لندن ـ «القدس العربي»: على النقيض من الصورة الوردية المحفورة في الأذهان عن مواجهات مانشستر سيتي وآرسنال في السنوات القليلة الماضية، أو بالأحرى في عصر الأستاذ بيب غوارديولا وتلميذه المتفوق ميكيل آرتيتا، قدم الفريقان واحدة من أعنف وأشرس المعارك الكروية في التاريخ المعاصر في الملاعب الإنكليزية، وفي رواية أخرى، نسخة مُحدّثة لقمم العداء والكراهية بين الجيل الذهبي للمدفعجية تحت قيادة العراّب الفرنسي آرسين فينغر وبين مانشستر يونايتد العظيم بقيادة شيخ المدربين سير أليكس فيرغسون في بداية القرن الجديد، وتجلى ذلك في الأحداث الساخنة التي شهدتها قمة عطلة نهاية الأسبوع الماضي، التي احتضنها ملعب «الاتحاد» وانتهت بالتعادل الإيجابي بهدفين في كل شبكة، وذلك بعدما كان الضيف اللندني على بعد لحظات من تجاوز عقدته في الجزء السماوي لعاصمة الشمال، وتحديدا منذ آخر انتصار مظفر على نفس الملعب، والذي يرجع تاريخيه إلى 18 يناير/كانون الثاني 2015، حين انتهى صدام الأسبوع الـ22 من موسم 2014-2015 بثنائية طيب الذكر الإسباني سانتي كازورلا والفرنسي الأنيق أوليفييه جيرو، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن آرتيتا ورجاله فشلوا في تحقيق الهدف المطلوب، أو أن المشروع لا يسير بخطى ثابتة إلى الأمام، بل العكس تماما، بدليل ما شاهدناه من شجاعة وبسالة نادرة في عالم الساحرة المستديرة، لاسيما بعد القرار المثير للجدل، بإقصاء لياندرو تروسار بالبطاقة الصفراء الثانية قبل الذهاب إلى غرفة خلع الملابس بين الشوطين، إذ تحول أصدقاء ريكاردو كالافيوري إلى محاربين من العصور الوسطى، أملا بالحفاظ على تقدمهم أمام البطل المهيمن على أرضه ووسط جماهيره على مدار أكثر من 50 دقيقة لعب في الشوط الثاني، ولولا بعض التفاصيل البسيطة التي سنسلط عليها الضوء معا في موضوعنا الأسبوعي، لسارت الأمور بالطريقة التي أرادها المدرب واللاعبون. والآن دعونا نستعرض أبرز رسائل قمة الأحد الماضي وأسباب ارتفاع سقف طموح جماهير آرسنال بشأن استعادة لقب البريميرليغ الغائب عن خزائن النادي منذ أكثر من عقدين.
عدوانية وشراسة
تبقى الرسالة الأولى الأكثر وضوحا ما وصفتها صحيفة «ديلي ميل» البريطانية بـ«الطرق الملتوية» التي يستخدمها فريق آرسنال، باستخدام بعض التكتيكات المتفق عليها لإهدار الوقت، وبالتبعية التسبب في إزعاج واستفزاز الفريق المنافس، بتلك الطريقة التي جعلت الوحش النرويجي إيرلينغ هالاند، يُقحم نفسه في نزاعات مع الثنائي غابرييل جيسوس وماغالاس وآخرين أثناء المباراة وبعد إطلاق الصافرة، بعد تصرفه الغريب لحظة إدراك هدف التعديل في الثواني الأخيرة، بضرب الكرة في مؤخرا رأس غابرييل، وبالمثل انطبعت كل علامات الحسرة والمرارة على وجه برناردو سيلفا، الذي بدوره تعمد التقليل من الطريقة الدفاعية التي اعتمد عليها المنافس في الشوط الثاني، لدرجة أنه قال بعد المباراة: «كان هناك فريق واحد فقط جاء للعب كرة القدم.، بينما جاء الآخر للعب بأقصى ما يمكن القيام به وما يسمح به الحكم. للأسف لسنا سعداء لأننا أردنا النقاط الثلاث، لكنني سعيد بالطريقة التي جئنا بها للعب وواجهنا بها المباراة. وسعيد لأننا ندخل الملعب دائما لمحاولة الفوز في كل مباراة، الفرق بين مواجهة ليفربول وآرسنال؟ لا أعرف. ربما فاز ليفربول بالفعل بالدوري الممتاز، لكن آرسنال لم يفعل. ربما فاز ليفربول بدوري أبطال أوروبا، لكن آرسنال لم يفعل. كان ليفربول يواجهنا دائما وجها لوجه لمحاولة الفوز بالمباريات، لذلك من هذا المنظور لم تكن المباريات ضد آرسنال مثل تلك التي خضناها وواجهناها ضد ليفربول». صحيح صديق كريستيانو رونالدو في منتخب أحفاد فاسكو دا غاما، كان محقا في الجزئية الخاصة بعدم حصول الغانرز على أكبر لقبين على المستوى المحلي والقاري في عهد آرتيتا حتى هذه اللحظة، لكن انزعاجه الشديد، لا يعكس سوى نجاح آرسنال في إثارة غضب وإزعاج السيتي بشكل حقيقي وملموس.
وهذه في حد ذاتها، يمكن اعتبارها بالخطوة في الاتجاه الصحيح بالنسبة لمشروع آرتيتا، مع الأخذ في الاعتبار، أن ليفربول يورغن كلوب، لم يفز سوى مرة واحدة بلقب البريميرليغ وأخرى بالكأس ذات الأذنين على مدار 9 سنوات من المنافسة المثيرة للإعجاب و«الناعمة» تحت قيادة آينشتاين المدربين الألمان في صراعه مع الفيلسوف الكتالوني، بينما هذا الآرتيتا، على ما يبدو أنه يُدرك جيدا قواعد اللعبة، بأن مواكبة غوارديولا في الرهانات الكروية البحتة ليست كافية للصمود أمامه أو عرقلته، والحل؟ ما شاهدناه مساء الأحد الماضي، بجعل حامل اللقب في آخر أربعة مواسم يكره فكرة اللعب أمامهم، كجزء من رحلة الألف ميل، التي تهدف في النهاية لإزاحة السكاي بلوز من قمة هرم الكرة الإنكليزية، بعد الهيمنة غير المسبوقة على أغلب البطولات المحلية، وبالأخص لقب الدوري الممتاز في حقبة مُحدّث اللعبة في الألفية الجديدة، مثلما حدث في أواخر التسعينات بعد وصول آرسين فينغر، حين استهل ولايته الأسطورية بشراء عداء الشياطين الحمر ومدربهم الاسكتلندي عاما بعد عام، وذلك في خضم سيطرة اليونايتد على كافة الألقاب المحلية وأيضا القارية، بعد ثلاثية 1999 (دوري الأبطال والبريميرليغ وكأس الاتحاد)، كأول ناد إنكليزي يحقق هذا الإنجاز في كل العصور، قبل أن يعادله المان سيتي الموسم قبل الماضي، وآنذاك وبعد وصول حجم الكراهية والعداء بين آرسنال آرسين فينغر وجيل تيري هنري الذهبي وبين مانشستر يونايتد فيرغسون وباقي جيل التلامذة «الأساطير»، تمكن الغانرز من تحقيق لقب الدوري 3 مرات، من خلال التركيز على قوة الشخصية والفولاذ الداخي الذي يُحرك اللاعبين ويجعلهم ندا لأي منافس، أكثر من الجودة والمتعة البصرية، ولو أنه مع الوقت، تحول ذاك الفريق العدواني الذي لا يهضم الخسارة «بصدر رحب»، إلى منظومة جماعية تقدم ما يُعرف بـ«السهل الممتنع» في كرة القدم، حتى بعد انتهاء الجيل الذهبي ودخول الفريق في واحدة من أطول فترات العجاف في تاريخه المعاصر، والتي امتدت بين 2005 و2014.
صفحة جديدة
بالإضافة إلى التطور الهائل على الصعيد العدواني مقارنة بالصورة التي كان عليها آرسنال في الموسمين الماضيين، لاحظ بعض النقاد والمتابعين، ذاك التغيير الملموس في شخصية الفريق ومستوى وعي ونضوج اللاعبين، والحديث عن فريق كان قبل موسمين أو ثلاثة، يُنظر لمبارياته المباشرة مع المان سيتي، على أنها نزهة أو في أضعف الإيمان «مواجهة في المتناول»، بسلاسل من الهزائم المحرجة، آخرها الانحناء الكبير بنتيجة 7-2 في مجموع مباراتي الدور الأول والثاني في موسم 2022-2023، الذي كان سببا في زيادة حملات السخرية والتشكيك من قدرة التلميذ على مجاراة أستاذه، حتى عندما قرر آرتيتا وكتيبته وقف مسلسل الهزائم المهينة كرويا، اضطروا لرفع شعار «الملل قبل أي شيء»، من أجل الحصول على 4 نقاط كاملة في مباراتي الموسم الماضي، بانتصار بشق الأنفس في ملعب «الإمارات» بهدف غابرييل جيسوس الوحيد، وتعادل سلبي في ملحمة «الاتحاد» في ختام الأسبوع الـ30، لكن يوم الأحد الماضي، كان واضحا أن آرسنال كشر أخيرا عن أنيابه وأظهر مخالبه الحادة، وبلغة كرة القدم «لعب بشجاعة وبلا خوف»، على الأقل طوال الفترة التي لعب فيها وهو كامل العدد، قبل طرد الجناح البلجيكي في نهاية الحصة الأولى، في ما كان أشبه بـ«منعرج المباراة»، من شجاعة وجرأة لدخول قائمة العظماء الذين تذوقوا طعم الفوز على أفضل مدرب في العالم هذا القرن في عقر داره ملعب «الاتحاد» (12 مرة في كل البطولات)، منذ توليه المهمة خلفا للتشيلي مانويل بيليغريني في 2016، إلى ذلك التراجع الاضطراري في الشوط الثاني، لتجنب التعرض لمذبحة جديدة على طريقة ما حدث في الـ28 أغسطس/آب 2021، عندما سقط المدفعجية بخماسية مذلة بعد طرد القائد السابق غرانيت تشاكا، فكانت النتيجة ضرب عدة عصافير بحجر واحد، الأول والأكثر أهمية تأمين نقطة ثمينة في رحلة البحث عن أول لقب بريميرليغ منذ 21 عاما، والثاني رد اعتباره بعد ما وُصف بالأداء الجبان في مارس/آذار الماضي، حين فرط النادي اللندني في الفرصة النادرة، بغياب كتيبة من أهم الركائز الأساسية في تشكيل الفريق السماوي بداعي الإصابة، ناهيك عن إحراج حامل اللقب وجعله يعيش كابوس الهزيمة للمرة الأولى في آخر 48 مباراة في كل البطولات.
وما سبق يدل على أن آرسنال خاض هذه المعركة بدون خوف، وأيضا بالكثير من الثقة في النفس، كما شاهدنا في رد فعل اللاعبين بعد استقبال هدف هالاند المبكر (الهدف رقم 100 للوحش الاسكندينافي مع السيتي في 105 مباريات)، بعدم المبالغة في الاندفاع إلى الأمام والحفاظ على حالة الهدوء، خاصة في الدقائق القليلة التي أعقبت الهدف الذي صنعه سافينيو لهالاند في الدقيقة التاسعة، إلى أن أتيحت لهم الفرصة المناسبة للعودة في نتيجة المباراة، وحدث ذلك في غفلة من لاعبي السيتي، باستغلال ماكر للمخالفة التي احتسبها الحكم مايكل أوليفر، انتهى بتمريرة طولية للمنطلق كالسهم من الجهة اليسرى مارتينيلي، الذي بدوره شق طريقه نحو المناطق المحظورة في دفاع السكاي بلوز، وفي الأخير وضع الكرة على طبق من فضة أمام الوافد الإيطالي الجديد كالافيوري، ليغالط الحارس البرازيلي إيدرسون، بتسديدة خادعة وغير متوقعة من على حدود منطقة الجزاء، في لقطة فجرت غضب غوارديولا وجعلته يخرج عن شعوره، بركل أحد مقاعد الملعب، كتعبير عن ضيقه الشديد من السيناريو المجاني الذي جاء منه هدف تعادل المنافس، حيث قام الحكم باستدعاء قائد المان سيتي كايل ووكر، للتحدث معه بعد المخالفة التي ارتكبها إلكاي غندوغان على توماس بارتي، وذلك في الوقت الذي كان ينفذ فيه ديكلان رايس المخالفة، بتمرير الكرة إلى الأمام نحو مارتينيلي في المساحة التي كان من المفترض أن يدافع عنها ووكر، قبل أن يُهديها للدولي الإيطالي ليهز الشباك في الدقيقة 29، قبل أن يأتي الدور على المدافع غابرييل، ليضيف الهدف الثاني في نهاية الشوط الأول، باستقبال مثالي بالرأس للركلة الركنية التي نُفذت من الجانب الأيمن على القائم البعيد، في استغلال أكثر من رائع لسلاح الكرات الثابتة، التي تحولت إلى أشبه بركلات الجزاء بالنسبة للغانرز منذ وصول مدرب الكرات الثابتة نيكولاس غوفر، بهز شباك الخصوم 44 مرة بهذه الكيفية منذ 2021، والهدف رقم 25 بنفس الطريقة من الموسم الماضي، وهو تقريبا ضعفا عدد الأهداف التي سجلها بطل أوروبا والليغا الموسم الماضي ريال مدريد من الكرات الثابتة في نفس الفترة (13 هدفا)، وكأن آرسنال تعاقد مع صفقة من العيار الثقيل لزيادة معدل أهداف الفريق من العدم، وهذا لا يعكس سوى عمق تفكير آرتيتا ومدى جاهزيته للتعامل مع كل الخصوم وكل المواقف، فقط من أجل تحقيق هدفه أو حلمه الكبير في عالم التدريب، بإنهاء الاحتلال السماوي للقب الدوري الإنكليزي الممتاز، وبالفعل كانت الأمور والخطة تعمل بشكل شبه مثالي في أول 45 دقيقة، لكن بعد ذلك حدثت الكارثة، التي أجبرت المدرب وفريقه اللندني على اقتباس إستراتيجية «حافلة» جوزيه مورينيو في ولايته الثانية مع تشلسي وبعض الأحيان في تجربته غير الموفقة مع مانشستر يونايتد وبدرجة أقل ديوك توتنهام.
درس مورينيو
صحيح جُل جماهير آرسنال، أجمعت على أن تروسار، لم يكن يستحق الطرد في نهاية الشوط الأول، لكن بلغة القانون، سيكون من الصعب إلقاء اللوم على الحكم أوليفر، الذي يمكن القول إنه طبق القانون بحذافيره على الدولي البلجيكي، والأمر لا يتعلق بتهور الأخير في التحامه المباشر مع برناردو سيلفا، بل لقيامه بركل الكرة بطريقة أعطت إيحاء، وكأنه يتعمد إهدار الوقت لمنح زملائه الوقت الكافي للعودة إلى أماكنهم قبل أن يشن السيتي هجومه المضاد. أما ما فجر عاصفة من الجدل والقيل والقال، هو تغاضي الحكم عن معاقبة البلجيكي الآخر دوكو، في حادث مماثل في المباراة، لينتهي المطاف بتروسار، بخذلان فريقه ووضع مدربه في موقف لا يُحسد عليه، لدرجة أنه كما أشرنا أعلاه، سار على نهج «سبيشال وان» في المواقف الصعبة، بتعليمات واضحة للجميع بالعودة إلى الوراء، بوجود تسعة لاعبين دفعة واحدة خلف الكرة في الثلث الأول من الملعب، ورغم وصول نسبة استحواذ فريق غوارديولا إلى ما يلامس الـ90% في أغلب فترات الشوط الثاني، إلا أن عزم الفريق الضيف لم يتزعزع أبدا، بصمود واستماتة دفاعية، بمحاصرة حامل الكرة على حدود مربع العمليات بلاعبين في كل المواقف، لمنع المنافس من تدوير الكرة من اليمين إلى اليسار أو العمق بأريحية، الأمر الذي أجبر رفقاء هالاند الاعتماد على حل التسديد كلما أتحيت الفرصة، وأيضا على فوضى الكرات الثابتة، التي جاءت منها الابتسامة في اللحظات الأخيرة، وحدث ذلك بعد 28 محاولة في الشوط الثاني فقط، ولنا أن نتخيل أن هذا كان أعلى معدل محاولات على المرمى تم تسجيله في شوط واحد في تاريخ الدوري الإنكليزي الممتاز، بعد انحراف تسديدة لاعب الوسط ماتيو كوفاسيتش، نحو المدافع جون ستونز على بعد أمتار تعد على أصابع اليد الواحدة من شباك الحارس ديفيد رايا، الذي بدوره بصم على أكثر من رقم فردي مثير للدهشة والاستغراب، مثل أنه كان اللاعب الأكثر لمسا للكرة في صفوف آرسنال في شوط الغارات، وأنهى المباراة بـ9 تصديات، معادلا رقم الحارس كيبا في مباراة بورنموث ضد ليفربول هذا الموسم. ومع انتهاء المباراة بالتعادل الإيجابي بهدفين للكل، بدا وكأن مانشستر سيتي وجماهيره، قد أفلتوا من غياهب السجن والمجهول حال انتهت سلسلة اللاهزيمة في الدوري وكل البطولات، أما المدرب آرتيتا، فكان فخورا بفريقه أكثر من أي وقت مضى منذ توليه المهمة خلفا لمواطنه أوناي إيمري، متغزلا في الطريقة التي كافح بها فريقه للخروج بهذه النتيجة وهم بعشرة لاعبين، قائلا: «الطريقة التي يتنافس بها الفريق لا تصدق، أنا فخور بهم للغاية، لا يمكنك أن تجد نفسك في موقف أكثر صعوبة ضد هذا النوع من الخصم، إن الشباب كانوا محبطين للغاية لأنهم بذلوا كل ما في وسعهم، لقد وضعوا قلبهم وروحهم في كل قرار. وهم يعرفون أيضا أنهم اتخذوا خطوة كبيرة أخرى اليوم للقيام بما فعلوه كأفراد»، بدون أن يُظهر أي نوع من أنواع الاكتراث لحملات الهجوم والنقد اللاذع، بسبب اللجوء لأفكار مورينيو الدفاعية، مجسدا المقولة المأثورة في الملاعب المصرية والعربية «اللي تغلب به ألعب به»، ضمن الذكاء الذي اكتسبه آرتيتا وفريقه مع الوقت، أو كما وصفه ستونز بعد المباراة بـ«الذكاء أو القذارة الكروية أيهما تريد وصفه»، مضيفا بطريقة فيها الكثير من الإسقاط على المنافس «إنهم يتعمدون قطع اللعب، وهذا يخل إيقاع المباراة، ودائما ما يستخدمون هذه الحيلة لصالحهم، وقد تعاملنا مع الأمر بشكل جيد».
ما بعد التحول
حتى نفهم كيف تحول سلوك لاعبي آرسنال من الصورة المحفورة في الأذهان عن الفريق الشاب «الكيوت» الذي ينتظره المستقبل، إلى عصابة أكثر انتهازية من أحمد عز وعمرو يوسف وباقي أبطال سلسلة أفلام «أولاد رزق»، دعونا نفتش عن «الخدعة» التي لجأ إليها المدرب الإسباني، لاختبار يقظة وجاهزية رجاله لمواجهة الخصوم وأفكارهم الماكرة والخبيثة كرويا في الأوقات المعقدة، ووفقا للرواية التي نقلها موقع «كووورة» عن أحد المصادر البريطانية، فقد جرت هذه الخدعة قبل مواجهة سابقة ضد ليفربول انتهت بفوز فريقه بنتيجة 3-1 في ملعب «الإمارات»، وكانت ظاهريا بنية اجتماع المدرب مع اللاعبين على مائدة عشاء، لكن الهدف كان أكثر عمقا من مجرد تناول الطعام وتبادل الأحاديث، حيث كانت أشبه بالخطة المدروسة لإيصال رسالة قوية لكل اللاعبين بدون اسثثناء، مفادها أن العقلية المطلوبة لتحقيق النجاح والفوز هي الاستعداد المستمر والانتباه للتفاصيل الصغيرة، وحدث ذلك باتفاق مسبق مع أشخاص آخرين قاموا بدور اللصوص لسرقة مقتنياتهم الشخصية مثل الهواتف المحمولة ومحافظ النقود والمفاتيح بدون أن يشعروا، وهو ما حدث بعد تسلسل اللصوص بين اللاعبين أثناء جلوسهم على الطاولة، في ما كان أشبه بالاختبار الشيطاني للتأكد من قدرة لاعبيه على الانتباه والحذر في بيئة آمنة نسبيا، وبالتالي استنتاج مدى استعدادهم لمواجهة الخصوم في بيئة أكثر تعقيدا وضغوطا مثل ملعب كرة القدم، خاصة بعد نجاح الخدعة مع اقتراب نهاية الوجبة، حيث نهض من مكانه ليفاجئ اللاعبين بسلسلة من الأسئلة الصادمة مثل «هل فقد أحدكم هاتفه؟» ثم أخرج حقيبة مليئة بالأغراض المسروقة، ثم استمر في توجيه المزيد من الأسئلة مثل: «هل فقد أحدكم مفتاح غرفته؟»، والصدمة كانت واضحة على وجوه اللاعبين، حيث اكتشف الكثيرون منهم أنهم فقدوا مقتنياتهم بدون أن يلاحظوا حتى ذلك، ومعها نجح آرتيتا في إيصال الرسالة أو العنوان الرئيسي بضرورة «ألا تدعوا أنفسكم تنخدعون»، أو على أقل تقدير رفع مستوى اليقظة والقدرة على التكيف مع المواقف المفاجئة وعدم تجاهل التفاصيل البسيطة التي قد تكون مفتاح الفوز في نهاية الأمر، بدلا من ترك أنفسهم كمجموعة من الفرائس السهلة أمام اللصوص أساتذة الانتهاز، وهذا تقريبا ما تم تطبيقه على أرض الملعب في اللحظات الصعبة أمام مانشستر سيتي، والتي قد تتحول إلى لحظة عظيمة في موسم الفريق، بعد 5 سنوات لم يحظ خلالها فريق آرتيتا بالتقدير الذي يستحقه، كيف لا وهي المرة الأولى التي يتقمص فيها آرسنال دور المنافس الشرس والحقيقي للسيتي على ملعبه ووسط جماهيره، حتى لو تحقق ذلك بإضافة بعض الطرق الملتوية أو المظلمة، مثل احتكاك كاي هافيرتز العنيف مع رودري في أول لحظات المباراة، الذي قد يتحول إلى لقطة الموسم، كونه أسفر عن انتهاء موسم النجم المرشح للفوز بجائزة «البالون دور» لنهاية الموسم، ولا يُخفى على أحد حجم تأثير رودري على أداء وشكل المنظومة الجماعية لبيب غوارديولا، وكذلك النتائج التي تخبرنا أنه منذ ظهور بطل اليورو مع فريقه الحالي في البريميرليغ عام 2019، خسر السيتي ثلث مبارياته بدون رودري في التشكيلة (7 من 21)، 3 منها كانت في النصف الأول من الموسم الماضي، مع هزائم أمام ولفرهامبتون وآرسنال وأستون فيلا قبل عودته التي ساعدت الفريق في استعادة توازنه والفوز بلقب الدوري للمرة الرابعة على التوالي. ولم يعرف الفريق طعم الهزيمة في 52 مباراة على مستوى البريميرليغ في وجود رودري، كمؤشر على أن القادم سيكون أصعب لغوارديولا وطاقمه المساعد، وذلك لصعوبة تعويض مواطنه في ما تبقى من الموسم، في المقابل، سيكون الرهان الكبير لآرتيتا ورجاله، هو المضي قدما بنفس الزخم والروح القتالية التي كانوا عليها أمام حامل اللقب في قادم المواعيد، على أن تكون البداية بجمع العلامة الكاملة في المباريات الثلاث القادمة أمام ليستر وساوثهامبتون وبورنموث، على أمل أن تكون بداية لسلسلة جديدة من الانتصارات المحلية والقارية، حتى تتحقق وعود اجتماع مايو/آيار الماضي، بأن يعود الفريق أقوى من أي وقت مضى هذا الموسم، فهل يا ترى تسير الأمور كما يخطط لها آرتيتا وينجح في تحطيم الحاجز النفسي الذي كان يعيق فريقه آخر موسمين على وجه التحديد؟ أم ستستمر عقدته مع أستاذه بيب غوارديولا حتى إشعار آخر؟ هذا ما ستكشف عنه نتائج الفريق في المرحلة القادمة.