ما تزال شخصية أنغيلا ميركل جاذبة للاهتمام، وجديرة بالدراسة والتناول؛ كشخصية تاريخية، ونموذج ألماني وغربي يلفت الأنظار، وجاء دورها وبروزه في توقيت دقيق وفي فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وكانت ألمانيا قد خرجت منها مهزِومة.
ودفعت ثمنا غاليا في الهزيمة باهظة التكاليف؛ عانت من احتلال المنتصرين؛ تقسيما بين دول أطلسية منتصرة؛ بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وأخرى تقع في شرق أوروبا انضوت تحت لواء لقوات حلف وارسو؛ كانت قيادته معقودة للاتحاد السوفييتي السابق، واستمر ذلك الوضع لأكثر من أربعين عاما؛ اشتعلت فيها الحروب الباردة، وكانت اسما على غير مسمى، كانت حربا باردة ولها قسمات أكثر لهيبا مقارنة بغيرها من الحروب الأوروبية وغير الأوروبية، ولم تكن هي في حاجة إلى سخونة. فالحروب بطبيعتها ساخنة، ويزداد لهيبها ونيرانها وحرائقها وما تريقه من دماء وإزهاق للأرواح في ميادين القتال والاشتباك المباشر والتحام الجيوش، والحرب الباردة، تفوق في سخونتها ودمارها أي حروب أخرى؛ فمن يطلع على يوميات معارك «ديان بيان فو» في الهند الصينية، وكوريا وفيتنام، وكمبوديا ودول وميليشيات آسيا الدامية والمُهْلِكة.
وكم من مرة وقف فيها العالم على أطراف أصابعه؛ مذعورا ومرتبكا؛ يترقب ما تسفر عنه المنازلات ومعارك غبية على خطوط النار، وكانت المنازلات شديدة الضراوة، وإن بدأت بحرب باردة مع حصار برلين في عامي 1948 و1949، وكانت بمثابة مجمع لأزمات استمرت تتوالد تباعا بتطورات تلك الحروب الباردة أو شعارات «السلام الساخن» وأضحى السلام الملتهب أشد وطأة من الاشتباك ومقذوفات الحروب والنيران الحارقة بين الجيوش، وخرجت كلها من رحم الهزائم، وكانت الأكثر ضراوة في الحرب الكورية في الفترة من 1950 إلى 1953، وخلال انفجار أزمة برلين عام 1961، واندلاع حرب فيتنام، وقد استمرت من 1956 حتى 1975، وزاد عليها الغزو السوفييتي لأفغانستان، وتلاه أزمة الصواريخ الكوبية في 1962، وقد خيمت على العالم نذر حرب عالمية ثالثة نووية، تهدد العالم بالدمار والزوال غير المسبوق. وجاءت الحرب الأخيرة في تلك السلسلة في شكل مناورات لقوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) عام 1983.
ويعود تأثير شخصية أنغيلا ميركل لمعايشتها تطورات الحرب الباردة، التي انتهت بانهيار الاتحاد السوفييتي السابق، بكل ما ترتب على ذلك من آثار وتحولات غيرت مجرى التاريخ الإنساني وأحداثه، وما زالت بصماتها شاخصة في عالم اليوم. وبمرور الوقت واختمار الظروف وتراكم الأحداث فوجئ العالم بعودة ألمانيا موحدة مرة أخرى في اكتوبر 2006، وكان لأنغيلا ميريكل بالغ الأثر في تعزيز التوجه التوحيدي بين الألمان، مع أن الأداء الاقتصادي في الذكرى 16 لعودة الوحدة الألمانية؛ بدا في الشطر الألماني الشرقي أدنى منه في الشطر الغربي، وذلك مع عدم إغفال فروق كبيرة أخرى في المجالات الأخرى.
وهناك شواهد لتأثير تيار التوحيد على شخصية أنغيلا ميريكل، فبعد سقوط جدار برلين في (نوفمبر 1989) وانهيار الحكم الشيوعي في الشطر الشرقي لألمانيا، بدا ذلك وكأنه تمهيد وتطور مناسب انتهى بعودة ألمانيا موحدة مرة أخرى بعد نحو 45 عاما من الانفصال والتقسيم، ويُعد الثالث من أكتوبر يوم الاحتفال الرسمي بذكرى التوحيد، الذي لم يكن مجرد نقطة تحول في تاريخ ألمانيا وأوروبا فحسب، بل إعادة صياغة لوجدان وذهنية ولادة ألمانيا الجديدة، وكأنها كانت على موعد جديد مع القدر، امتد أثره على العالم المعاصر. فانهيار جدار برلين أدى لانهيار ستار حديدي (فولاذي) بين كيانين كل منهما يتنمر بالآخر، وانهار الكيان الشيوعي الشرقي بسرعة، وأعاد الكيان الرأسمالي الغربي العالم لحالة القطب الواحد، وتزعمته الولايات المتحدة، واعتبرته إنتصارا كاسحا لها وللغرب كله، وللاحتكار والاحتكاريين.
وتولت ميركل منصب مستشارة ألمانيا بعد انتخابات عسيرة أسفرت عن تشكيل ائتلاف موسع مع الحزب الديمقراطي الاجتماعي. وأعيد انتخاب حزبها عام 2009 وزيادة عدد المقاعد، وتمكنت من تشكيل حكومة ائتلافية مع الحزب الديمقراطي الحر
وناشدت أنغيلا ميريكل في الذكرى السادسة عشرة للوحدة الألمانية؛ ناشدت مواطنيها التعلم من تجربتهم، سواء كان ذلك تحت وطأة التقسيم أو أثناء ثورة إعادة الوحدة الألمانية إلى ما كانت عليه، والاستفادة من خبرات الشطرين الغربي والشرقي، ووضع دروس التاريخ في الحسبان في أي عمل مستقبلي. واقتضى ذلك زيادة مساهمة سكان الشطر الغربي من ألمانيا في تنمية الشطر الشرقي، وتأكيد مبدأ «رخاء ألمانيا عموما يتحقق إذا أخذت عملية تنمية الولايات الشرقية على محمل الجد بشكل أكبر». وهكذا استقر وضع ألمانيا الموحدة اليوم بعد مرور كل سنوات طويلة من المعاناة التي تُوِّجت بالوحدة!
ولم يكن الأمر سهلا وفي الذكرى السادسة عشرة لاستعادة الوحدة الألمانية؛ طلبت أنغيلا التعلم من التجربة الألمانية؛ في زمن التقسيم وخطوات التوحيد، والاستفادة من خبرات كلا الشطرين الغربي والشرقي المتراكمة، ووضع دروس التاريخ في الحسبان.
وتكتمل الصورة بسبر أغوار الشخصية المحورية المحركة للأحداث، وهي أنغيلا ميركل، والتعرف عليها عن قرب، وحياتها مرت بما تمر به حياة كثير من الشباب والفتيات الذين عاشوا طفولتهم ومراهقتهم وشبابهم مثل آلاف غيرهم، وكانت ميركل خلال فترة المراهقة التلميذة المجتهدة. تحقق الترتيب الأول على مدرستها، وتطلعت إلى العمل كمُعَلِّمُة، وتبدد حلمها بسبب شكوك السلطات الشيوعية في الشطر الشرقي من ألمانيا الُمقسَّمة واعتبار أسرتها مشتبها بها. وكان ذلك سبب كافيا دفع ميركل لدراسة الفيزياء، والعمل نادلة في حانة بعض الوقت نادلة، وهي تدرس الفيزياء في المانيا الشرقية، وتمكنت من الانتقال للعيش في شقة ببرلين.
المستشارة التي لم يتوقع أحد وصولها الى قمة الهرم السياسي، وهذا ما كتبته الصحافية الألمانية باتريشيا ليسنير كراوس في كتابها عنها، وتناولت فيه سيرتها الذاتية؛ كأول مستشارة ألمانية، وعنوان الكتاب: «ميركل.. السلطة.. السياسة» قالت فيه إن أول مستشارة في تاريخ ألمانيا عملت أثناء دراستها الفيزياء كنادلة في حانة ببرلين. وكانت خلال فترة المراهقة طالبة متفوقة، وتحتل الترتيب الأول في مدرستها، وقد أبدت رغبتها في العمل في كمعلمة، وتبدد الحلم بعدما اعتبرت الحكومة الشيوعية أسرتها مشتبها بها. فاتجهت نحو دراسة الفيزياء بديلا عن دراسة العلوم الإنسانية التي تؤهلها للعمل كمعلمة، بسبب ما فيها من تركيز على الفلسفة والأيديولوجية الماركسية، واضطرت للعمل بعض الوقت في حانة.
وترد ميركل: نعم عملت كنادلة في حانة، وهذا ما صرحت به عندما كانت وزيرة للبيئة عام 1995 «نعم، عملت نادلة في حانة؛ كنت أحصل على أجر يتراوح بين 20 و30 فينينغ؛ عن كل مشروب أبيعه، وذلك منحها دخلا اضافيا. وساهم هذا الى حد كبير في دفع ايجار السكن، وأضافت ميركل التي درست في لايبزيغ بين عام 1973 وحتى عام 1978 «مع الأخذ بعين الاعتبار أن أجرها بلغ 250 ماركا؛ قرابة 15 دولارا في الشهر، وكان ذلك دخلا إضافيا هاما للغاية. وحصلت ميركل على درجة الدكتوراة من برلين الشرقية عام 1986 تحت اشراف البروفيسور يواكيم زاور، الذي أضحى فيما بعد زوجها الثاني. وتحتفظ ميركل (51 عاما) بكثير من التفاصيل حول حياتها الخاصة؛ حتى بعد صعودها المفاجئ من متحدثة باسم اخر حكومة في المانيا الشرقية عام 1990 الى زعيمة الحزب المحافظ عام 2000 وصولا الى المستشارية في 22 نوفمبر 2005، وتولت ميركل منصب مستشارة ألمانيا بعد انتخابات عسيرة أسفرت عن تشكيل ائتلاف موسع مع الحزب الديمقراطي الاجتماعي. وأعيد انتخاب حزبها عام 2009 وزيادة عدد المقاعد، وتمكنت من تشكيل حكومة ائتلافية مع الحزب الديمقراطي الحر.. وتم توثيق التفاصيل الأساسية لسيرتها الذاتية منذ تركها الحياة الأكاديمية في برلين الشرقية وانخراطها في العمل السياسي خلال الأيام العاصفة لتوحيد ألمانيا عام 1990، ولم يتكشف سوى القليل عن حياتها قبل ذلك!!.
كاتب من مصر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته هذه السيدة العظيمة عندما أتذكر وهى في الحكم كيف كانت تدير المانيا وكانت تعمل على مصلحة المانيا والسوق الاوربية المشتركة وكيف تصرفها مع اللاجئين وفتحت المانيا لمليون سوري لدرجة اسمها عندهم ماما ميركل وعملت لهم افخم المدارس واحسن المساكن وافخم علاج وهي تعلم انها ستخصر من شعبيتها ولم تبالي لان الهدف المانيا واقسم بالله أرسلت لها خطاب باللغة العربية وتلقيت الرد منها بعد استلامها الخطاب 15 يوم تحياتي لهذه السيدة العظيمة التي سيذكرها التاريخ بحروف من ذهب . وشكرا
شكرًا أخي عبد الحكم دياب. أنجيلا ميركل سجلت حضور على المستوى العالمي للسياسة بسياسة تختلف عما تقوم به الحكومات التي تبحث عن المصالح الضيقة، وكإمرأة كانت ناجحة جدًا بهذه السياسة. لكن أنا لم أجد أن سياستها كانت كافية فهلى الرغم من استقبالها اللاجئين لكن لم تستطع أن تفعل سيئًا لوقف الحرب الوحشية في سوريا وكذلك سياستها مع إسرائيل لم تغير شيئًا على أرض الواقع. لكنها الحق يقال كانت تريد أن تغير هذا العالم نحو سياسة أفضل وأكثر عقلانية. بالمناسبة كونها عملت كنادلة عندما كانت طالبة فهذه حالة عادية في ألمانيا حيث معظم الطلاب يقومن بأعمال خفيفة لتمويل دراستهم وأنا فعلت ذلك هنا في ألمانيا أيضًا، وعملت في أحد المطاعم كخباز للبيتزا!