مي زيادة وجبران خليل جبران

حجم الخط
0

في زمن الانترنيت، واللهاث وراء لايك، صداقة، أو علاقة في الفضاء الافتراضي، يفترض أن تفقد قصة حب جبران ومي زيادة الكثير من ألقها أو غموضها، في عالم أصبح يعيش دون وجه، ويمارس الغموض أغلب وقته .. لكن قصة تلك الفتاة فلسطينية المولد وعشقها لذلك الرجل الغامض الذي كان يبعد عنها آلاف الأميال.بينما كانت محاطة بأشهر أدباء عصرها في صالونها القاهري، ما تزال تعبق بالأسرار.. تلك الفتاة التي ملكت قلب الرافعي والعقاد، وذلك الأديب الشاعر ‘النبي’ الذي عاش قصص حب جارفة مع ماري هاكسل وميشلين، كيف أمكن لهما أن يمزقا آلاف الأميال ليعيشا ذلك ‘الحب’.. الحب الذي كاد يحرر مي أو يفجر أعماقها المضطربة، والحب الذي صعق مي عندما فقدته، يومها وقف كل شيء ضدها، في نفس الوقت تقريبا ستفقـــــد أيضا والدها ووالدتها، وستستسلم بعدها للأحزان، لدرجة الاكتئاب، وعدم الاكتراث، أو ما سماه أطباؤها وأقاربها بالجنون.. ‘أنت تسمي هذه ‘سلاسل ثقيلة حبكتها الأجيال’، وأنا أقول أنها ‘سلاسل ثقيلة’، نعم، ولكن حبكتها الطبيعة التي جعلت المرأة ما هي’، ‘لا يصح لكل امرأة لم تجد في الزواج السعادة التي حلمت بها أن تبحث عن صديق غير زوجها فلا بد أن تتقيد المرأة بواجبات الشراكة الزوجية تقيدا تاما حتى لو هي سلاسل ثقيلة’، هذا ما قالته مي لجبران في بداية علاقتهما، معلقة على روايته الأجنحة المتكسرة.. تكشف مي في رسائلها لجبران عن خوفها من أن تقطع نهائيا مع الشرق، مع شرقيتها، كما فعل جبران.. وفي ترددها، وفي تهربها الطويل من الاعتراف بعشقها لحبيبها، ثم في اعترافها الخجول، بقيت مي أسيرة قيودها، وبقيت تعيش تناقضها هذا حتى وهي تبوح بحبها، وهي تغازل حبيبها، وهي تحاول أن تطمئن قلقها على صحته المتردية باستمرار .. تعزو غادة السمان سبب جنون مي، المفترض، إلى البرودة التي قوبلت بها كتاباتها، من معجبيها أنفسهم، من رواد صالونها الأدبي، من كبار أدباء عصرها .. كان هؤلاء الذكوريون مولعين بجمالها ولم يروا فيها ما هو أبعد من ذلك، لم يقرؤوا في أدبها إلا جمالها كامرأة لا كأديبة أو كإنسانة ربما، وتفترض غادة السمان أن إنسانة ذكية ومرهفة الحس كمي أصابها هذا التجاهل بجروح لم يقدر لها أن تشفى منها . هل كان جبران بالنسبة لها هو ذاك الرجل الوحيد الذي اعترف بها كأديبة، كحبيبة، كناقدة، كامرأة وكإنسانة في نفس الوقت، الذي شعرت معه بكل هذا، بأنها إنسانة وأنثى وأديبة في نفس الوقت؟ لكن مي ستنهار نهائيا بعد أن تفقد الاثنين: والديها وحبيبها، وللسخرية سيكون أقرب أقربائها، وأحد أصدقائها المعدودين، هو من ادعى عليها بالجنون، وحاول الحجر عليها طمعا بميراثها.. لكن هذا سيحدث بينما كانت مي قد استسلمت تماما، فقدت أي قدرة أو رغبة على المقاومة.. خلافا لحبيبها، الذي كان نيتشويا حتى في صوفيته، حاولت مي الغوص في أعماقها، لكنها وصلت إلى نقطة أدركها عندها الخوف، فاكتفت بنشوة حبها السري، وفي اللحظة التي فقدت فيها كل شيء، اختفى المعنى من حياتها، ولم يبق لها إلا انتظار الرحيل.. حتى النهاية بقيت مي شرقية، وحافظت بقداسة على تلك ‘السلاسل الثقيلة’ التي ورثتها، لكن للسخرية، لم تربطها تلك السلاسل بأي زوج، بل بحبيبها نفسه الذي طالما حذرها منها، ظلت مخلصة لها حتى آخر لحظات حياتها، مهما كانت درجة الألم التي سببتها لها.مازن كم المازqmn

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية