الرباط -« القدس العربي»: قال عبد الحفيظ ولعلو، نائب رئيس الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني، إن ما يقع في غزة من مجازر وانتقام جماعي هو رسالة لإعادة النظر في التطبيع”، مذكّرًا بأن “المغرب سبق أن فتح مكتباً للاتصال في الرباط سنة 1994، بعد اتفاقية أوسلو، وتقرر إقفاله سنة 2000 مع انتفاضة القدس”.
وأثار السياسي المغربي، في حديث لـ”القدس العربي”، الانتباه إلى تعنّت رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو ومحاولته “القضاء على المقاومة الفلسطينية في غزة، من خلال إبادة السكان العزل وأمام عجز الأمم المتحدة والمنتظم الدولي ودعم مباشر من طرف الولايات المتحدة الأمريكية التي تقدّم كل أنواع الأسلحة المتطورة، وفي الوقت نفسه تستعمل حق الفيتو ضد كل القرارات الأممية لوقف إطلاق النار في غزة، وهذا ما حدث يوم الجمعة 8 كانون الأول/ديسمبر برفضها مشروع قرار تقدمت به الإمارات العربية المتحدة”.
وأوضح ولعلو أن هذا “الرفض الأمريكي في مواجهة العالم وحتى حليفها السياسي بريطانيا، يؤكد مشاركتها الفعلية في الحرب على غزة وفي الجرائم ضد الإنسانية التي تقترف هناك”، لذا فإن على “الدول العربية والإسلامية الضغط أكثر من اتخاذ قرار أكثر جرأة باستعمال كل قدراتها الاقتصادية والمالية والتجارية والدبلوماسية للدفاع عن مصالحها في المنطقة وعن الشعب الفلسطيني”.
إدانة قوية للموقف الأمريكي
وعبّرت الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني عن إدانتها القوية للموقف الأمريكي الأخير باستعمال حق “الفيتو” ضد القرار الأممي لوقف العدوان الإسرائيلي الهمجي في قطاع غزة المحاصرة.
وأكدت الجمعية، في بيان تلقت “القدس العربي” نسخة منه، أن نتنياهو الذي وصفته بـ “المجرم” ما زال “يواصل جرائمه ضد الإنسانية ومحاولاته اليائسة للقضاء على المقاومة الفلسطينية في غزة”، وذلك بالتزامن “مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان”، كما أن الجيش الإسرائيلي ما زال “يقصف ويدمر المستشفيات والمساكن، ويقتل الأطفال والنساء والشيوخ”.
وأبرز عبد الحفيظ ولعلو، في حديثه لـ”القدس العربي”، حجمَ الوعي الجديد لدى شعوب العالم، وبصفة خاصة الغرب، الذي عرف تنظيم مسيرات شعبية تضامنية مع الشعب الفلسطيني، والمطالبة بإيقاف الحرب في غزة”، مؤكداً أن ذلك يؤكد “قوة الرأي العام في التأثير على القرارات السياسية الرسمية للحكومات في أوروبا الغربية وأمريكا نظراً لتأثير الصورة والتغطية الإعلامية المباشرة لما يحدث من جرائم وتقتيل للأطفال والنساء، لنجد أن العديد من السياسيين في أمريكا مثلاً كنواب في الكونغريس والبرلمان وصحافيين ومثقفين وفنانين ورياضيين، يعبرون بوضوح عن إدانتهم لما يقع في غزة، ويطالبون حكوماتهم التراجع عن دعم إسرائيل عسكرياً ومالياً وإعلامياً”.
وأفاد أن الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني نظمت بمعية سفارة دولة فلسطين في الرباط، مهرجاناً خطابياً شعبياً تحت شعار “أوقفوا العدوان ضد فلسطين”، حيث تضمن كلمات لكل من السفير الفلسطيني جمال الشوبكي، وأمناء عامين لأحزاب مغربية مثل “الاستقلال” والاتحاد الاشتراكي” و”التقدم والاشتراكية”، إلى جانب كلمة لقدورة فارس رئيس هيئة الأسرى في السلطة الفلسطينية.
وأكد المتحدث أن تلك الكلمات كانت بمثابة “رسائل تندد بالجرائم الوحشية للكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني الصامد”، مستشهداً بما قاله الرئيس الفلسطيني محمود عباس “لن نرحل، لن نرحل، لن نرحل”. وشدد ولعلو على أن المهرجان حمل رسالة قوية إلى المنتظم الدولي من أجل الضغط على حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة من أجل وقف إطلاق النار وتحقيق هدنة دائمة في غزة.
ورداً على سؤال “القدس العربي”، هل فعلاً تمكنت فلسطين من استرجاع مكانتها كقضية كونية كآخر مستعمرة في العالم الحديث، رغم الخسارة الثقيلة في الأرواح؟ قال ولعلو: “نعم، والدليل أنه بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، تحول حديث الإعلام الغربي من الحرب على أوكرانيا إلى القضية الفلسطينية وعن الشعب الفلسطيني”، ورغم التجاوزات فقد كان في ذلك عودة للقضية إلى واجهة الاهتمام الدولي.
واستعرض الجدل الذي خلقه الإعلام الغربي خاصة الدول التي أعلنت عن دعمها الكامل عسكرياً وسياسياً واقتصادياً لإسرائيل، وذكر منها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وألمانيا وكندا وبريطانيا، وتلك المحاولات التي ركبت مغامرتها “وسائل إعلام تابعة لهذه الدول وهي تحاول اتهام المقاومة بالإرهاب وتصنيفها في خانة الداعشية”.
وأضاف ولعلو أن تلك الدول “قدمت الدعم المالي والعسكري لإسرائيل من أجل تشجيعها على قتل المدنيين العزل، لتضرب عرض الحائط بخطاباتها بخصوص حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وهي تدعم حكومة نتنياهو على إبادة السكان في غزة، ومن ثم فقد سقطت كل الأقنعة عن إسرائيل الديمقراطية وحل الدولتين والتعايش السلمي في منطقة الشرق الأوسط”.
ولاحظ نائب رئيس الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني، أن الغرب وخاصة الدول التي تدعم إسرائيل “عجزت عن فرض هدنة دائمة كما تطالب بها أغلب دول العالم وفي مقدمتها الدول العربية والإسلامية والمقاومة الفلسطينية، لفتح الباب أمام التسوية السياسية وتفعيل القرارات الأممية التي ترفضها إسرائيل منذ 1948”.
للمغرب موقف مبدئي تجاه فلسطين
وتوقف ولعلو عند حضور فلسطين تاريخياً واجتماعياً لدى المغاربة على مر السنوات والقرون، ليؤكد أن “المغرب، ملكاً وشعباً، لديه مواقف مبدئية مند عقود، كلها تضامن ودعم للشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، وحتى قبل التقسيم سنة 1947، حيث عرف المغرب وهو تحت الحماية الفرنسية، عدة انتفاضات تضامنية أواخر العشرينيات والثلاثينيات مع جمع التبرعات والأموال في عدد من المدن المغربية”.
وذكّر المتحدث بمشاركة القوات المسلحة الملكية في حرب 1973، في منطقة الجولان في سوريا والقنيطرة، و”مقابرها خير شاهد على التضحيات الجسام للجنود المغاربة”، كما ذكّر باحتضان المغرب لقمم عربية وإسلامية كانت خير سند للقضية الفلسطينية، ومنها قمة 1974 التي “قررت أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني”، بالإضافة إلى “قمة الدول الإسلامية 1968، بعد محاولة حرق المسجد الأقصى، حيث بادر العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني، إلى عقدها في العاصمة الرباط، ليتم تأسيس لجنة القدس ووكالة بيت مال القدس تحت رعاية مغربية لحد الآن”.
هذا على المستوى الرسمي، يوضح ولعلو. أما شعبياً، “فقد تأسست الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني سنة 1968 بالرباط، وهي تعبر عن الاجماع المغربي حول القضية الفلسطينية وتجمع أحزاباً ونقابات ومثقفين وسياسيين وشخصيات مستقلة وممثلين عن جمعيات المجتمع المدني، وهي تواصل لحد اليوم دفاعها عن القضية الفلسطينية، ومناهضة الصهيونية وفضحها ووقف سياستها التوسعية والمتنكرة لحقوق شعب متشبث بأرضه وكرامته واستقلاله.
أما بخصوص تفاعل الأحزاب السياسية المغربية مع العدوان الحالي على غزة، فأكد أنها كانت وما زالت وستظل حاضرة ومتضامنة مع الشعب الفلسطيني، أسوة بالموقف الرسمي والشعبي الداعم والمتضامن، وذلك يبدو جلياً من خلال مشاركاتها في العديد من التظاهرات والمسيرات والوقفات التي شهدتها العديد من المدن المغربية، وآخرها مشاركتها الفعالة في المهرجان الخطابي بمناسبة إحياء اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني الذي احتضنته العاصمة الرباط.
وفي جوابه على سؤال دعوة الدولة المغربية الى إلغاء التطبيع مع إسرائيل، وعمّا إذا كانت دعوة موضوعية عملياً، فقال عبد الحفيظ ولعلو إنه “بعد شهرين من المجازر وقتل الأطفال والمدنيين العزل من أبناء الشعب الفلسطيني في غزة، أصبح مطلب الكثير من الشعوب العربية والإسلامية ومعها أحزاب سياسية وجمعيات، هو إلغاء التطبيع مع إسرائيل، قصد الضغط على حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة الرافضة للحل السياسي وحل الدولتين”.
مع العلم، يضيف ولعلو، “أن الهدف من التطبيع كان هو فتح آفاق جديدة في مسلسل المفاوضات الجادة بين الفلسطينيين والإسرائيليين للوصول إلى الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني”.
وأوضح المتحدث أن “ما يحدث في غزة والضفة الغربية من اعتداءات وقتل وتهجير قسري، يؤكد أن إسرائيل والحكومة اليمينية المتطرفة لا ترغب في سلم أو أمن المنطقة، ولا ترغب في حل الدولتين، بل في المقابل تستمر في زرع المستوطنات في مختلف المناطق الفلسطينية وفي القدس، متجاهلة كل القرارات الأممية وحتى مواقف حليفها الاستراتيجي الأمريكي الذي يعتبر المستوطنين إرهابيين بناء على ما يقومون به من قتل واعتداءات يومية في حق الشعب الفلسطيني”.
وشدد ولعلو على أن ذلك الحل السياسي موقوف التنفيذ “مشروط باحترام الشرعية الدولية والقرارات الأممية المتعلقة بالنزاع والاحتلال الإسرائيلي منذ سنة 1948، وهذا ما أكدته قرارات العديد من القمم العربية والمبادرة السعودية في قمة بيروت سنة 2002 المعروفة بالأرض مقابل السلام، والتي يرفضها الكيان الصهيوني”.
وختم ولعلو حديثه لـ”القدس العربي” بالقول: “كفاعل سياسي مغربي ومسؤول في الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني، نؤكد عزمنا وتعبئتنا والتزامنا بمواصلة المساندة والدعم للقضية المشروعة وللحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وسنعمل كباقي الأحزاب السياسية والنقابات ومختلف مكونات المجتمع المدني المغربي، على تقديم الدعم الفعلي وبدون مزايدات وفي احترام تام لاستقلال القرار الفلسطيني ولمنظمة التحرير الفلسطينية، ونجدد نداءنا الأخوي لجميع الفصائل الفلسطينية والمقاومة الباسلة لجمع الشمل وتوحيد الصف الفلسطيني لتحقيق المشروع الوطني ولبناء الدولة الفلسطينية بعاصمتها القدس. فكما توحدنا القضية الفلسطينية في المغرب بمختلف الحساسيات السياسية والفكرية، فمن المؤكد أن الوحدة الفلسطينية هي السبيل لإنهاء الاحتلال وفرض الاعتراف بالدولة الفلسطينية أممياً ودولياً، وهو ما نتمناه جميعاً”.