظيفة النقد الحقيقية هي النفاذ إلى روحِ المُبدع ومُلاحظة روحه وخفاياهُ من خلفِ عباراتهِ وكلماتهِ المتواري والهارب من الحياةِ إليها، وهُنا نصلُ إلى جوهرِ عملية النقد، تَعليم العامة من الناسِ كيف يقرؤونَ – حرفيا- ومتى يتجاوزونَ القيم الجمالية، السطحيات، الأغلفة والطبقات الأولية من النص المقروء. وعن طريقِ ما ذُكرَ الآن إجمالا نوثقُ تجديد الرومانتيكيين في الأسلوب النقدي وتحريره مما كبلهُ بهِ الكلاسيكيون، وبالتالي التجديد بما يترتب عليهِ في طورِ التغيير الرهيب حاليا، فلولا تمرد الرومانتيكيين وجذورهم الرئيسة ومقاييسهم اللافتة مع تشخيصاتهم الدقيقة لما آل النقد المُعاصر إلى ما آل إليهِ في الآونةِ الأخيرة، ظل رغمَ جنوحه غالبا إلى الابتذال، التكرار والالتزام بالنقد الانطباعي، شبه الخاطئ، يكسبُ جولاتٍ براقة وفاعلة على أيدٍ ناقدة جادة، مُجتهدة وصاحبة خلفية علمية رصينة وأكاديمية، وليسَ بمقدورِنا التعميم والنكران والإقصاء، والتركيز على الفراغِ والترهلات فقط.
ما طرحهُ النقد الأدبي الرومانتيكي الثوري في غايةِ الأهمية حقا ولا بُد من العودةِ لهُ والإمعان فيهِ واسترداد إنجازاته وتطبيقاته ومبادئه، وتجريد العقول من المُغالاةِ، الركاكة الفكرية الفظيعة والتشوهات الحاصلة مرارا، المصحوبة بتبجحٍ وثقة تنبعُ من أنا مريضة، ليست سليمة ولا سوية، تختارُ ما يروق لها من النواحي والاتجاهات النشاز غير المُناسبة، وتجنحُ إلى التفاخرِ البليد بالصنعة، لطالما شن الحروب النقدية وما زالَ إلى هذهِ اللحظة واشتغال يُشيرُ إلى مُستقبلٍ نقديٍ مُريب وافتقار ذوقي، غير انتقائي، وتقنيات انطباعية قشرية لا يُعول عليها في تفكيك النصوص الراقية العميقة وما تحويه من أزياءَ لُغوية وبهرجة صياغية مُلتبسة أحيانا، كأنهم بلا تراثٍ ونقدٍ رصين أصيل، سيُصدم المُتبصر، المُتيقظ الفكر والحكيم على الدوامِ إذن.

مهنة الناقد

من أهم نقاد العرب الرومانتيكيين في بدايات القرن العشرين بلا شك ميخائيل نعيمة، ذهبَ في كتابهِ «الغربال» إلى تحديدِ مهنة الناقد ووظيفته في قولهِ: «إن مهنةَ الناقد الغربلة، لكنها ليست غربلة الناس، بل غربلة ما يدونه قسم من الناس من أفكارٍ وشعورٍ وميول». من خلالِ تصريحه الدال على صفاء الذهن والاستقامة في النقد، على حد تعبير العقاد، نصلُ بوضوحٍ إلى تبيانِ جوهر العملية النقدية الرومانتيكية باختصارٍ، وهو غربلة الأثر الأدبي لا صاحبه كي نتجاوزَ التناقض النقدي، القاتل للإبداع والثقة والمُوَلد لمُقارناتٍ لا تنتهي، الناقد الموضوعي بنسبةٍ ما، والمُغربل للحصيلةِ الأدبية دون صاحبها هو أهلٌ لمُمارسةِ النقد وحمل الغربال الدقيق الخاص بهِ بلا مُنازع.
أصبحتُ مع ميخائيل نعيمة والنقاد الرُومانتيكيين في فكرةِ أن الناقدَ مُرشدٌ ومُهتَدٍ؛ لأنهُ قادرٌ على رد الكاتب، أو الشاعر إلى صوابهِ وطريقهِ الرَزِين، الذي يفتقرُ أكثر نقاد اليوم إلى هذهِ السمة المُميزة للناقدِ عن غيرهِ من عامةِ الناس، المُنقسمينَ إلى راضيين عن الناقد أو ساخطين منهُ، نعم هؤلاء الفريقان لا مُحال من وجودهما اتجاه كُل ناقدٍ مُزاولٍ لعملهِ الطبيعي، هُم كالحياةِ حينما تجحدُ بعض الأشخاص وتكتنفُ بعضهم الآخر، مَن كانَ واعيا ذكيا لا يُبالي، يحثُ نفسهُ على التقدمِ إلى مُبتغاها الفني أو الأدبي المُراد ويَمُدُها بروافدٍ ثقافيةٍ مُطورة للمرءِ حسب.
بَاتَ النقاد الرومانتيكيون، وعلى رأسهم ميخائيل نعيمة يرفضونَ عبادة وتقديس المُصطلحات النقدية الغربية، إذ دعوا إلى إعادةِ النظر فيها وتمحيصها وتقليبها قبلَ الشروعِ في تطبيقِها، برأيي هذهِ خطوة مهمة في تعاملنا مع الغرب والاستيراد الأدبي والسوق الأدبية الغربية أجمع، فليسَ كُل ما يشيعُ عندهم هو قابلٌ للتأديةِ عندنا وعلى نصوصِنا ولُغتِنا، ومن أقرب الأمثلةِ هو النقد الانطباعي الشائع اليوم في صحفنا ومجلاتنا الثقافية، أو كما اسميه الاتجاه الانطباعي – قل ما شئت- يبقى في شتى الأحوال نقدا قاصرا مُربكا، وكونهُ سائدا ومُسيطرا على الأجواء الأدبية وأركانِها تناولتهُ بالذكر، أما عن مُصطلحاتٍ أُخرى، هي جَمةٌ بالتأكيدِ ولستُ بصددِ عرضها والتعليق عليها أبدا. نقد كهذا يبحثُ عن الكاتبِ أو الشاعر الذي يرى بعينِ قلبه أي يرى ما لا يراهُ المُحيط ويسمعُ ما لا يسمعهُ أحدٌ فيهِ، أعطتهُ الحياةُ حدسا وموهبة أخاذة يختلفُ بِها عن سواه السابق أو المُعاصر لهُ، وكما قالَ ميخائيل نعيمة: «هذا الكاتب هو جل ما نبحثُ عنهُ بينَ طيات السنين، ونحملقُ بأبصارِنا في حياتِنا علنا نراهُ».

النقدُ غير محدودٍ، مُتفاوت المناهج والخطوات، والكتابةُ في أبوابهِ تطولُ إلى أبعدِ ما يكون، موردهُ التجربة والصبر على أوسعِ ما موجود، اختتمُ تدوِينتي النقدية التنبيهية، وبعبارةٍ تساورني وتمسي مُشابهة تقريبا تحريك مجاديفي نحوَ ساحلِ الإقليم الرومانسي بناء على اضطراب الأمواج ومناهل البحر من شطآن الجوار المُرة التي تفضي إليهِ، بقولِ ميخائيل نعيمة: «قد يُنبهنا عدم وجود الشيء إلى الشيء أسرع مما يُنبهنا إليهِ وجوده».

رُبما ميخائيل كانَ مُدركا مليا مثلما أنا أدركُ الآن بأن هذهِ الصفات التي يفتشُ وينقبُ عنها في الكاتبِ والمُبدع، هي صفاتٌ يجب أن يتحلى بِها الناقد الجليل أيضا، فأي ناقد بارع ماهر ومتَمَكن يخلو مما ذكرناهُ من الصفاتِ سلفا؟ يكادُ الأمرُ أن يكونَ مُستحيلا، لاسيما إذا تعلقَ الشأنُ بالناقد الرومانتيكي! لا يُضاهي النقد الأدبي الرومانتيكي نقدا آخرَ بتاتا بالنسبةِ إلي وللإغلبيةِ العديدة من المُختصين في الأدب والنقد، يلعبُ دورا ضروريا بينَ المدارس والمذاهب الذي ظهرت قبله أو بعده لاحقا، ولا أريدُ المُبالغة وتفخيم الدور، لكني أرى الشعر الرومانتيكي كما أرى نقدهم وأشعرُ بأدبهم البهي اللامع والخالص، المُستوفي لشروط الفن والبراعة والجمال، كما أشعرُ بعظمةِ نقدهم وهذا جلي وكافٍ في الإفصاحِ عما حققتهُ المدرسةُ الرومانتيكية المُثابرة من وجودٍ باهرٍ مُتأَنِقٍ، اجتهادٍ حقيقي ومُعالجات وتحليلات مُتبلورة وواعية فعلا ليسَ بمقدورِنا إنكارها، تزييف مسعاها وارتداء الأقنعة المُنمقة من أجلِ غيرِها.
قلما يلجأُ أحدُهم إلى استذكار واستعادة ما قالهُ الرومانتيكيون، سواء أكانَ نثرا أو شعرا أو نقدا، وقلما يعرفُ أحدهُم ما وضعوهُ من مقاييسٍ لتحليلِ النصوص والخطابات من أجلاها بيانا، أزخرها غناء وأطلاها رونقا وعذوبة، إلى أشجاها وقعا، زعزعة ورنة، واحدهُم مُقلد ما أمكن مُفردات الغرب وشروطها ومعاييرها الأدبية، يثرثرُ بِها نظريا في كُل وقتٍ ومكان بلا نجاحٍ في تنفيذِها على الورقِ، إنما هبوطٌ وجهلٌ للنقدِ، ثُم انعدامٌ لحسن الاستخدام، ولَمْ يكن سوى تقليدٍ أعمى، بينما الحركة الرومانتيكية رغمَ تأثرها بالغربِ، خاصة الترجمات، ورغمَ اعتبارها رائدةَ الاقتناص والتطفل على الأدبِ الإنكليزي والفرنسي تحديدا، إلا أنها أنجزت مُحاكاة مُثمرة مُتَبَصرة، حينها حرصتْ على حضورِ الأصالة بنسبٍ كبيرة وعدم غياب آرائهم وأفكارهم وشخصياتهم في الأدب والنقد على حد سواء، أعرضت ساعتئذٍ عن الترويجِ والاكتراث بالنسخ والاِحتذاء الحداثوي الأوروبي، ثمة تمسكٌ بالهُوية العربية والاِمتثال بالتراث الثمين، المصحوب بإفاقةٍ فكرية وجدانية، مسكوبة في قوالبَ الكلام المُجردة من الأحقادِ..

النقد الميخائيلي

عبثا مُحاولاتهم في تذكر نوعٍ سامٍ مُترفع من النقدِ الميخائيلي؛ لاِلتهائهم في مُجريات نقدية ثانوية مُتعالية لا مناصَ، عبثا نددوا بهِ وتطلعوا إلى تبديدهِ فكما كتبتُ وعرفتهُ آنفا، هو جوهرُ كلمةَ النقدِ، آفتهُ نقص الاِلتِقاط، ضعف العين الثاقبة، ذات الإحاطة بالغشاء وتراجع التنظيم العقلي مع تبلدِ المُستَودَع المعرفي المعلوماتي.
يمتد أو يتسعُ النقد الرومانتيكي وأعني بهِ بلا ريبٍ الأدبي، لا من حيث أفكاره، مُعتقداته، مداركه وطباعه، بل من حيث الأصوات الصادحة والتركيبات الساطعة فيهِ، لا نخص كمية قيمة أثيرة من الشعراء والأُدباء، إنما نشملُ الذي يُعد ولا يُحصى – طبعا- بإمكاني أن أدعوهم بالإقليم الرومانسي البليغ، ويُمكنني القول بزهوٍ: بالغ الثراء والبهاء، الذي ما بَرحَ يزداد إيجابا وسلبا في بعضِ نواحيه، أما نطربُ لها أو نمجها، وفي كلا الحالتين نرتجي دراسة النقد الرومانسي (الرومانتيكي) من منظورٍ حديثٍ، من دونِ تَشْيِيدِ أحكامٍ وتصوراتٍ مُسبقة، يتبوؤهُ الناقدُ كالآلةِ، التي يكمنُ سر سرعتِها وتفوقها على الآلات المُجاورة، القريبة منها بمعرفةِ الاستعمال، الحفاظ على التعليمات المُرافقة لها وَتَفقد جودتها بينَ الفَينة والفَينة؛ بغيةَ التكيف معها، والأحرى ضمان بقائها بعيدة عن الأخطاء.
النقدُ غير محدودٍ، مُتفاوت المناهج والخطوات، والكتابةُ في أبوابهِ تطولُ إلى أبعدِ ما يكون، موردهُ التجربة والصبر على أوسعِ ما موجود، اختتمُ تدوِينتي النقدية التنبيهية، وبعبارةٍ تساورني وتمسي مُشابهة تقريبا تحريك مجاديفي نحوَ ساحلِ الإقليم الرومانسي بناء على اضطراب الأمواج ومناهل البحر من شطآن الجوار المُرة التي تفضي إليهِ، بقولِ ميخائيل نعيمة: «قد يُنبهنا عدم وجود الشيء إلى الشيء أسرع مما يُنبهنا إليهِ وجوده».

هامشٌ:

لميخائيل نعيمة قلمٌ مُولعٌ بالكلماتِ الفصيحة والصفات المُتتالية البديعة، ناهيك عن فكرهِ المتوهج، عاطفتهِ الهائلة وأسلوبهِ الشائق، بسيط المأخذ بهي المبنى، وهذا ما امتازَ بهِ أُدباء ونقاد الاتجاه الرومانتيكي على الدوام، نلمحهُ في مؤلفاتهم الغزيرة، المُترعة بالفائدةِ والعلم القائم على أُسسٍ متينة إنسانية، ذات طلاوةٍ شِعرية. ها هو جزءٌ قليلٌ من عباراتهِ استحضرتُها في مقالتي للقُراء الأحباء، أشيرُ أخيرا إلى تفطرِ قلوب كُتاب ونقاد الاتجاه أو المذهب الرومانتيكي؛ لأن الأقوام الغارقة في الضجيجِ على مرّ الأزمان لَمْ ولن تفهمَهم أبدا.
لا أهمل نهائيا أعظم الداعين إلى الاتجاه الرومانتيكي مع سانت بوڤ وهي مدام دي ستال، صاحبة العاطفة الفياضة، النظرة الدقيقة والمعرفة الواسعة، التي حصلتها في أسفارِها الأدبية الكثيرة، كانت أول من سمى الاتجاه أو الحركة بهذا الاسم.

كاتبة عراقية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية