ميري كريسماس

نشرت قبل أيام على «إنستغرام» صورة لي ولابنة أخي الرضيعة، أجدد أعضاء العائلة، على خلفية لشجرة الكريسماس مهنئة بالأعياد المجيدة. جاء أحد التعليقات يقول «نتمنى نشوفج دكتورة تهنين المسلمين في راس السنة الهجرية»، ليثير التعليق في نفسي فكرتين، الأولى خاصة بالكيفية التي يرانا الناس بها ويحكمون علينا من خلالها، والثانية بالصفة الوعظية التي يحملونها لأنفسهم ويفرضونها على غيرهم وإن كان بألطف الطرق.
لماذا يا ترى افترض المعلق، وأنا لا أعرفه شخصياً، أنني عادة لا أهنئ برأس السنة الهجرية؟ والأهم، لماذا يتمنى أن أهنئ أنا بهذه المناسبة؟ ما الذي يعنيه له أو للعالم الإسلامي تهنئتي أنا بالمناسبة هذه؟ ما قيمة هذه التهنئة أصلاً إذا ما قدمتُها بناء على «تمني» أحد القراء أو درءاً للحرج أو محاولة لإثبات حياديتي؟ أي معنى للتهنئة، للمديح، للتعبير عن المحبة والاحترام، إذا أتت كلها لا بطريقة طبيعية صادقة نابعة من الذات وإنما بطلب من الآخرين أو إحراجاً منهم؟
يقول د. علي الوردي في كتابه وعاظ السلاطين: «يعتقد الواعظون أنهم كلما غالوا في وعظهم وصعدوا في نصائحهم إلى أجواز السماء كان ذلك أدعى إلى تحسين أخلاق الناس وإلى السمو بها. فهم يظنون أن الواعظ بتحليقه هذا يستطيع أن يرفع أخلاق الناس معه. كأن الأمر عندهم يشبه أن يكون سحباً آلياً نحو الأفق الأعلى. فهم يسحبون والناس من تحتهم يرتفعون» (75). بغض النظر عن نسبية صحة الموعظة أصلاً، من المثير للتفكير اهتمام الأفراد بالفعل الوعظي في أساسه، على اعتبار أنه جذر فكرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ما يحوله إلى واجب على كل متدين. وفي حين أن الوعظ يفترض منه إفادة الآخرين، إلا أن المتحقق منه في الغالب هو تضخيم أنا الواعظ وتعزيز فكرة «ارتفاع» شأنه عند الآخرين من خلال قدرته على «رفعهم» معه إلى درجات أخلاقية أعلى. هنا يجب ملاحظة أن الوردي في تحليله المقتبس أعلاه لربما يقصد الوعاظ «الرسميين» مثل مثلاً خطباء المساجد أو شيوخ الدين، إلا أن توصيفه ينطبق على كل أفراد مجتمعنا المتدين تقريبأً والذين يرون بضرورة مشاركتهم في هداية الآخرين وتوجيههم الطريق الصحيح عن طريق الوعظ المستمر.
يقول الوردي إن هؤلاء الوعاظ «كأنهم يتصورون بأن تقويم الأخلاق أمر يشبه المساومة في شؤون التجارة» (75) وذلك من حيث رفعهم قيمة سلعتهم الأخلاقية عالياً بما يفوق قدرة «الموعوظين». ويكمل شرحه للفكرة قائلاً إنه «نسي هؤلاء بأن الأخلاق البشرية ليست كالبضائع التي تباع وتشترى. فالطبيعة البشرية لها نواميسها التي لا يمكن تخطيها، ومن خالف في وعظه تلك النواميس كان كمن يحرض الناس على العصيان. والإنسان حين يرى الهدف الخلقي بعيداً عنه بعداً شاسعأً يتملكه اليأس ويأخذ عند ذلك بإهماله والاستهتار به» (75). هنا يشير د. الوردي إلى أن صعوبة «القدوة الخلقية العالية» تجعلها كعنقود العنب الذي بعد أن حاول الثعلب مراراً وتكراراً التحصل عليه لم يستطع، بادر قائلاً: «إنه على أي حال عنب حامض!» (76) وعليه، فإن فرض الوعظ «المثالي»، مع التحفظ على معنى مثالي والأخذ بعين الاعتبار نسبيته، سيكون له في رأي الوردي أثر معاكس. يقول الوردي ضارباً مثلاً حول ذلك بأن «فلاسفة التربية الحديثة يشجعون تلاميذهم على الرقص واللعب والضحك، وعلى تعاطي الغرام في وضح النهار، ولسان حالهم يقول: ارقصوا في النور ولا ترقصوا في الظلام. وهم بهذا نصحوا بأمر يسير لا يصعب تنفيذه. أما وعاظنا فقد أنذروا بعذاب الله كل من يحب أو يرقص حتى ولو كان كالطير… يرقص مذبوحاً من الألم. وتراهم يأمرون الناس بالتزام الوقار والسكينة وخمود الأنفاس، غير دارين بأن هذا الوقار المصطنع سوف يخفي وراءه رقصاً نفسياً من طراز خبيث» (76).
مما لا شك فيه أن التعالي على الناس بالوعظ المثالي يصيبهم باليأس، مثلما هي دافعة لليأس فكرة استحالة أن يخلو إنسان من ذنب أو خطيئة وأنه على ذلك، كل البشر واصلون النار بدرجة أو بأخرى ولمدة أو لأخرى قبل أن يصل المستحق منهم للجنة. مثل هذه الأفكار التي يفترض أن الغرض منها هو تحفيز الخوف الدافع للطاعة وتنفيذ الأوامر الوعظية المثالية، هي في الواقع تأتي بنتائج عكسية من حيث تثبيط الهمم وتثبيت اليأس من إمكانية تحقيق المطلوب، وبالتالي تفادي العذاب. أحياناً يكون نتاج هذا الوعظ أبعد من تحفيز اليأس فقط، وقد يؤدي في الواقع إلى تحريك الشرور والدفع بها لملأ الفراغ الذي يترك غياب الأمل من القلوب في تحقيق المطلوب والوصول للصورة الخيرة المرضية للرب كما يصفها الوعاظ، ما يحقق نتائج ليست عكسية فقط، ولكن متضادة ومدمرة كذلك.
وكأني قد ابتعدت كثيراً عن الفكرة الأولية التي دفعت للذاكرة بكلمات الدكتور علي الوردي، فالوعظ اللطيف الخفيف الذي تلقيته من الشخص الكريم من خلال «إنستغرام» لم يكن بكل تأكيد عسيراً أو على درجة من المثالية المستحيلة، إنما كان بكل بساطة غير لائق اجتماعياً (فهو وعظ عوضاً عن أن يهنئ) وهو غير لائق شخصياً (فأنا لا أعرف الشخص وهو لا يعرفني، وليس هناك ما يستدعي أن يفترض هو صورة لأسلوب حياتي الاجتماعية، كما وليس هناك أي مبرر أو صلة اجتماعية توعز له تقديم نصيحة أو موعظة بدت متطفلة متصنعة تود أن تشير إلى تقوى الواعظ أكثرمن الاهتمام بمصلحة الموعوظ).
يبقى السؤال، لو أنني هنأت بالسنة الهجرية المقبلة، هل سيكون للتهنئة قيمة حقيقية لدى هذا الرجل؟ هل ستكون لها أهمية؟ هل ستغير فكرته عني؟ هل سيتصورها خالصة حقيقية أم فقط لإثبات موقف ودرء تصور؟ أي نتيجة من هذه الموعظة تحققت هنا عدا إزعاج القراء بهذا المقال؟

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ابن الوليد. المانيا.:

    .
    سيد رياض، اخبرك انني لا اظن فعلا، بل على يقين من أمري. و لك ان تتبت العكس … و ليس فقط ب “هل تظن .. ”
    هذا يذكرني ب “هل يعقل .. “.

    1. يقول رياض-المانيا:

      لنترك الحكم والاثبات لكل ذي لب راجح وتمييز واضح من المتابعين. لا يمكن للشمس الساطعة ان تحجب بخيوط عنكبوت.

    2. يقول ابن الوليد. المانيا.:

      لا أوافقك الراي يا سيد رياض، ما قلته لم يكن في حق القراء بل في حق شخصي،
      .
      انت قلت في حقي ‘ … محاورك، فعبثا تحاولين، لان كم التلاعب بالالفاظ والتدليس … ” و انا على يقين ان هذا افتراء.
      .
      ثم قلت اعلاه ” …فهل تظنني اطلق الاتهامات لا سمح الله هكذا جزافا … ” و انا لا اظن بل على يقين من أمري.
      .
      فاطالبك بإعطاء الدليل لما قلته في حقي او تسحبه كاملا. و بعدها ساقرر هل اسامحك ام لا، و الا لنا موعد عند العدل المطلق.

    3. يقول ابن الوليد. المانيا.:

      تتمة،
      .
      و طبعا و من العدل، لك كل الحق أن تطالبني بالدليل لكل افتراء رايته صدر مني في حقك. انا مسؤول على كل ما كتبته.

  2. يقول ابن الوليد. المانيا.:

    الى كل ذي نفس طويل … اخوات و اخوة … اللواتي يتابعن و الدين يتابعون النقاش … كل عام و أنتم بألف بخير ..

    1. يقول Naila:

      كل عام وانت بالف اخير صديقي ابن الوليد،اتمنى لك عمرا مديدا ملؤه السعادة والهناء وراحة البال والنجاح .

    2. يقول ابن الوليد. المانيا.:

      شكر، نايلة صديقتي العزيزة، و لك و لاحبتك اجمعين.

  3. يقول ابن الوليد. المانيا.:

    توضيح للقراء الاعزاء،
    .
    احب ان أساهم في ثقافة جديدة في بلداننا العربية أساسها المسؤولية على ما نقول و نفعل.
    .
    لذلك انا لا أريد التفاوض على حق هو لي، و لن اتنازل. و هذه اول مرة في حياتي اعيش هذا الموقف السريالي: اطلب من شخص
    الأدلة على قدح منه في حقي، فيقول لي دعنا نحتكم الى كل راشد من القراء … و ليس القراء اجمعين بل خصص جزء منهم فقط
    بمواصفات فضفاضة (مطية البركة الازهرية). مواصفات الاخ رياض لمن يريد إصدار حكم هو “لكل ذي لب راجح وتمييز واضح” …
    فوجب علينا ان نعرف من هم اولا … و كيف نعرف لبهم الراجح و تمييزهم الواضح .. هل مولانا هو من سيقرر ببركته …

  4. يقول ابن الوليد. المانيا.:

    و انا اليوم افكر في مسألة جمالية و دقة النص، تسائلت مع نفسي ماذا يقع اذا بالغنا في الدقة او الجمالية ..
    .
    فوجدت أنه إذا بالغنا في الدقة قد نحصل فعلا على نص قبيح جدا … فمثلا شركات الأدوية تريد أن تأمن نفسها من كل غرامة و
    محاكمات … الخ … فبالغت في الدقة … النتيجة: لا أحد يحب قرائة نص استعمال الدواء ?
    .
    في المقابل، ماذا يحدث اذا بالغنا في الجمالية. أرى أنه إذا بالغنا في الجمالية قد نحصل على نصوص بدون محتوى …
    لكنها جميلة و قد نسقط عليها كل شيئ جميل كما نحب … و اليكم بضع امثلة:
    .
    يا ليلي . يا ليلي . يا لييييلي . آاااه .
    اماااان . اماااان . اماااان .. يا ويلي .
    .
    لنا حظ منها طبعا ففيها الأندلسي و ليست مشرقية فقط … لكن “نرجسيتي المغربية” دفعتني ان ابحث على نصوص
    مغربية بحثة و مغربية فقط … فوجدت الكثير …
    .
    فعلا في الفنون الشعبية نجد نصوصا صغيرة و بسيطة غناؤها و تكرارها يرفع درجة الطرب عند الناس إلى أعلى عليين، فتجد حتى
    من لا يستطيع الحركة يتمايل طربا … و هنا بضع امثلة:
    .
    * اتيكا … اتيكاوا … اتيكا … اتيكاوا … اتيكا … اتيكاوا …
    * سررررر …. فرررررر …. عايط جبد ….
    * آ هنا طاح اللويز ….. آ هنا نقلبو عليه … ( تكرار إلى درجة الثمالة)
    .
    لعل القراء المغاربة يبتسمون الآن ?

    1. يقول غادة الشاويش _بيروت سابقا عمان حاليا:

      لا زال السؤال قائما :
      ١. ما الدليل على ان كلمة الذكر في سياق التنزيل تعني القرءان وحده ؟ وكلمة الذكر تختلف كليا عن كلمة القرءان ؟
      ٢. ما تفسيرك للاية وانزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم ؟ اذا كان الذكر الذي انزل على محمد هو القرءان فهذا يختلف عن تفسيرك لانك تقول انه ما كتب بغير لغة في اللوح المحفوظ وما انزل على محمد عربي بلغة قريش وما هو المقصود ب( لتبين للناس ما نزل اليهم ) تفضل انتظر منك جوابا ليظهر تهاوي نظريتك التي تستند الى لخبطة شحرورية بائسة !! واتمنى لك بركة ازهرية تمنحك منطقا لتشرح اية واحدة فقط
      ٣. ما دمت تدعي الايمان بالاحاديث وتطعن في ذمة الصحابة الذين هم رواة هذه الاحاديث فمن منهم رواتك الذين تستقي منهم
      ٤. ما دمت تدعي الايمان بالاحاديث الاحاديث تؤكد وحيا للنبي غير القرءان وقد اوردت لك حديث جبريل وهو بالمناسبة متواتر يغني تؤمن او لا تؤمن بالاحاديثثبت بنفس طريقة ثبوت القرءان فان انكرته انكرت القرءان !
      …يتبع لطفا

    2. يقول غادة الشاويش _بيروت سابقا عمان حاليا:

      ٥. اخيرا : قال تعالى( واذ اسر النبي الى بعض ازواجه حديثا فلما نبات به واظهره الله عليه عرف بعضه واعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من انبأك هذا قال نبأني العليم الخبير )
      شو رايك لا وحي الا القرءان وكيف نبا العلي الخبير نبيه وكيف اظهره على حديثهما ..انتظر اجاباتك بعيدا عن نرجسية زائفة وتحياتي الى كل المغاربة ارباب فقه مالك الفذ ومجددي فقه المقاصد ! ولا عزاء للشحروريين مشارقة كانو او مغاربة !

  5. يقول ابن الوليد. المانيا.:

    الأخت غادة، انا هنا انهي النقاش من طرف واحد.

    1. يقول رياض-المانيا:

      طبها ستنهيه. وهل لديك خيار آخر؟

    2. يقول ابن الوليد. المانيا.:

      بلا .. لذي خيارات عدة. انا انهيته لان النقاش اصبح أحادي… و هذا ما عبرت عنه مرارا … و لا أريد للعبث أن يستمر.
      .
      لذي أجوبة جاهزة و منطقية. ان كان ولابد .. فليس باي ثمن. على الأقل أن تتعد انت و الأخت غادة امام الجميع باجابتي
      على أسئلتي. هل توافق سيد رياض؟ هل توافقيني الاخت غادة؟ و فوق كل هذا هناك ناشر جميل و له أمور وجب عليه مراعاتها.

  6. يقول ابن الوليد. المانيا.:

    بلا .. بلا يا سيد رياض .. و انا اتحمل مسؤولية ما اقول أمام الجميع.

1 7 8 9

إشترك في قائمتنا البريدية