عاشت العاصمة الفرنسية باريس أياما لا تنسى في تاريخها، عندما وطأت قدما أسطورة الاساطير ليونيل ميسي أراضيها… عشرات الآلاف اصطفوا منذ ليلة الأحد الماضي حول المطار والاستاد والفندق، بل افترشوا الأرض ساعات طويلة كي لا تفوتهم فرصة رؤية ما كانوا يتمنونه في أحلامهم، وانطلقت «ميسمانيا» يوم الثلاثاء الماضي مثل التسونامي في تغيير كل ما يتعلق بالعاصمة.
لا هو ليس أميراً مبختراً، ولا مليارديراً مرصعا باللآلئ، ولا عالما فذا أنقذ البشرية، بل هو رياضي ركل الكرة، وأجاد التحكم بها، إلى درجة فاقت كل نظرائه، فحطم الأرقام القياسية في تسجيل الأهداف وصنعها. هذه كلمات قد ترويها معلمة مدرسة لطلابها بعد عقود طويلة، مثلما روى اساتذتنا لنا حكايات عن بيليه وبوشكاش ومارادونا وأينشتاين ونيوتن.
في الشق الباريسي الفرحة لا توصف بقدرة الادارة القطرية لنادي باريس سان جيرمان على صنع فريق أحلام لا يضاهى، بجمع ميسي مع نيمار ومبابي وراموس ودوناروما وحكيمي وفيراتي، وكأن ما حدث في الاسابيع الماضية من ضرب الخيال لفريق أمنيته فقط الفوز بدوري الأبطال، وكونه أخفق في فعل ذلك بفريق نصفه من النجوم اللامعين، فانه سيحاول مجدداً بفريق كله من أبرز النجوم العالميين. لكن في المقابل هناك الشق الكتالوني المصدوم والتائه بحثاً عن أجوبة، فقبل 10 أيام أعلن ناديه برشلونة انه اتفق على تمديد عقد اسطورته، بل سرد رئيسه خوان لابورتا تفاصيل الاتفاق على عقد لخمس سنوات بنصف قيمة العقد السابق، وعندما جاء خورخي ميسي، مع ابنه ليونيل، للتوقيع، صدما بكلمة «لن يحدث»، لان رابطة الدوري الاسباني رفضت التساهل في قوانينها الصارمة بشأن السقف المسموح لكل ناد في النفقات. لكن هل حقاً هذا هو ما حصل؟
كلنا نعلم أن الرئيس الذي سيتم في عهدته التخلي عن أفضل لاعب في تاريخ كرة القدم، سيوصم بالعار وستلطخ سمعته، ولابورتا يعلم ذلك، بل يعلم ان سلفه جوزيب ماريا بارتوميو أدخل النادي في ديون مهلكة جعلت من الابقاء على أبرز نجوم النادي مهمة مستحيلة، ورغم ان الفرصة كانت سانحة لتقليص النفقات بالسماح لميسي بالرحيل الصيف الماضي، وربما الحصول على 100 مليون يورو بدل انتقال له، أحبطها بارتوميو، فقط كي لا يكون هو الرئيس الذي فعل ذلك وسمح للاسطورة بالرحيل، رغم انه عمق مأساة النادي المادية، وأورثها من بعده إلى لابورتا، الذي أصيب بالذهول عقب تسلمه مقاليد السلطة من هول الأرقام المخيفة للديون، معتبراً أنها فاقت تصوراته، وأدرك حينها ان ميسي يجب ان يرحل كجزء أساسي من عملية اعادة تأهيل النادي وتعافيه من ثقل ديونه، ومع ذلك أبدع اعلامياً في تصوير رغبته الجامحة في ابقاء ميسي، وهو عنوان حملته الانتخابية، وكون الصحف الرياضية الاسبانية تفتقد الحيادية، كونها دائما تتبنى لسان حال النادي بسبب تبعيتها على غرار «آس» و«موندو ديبورتيفو» و«ماركا» و«سبورت»، فان الصحف الكتالونية روجت لفكرة تمديد العقد، متغاضية عن قرارات الرابطة الواضحة بضرورة تخفيض النفقات والديون بالالتزام الصارم بالسقف المحدد لكل ناد، فكان بالتالي حتميا رحيل ميسي ليضع الجميع اللوم على خافيير تيباس، رئيس الرابطة، وليس لابورتا أو بارتوميو، رغم تصريح تيباس الاخير انه كان بالامكان الابقاء على ميسي لو وافق البارسا على عرض «سي في سي» المغري الذي ينشل المتعثرين من ضائقتهم.
لكن بالنسبة لي كان بالامكان ان يبقي لابورتا على ميسي في برشلونة حتى بدون عقد «سي في سي»، لولا خدعته التي أراد بها ان يتخلص من الاعباء المالية الضخمة لميسي، ورغم انني على قناعة ان رحيل ميسي من الموسم الماضي هو الافضل للحفاظ على كيان برشلونة على المدى البعيد، والبدء بعملية بناء نقية وسلسلة بمواهب صاعدة جديدة، لكن لأسباب رمزية وللعاطفة الجياشة التي اجتاحت كل عشاق النجم الأرجنتيني، أقول نعم كان بالامكان الابقاء على ميسي ببساطة بتجديد عقده قبل انتهائه، أي كان لدى لابورتا 4 شهور لفعل ذلك والاتفاق على عقد بنصف القيمة مع ميسي، بدل السماح بانتهاء العقد، والفارق انه لو مدد قبل انتهاء العقد كان سيبقى عضوا في الفريق ولن يحسب على أنه صفقة جديدة على غرار أغويرو وديباي وغارسيا، الذين لن يسمح بتسجيلهم الا بعد تقليص النفقات والوصول إلى سقف محدد، ولو جدد عقد ميسي لكان مثله مثل غريزمان وكوتينيو وبيانيتش، ولسمح بتسجيله باستبعاد هذه الاسماء بدل استحالة اعادة ضمه كصفقة جديدة، لكن لأن لابورتا عقد العزم على ذلك وفعلها بذكاء، ولهذا إلى اليوم جماهير برشلونة مصدومة من الذي حصل وسرعة ما حصل، حتى فراق ميسي ودموعه اختفت سريعا بأقل من 48 ساعة وتبدلت إلى ابتسامة عريضة. هذا لا يحصل عادة بعد علاقة حميمية انتهت بعد 21 سنة من العشق اللامحدود، الا اذا كان هناك اتفاق ولعبة وربما خدعة!
أي إتفاق في سوق المهنة، هل هناك عواطف عند الهجرة من دولة إلى دولة، أم هناك شروط العقد، وفق قوانين ضرائب ورسوم وجمارك أي دولة؟!
بعد قراءة رؤية (خلدون الشيخ) تحت عنوان («ميسيمانيا» ما بين ذهول الصدمة ونشوة الفرحة والخدعة الجهنمية!) والأهم هو لماذا، وما دليلي على ذلك؟!
الأسئلة هنا هي:
في كرة القدم، روح الفريق المتناغم، من أجل الفوز، هي الأصل، وليس اللاعب هو الأصل، لمن لا يعلم ذلك؟!
هل أنت ومالك وحتى لغة جسدك ملك الدولة؟!
هل هناك مكان إلى الأسرة أو أي شركة، أم لا؟!
في الكيان الصهيوني، المال أولاً، ولذلك أي علاقة هي مهنة، يجب أن تدفع عليها ضريبة ورسوم للدولة، حتى تصبح قانونية،
بمعنى آخر، في نموذج إقتصاد الكيان الصهيوني، هناك كيبوتسات الشيوعية الجنسية،
حيث لا يوجد هناك شيء اسمه الأسرة، كما نعرف رجل وامرأة وأولاد، كمنتجات إنسانية،
ولذلك يتم تسمية الأولاد، بإسم من يقبل أن يتبنى، أو بإسم من تلد أي شيء، أي لا مكان للأب، كما هو حال مفهوم أي أسرة في أي مكان،
والله حرام وقمة الظلم لانشتاين ونيوتن الذي غيروا حياة البشرية للافضل وساهموا بصورة عظيمة في التقدم العلمي مقارنتهم ووضعهم في قائمة واحدة مع لاعب كرة مهما علا شأنه لم يساهم بذرة في تقدم البشرية .