نائب يهودي من أصل مغربي يسخر من “مظاهرات الروليكس والمرسيدس” في إسرائيل.. والصراع أخطر من سجال “الإصلاح القضائي”

وديع عواودة
حجم الخط
4

الناصرة- “القدس العربي”: في خضم السجال الساخن المتصاعد داخل إسرائيل حول “الإصلاحات القضائية” التي تقودها حكومة نتنياهو السادسة، وتعتبرها المعارضة “انقلاباً على السلطة” سخر وزير من “الليكود” من المتظاهرين على طريقته “السوقية”، فصبّ المزيد من النار على التوتر، خاصة أنه أخرج المارد الطائفي من القمقم.

دودي أمسالم يهودي من أصل مغربي، يمسك بثلاث حقائب وزارية، هاجمَ، خلال خطابه في الكنيست، المعارضة، وكل المعسكر المناهض للإصلاحات، فقال ساخراً، في إشارة لكونهم يهوداً غربيين بيضاً وأغنياء واستعلائيين: “عندما شاهدت المظاهرات في الليل، لم أجد في البداية تفسيراً للأنوار المشّعة منها، وما لبثت أن فهمت أن هؤلاء المتظاهرين يملكون ساعات يد ثمينة من طراز روليكس. اُنظروا العدد الكبير من سيارات المرسيدس التي يأتي بها المتظاهرون للاحتجاج. أنتم لا تخجلون؟ أنتم تنتهكون القانون، وحتى المحكمة العليا لا تعمل وفقاً للقانون كل يوم”. وعاد أمسالم وخاطب قادة الاحتجاجات بلغة انفعالية صارخاً: “اُنظروا أي فوضى تشيعون في الشوارع. أنتم تحرضّون على التمرّد. أنصار اليسار هم أكثر الناس فوضوية وبلطجية، والأكثر عنفاً وكذباً في إسرائيل”.

أمسالم: اُنظروا أي فوضى تشيعون في الشوارع. أنتم تحرضّون على التمرّد. أنصار اليسار هم أكثر الناس فوضوية وبلطجية، والأكثر عنفاً وكذباً في إسرائيل.

شرقيون يخدمون في بيوت الغربيين

 أمسالم، الذي سبق وهاجم نتنياهو مستخدماً النغمة الطائفية، قبل شهر، لعدم تعيينه وزيراً في وزارة مرموقة (اضطر نتنياهو ليضع بين يديه ثلاث حقائب وزارية)، هاجم أيضاً بعض قادة الاحتجاج ممن دعوا للتصعيد، ودعوا بطريقة غير مباشرة لاستخدام القوة فقال: “تريدون إطلاق النار؟ بأي سلاح، بواسطة رشاش أم دبابة؟ وعلى من ستطلقون النار؟ عليّ؟ دان حالوتس قائد الجيش السابق الأكثر فشلاً، عرفته إسرائيل يدعو الجنود لعدم الامتثال لجيش الاحتياط لأنهم يعملون ولأنهم يحرسوننا؟ هل نسيت أن إخوتي أيضاً يعملون مثلي ومثلنا، 2.2 مليون شخص يعملون. صحيح أننا نعمل داخل بيوتكم الفخمة، ونقوم بتنظيف حدائقكم، لكننا نعمل”. وقد سخرت منه بعض وسائل الإعلام العبرية والأوساط المؤيدة للاحتجاجات، وردت بالمثل، بالإشارة إلى أن أمسالم كان يتحدث عن ساعات الروليكس بأيدي المتظاهرين، بينما هو بنفسه كان يحمل ساعة ثمينة من طراز كارتيا، وعلى ذلك رد مدافعاً عن نفسه، وعلى لسان مقرّبين منه، أنها هدية من شقيقه قبل أن يرحل.

تبدو تصريحات أمسالم، الذي يشبه بشخصيته اللافتة المهرّج، طرفة أو نكتة سوداء، كما وثقها البعض، لكنها تنطوي على نافذة تتيح النظر لحقيقة الخلاف العميق بين الإسرائيليين، الذي يتجاوز خلافات على تشريعات أو على صلاحيات المحكمة العليا. هذا السجال الراهن المرشح للتصاعد في ظل مواصلة تشريع الكنيست المزيد من القوانين الجديدة، اليوم الثلاثاء، هو استمرار لصراع تفجر قبل عقود بين النخب التقليدية الحاكمة، وفي معظمها وجوهرها هي يهودية غربية قادها اليسار الصهيوني منذ أسّست إسرائيل عام 1948، وبين نخب جديدة شرقية في معظمها يقودها اليمين الصهيوني. تجلى الصدام الأول في نهاية سبعينيات القرن الماضي، وانتهى بسقوط حزب “العمل”، برئاسة غولدا مئير، إسحق رابين، وشيمون بيريز، وغيرهم، من سدة الحكم، للمرة الأولى لصالح اليمين بقيادة حزب “الليكود” برئاسة مناحم بيغن في انتخابات الكنيست عام 1977 التي عرفت نتائجها بـ “الانقلاب”. من وقتها خسر “اليسار الصهيوني” في معظم المعارك الانتخابية، لكنه ظل يحتفظ بمفاتيح الدولة العميقة ويسيطر على مؤسسات القضاء، الأجهزة الأمنية، الإعلام، الأمن، وغيرها.

في خطابه المذكور، توجه أمسالم بغضب لرؤساء المحكمة العليا: “كيف تفسرون أن قاضياً شرقياً لم يدخلها مرة منذ تأسيسها”، وهو بذلك كان ينطق بلسان الملايين من اليهود الشرقيين، وقد سارع رئيس المحكمة العليا الأسبق أهارون براك للتتعقيب بالقول: “بحثنا ولم نجد، وربما أخطأنا بذلك”.

صراع بين النخب

 هذه المفارقة غذّت باستمرار التوتر الطائفي بين الجانبين، وكان يخرج مرة تلو المرة، خاصة في فترات الاسترخاء وتراجع التوتر مع العدو الخارجي العربي والفلسطيني. وعاد وتفجر هذا التوتّر في السنوات الأخيرة بقوة أكبر، على خلفية استمرار هيمنة النخب القديمة على الدولة العميقة من جهة، وعلى خلفية حدوث تغيرات ديموغرافية بات فيها عدد اليهود الشرقيين وعدد اليهود المتدينين المتزمتين (الحريديم) أكبر من اليهود الغربيين ومن العلمانيين، نتيجة نسب متفاوتة في الزيادة الطبيعية، مما حرّك ويحرّك تيارات عميقة وتوترات متصاعدة لدى الإسرائيليين انتهت بصراع مرير على هوية الدولة وعلى قيادة الدولة العميقة. وتزامنت هذه التغيرات الديموغرافية مع تغيّرات في سلوك مجمل الإسرائيليين، ومع تراجع الالتزام بالصهيونية، نتيجة عوامل متنوعة قادتهم لتغليب مصالح حزبية أو شخصية على مصالح عليا كانت بمثابة بقرة مقدسة حتى فترة قريبة.

تجليات التغيير العميق

يتجلى التغيير العميق في عدة أوجه؛ منها استشراء الفساد وإقدام نتنياهو، وهو رئيس حكومة عام 2015، على الضغط على الجيش لاقتناء غواصات باهظة الثمن من ألمانيا، رغم عدم حاجة الجيش لها، علاوة على سماحه للشركة الألمانية المصنعة ببيع بوارج عسكرية حديثة للجيش المصري، بخلاف ما كان حتى الآن، وكل ذلك مقابل أن يعمل ابن عمه المحامي دافيد شومرون كسمسار لصفقة مقدارها 13 مليون يورو. وبعد كشف تحقيق تلفزيوني عن الفضيحة، قال موشيه ياعلون، وزير أمن سابق، ومعه عدد من الجنرالات، أن ما قام به نتنياهو يعادل هزة أرضية أمنية، لأنه “ذبح بقرة أمنية” خدمة لمنافع فئوية وشخصية. وهذا يضاف لتصميمه على البقاء في سدة الحكم، رغم تقديم ثلاث لوائح اتهام خطيرة بالفساد ضده وضد زوجته، مما دفع إسرائيل لخمس جولات انتخابية متتالية، منذ 2018، ضربت حالة الاستقرار السياسي الداخلي. كما تجلى هذا التغيير العميق في تراجع أعداد المتجندين للجيش، خاصة في الوحدات القتالية، وازدياد المتهرّبين من الخدمة العسكرية، وفي عدد المهاجرين الإسرائيليين الشباب، وغيرها من التجليات.

الاحتلال كيد مرتد

وربما ترتبط هذه التحولات لدى الإسرائيليين باستقرار إسرائيل أكثر مما سبق، وازدياد التطبيع العربي، وتراجع التهديدات الخارجية، وضعف الضغوط الدولية، إضافة لانتشار العولمة والاستهلاكية والبحث عن متاع الدنيا والذاتية المفرطة أكثر من فترات سابقة. وهناك جهات إسرائيلية تعتقد أيضاً أن استمرار الاحتلال، وانتهاك حقوق الشعب الفلسطيني، قد عاد كيداً مرتداً على إسرائيل والإسرائيليين، وإفسادهم وتوريطهم في ممارسة العنف والكراهية ضد بعضهم البعض، بعدما أصيبوا بأنفسهم بعدوى العنف والغطرسة وتقديس المصالح الذاتية.

ياعلون: ما قام به نتنياهو يعادل هزة أرضية أمنية، لأنه ذبح بقرة أمنية خدمة لمنافع فئوية وشخصية.

بين هذا وذاك، فإن ترجيح كفة المصالح الحزبية والشخصية، أكثر من أي وقت مضى، يفسّر حالة الاستقطاب والتوتّر الشديد  بين الإسرائيليين، رغم سخونة الجبهة الفلسطينية، ويفسّر صعوبة إحراز تسوية بين المعسكرين المتناحرين، فخطاب رئيس إسرائيل هرتسوغ ذهب مع الرياح، فيما تتواصل الاحتجاجات، مقابل استمرار عملية إخراج خطة “الإصلاحات القضائية” لحيز التنفيذ، وبالتزامن مع ارتفاع حدة لهجة الخطاب لحدّ الدعوة للتمرد والعصيان، والدعوة للفوضى واستخدام القوة من قبل شخصيات بارزة، وبالتلميح الغليظ.

تصاعد الصراع الداخلي

ويتصاعد في الفترة الحالية السجال الساخن داخل إسرائيل على مفاصل الدولة العميقة، وعلى رأسها الجهاز القضائي والمحكمة العليا، التي احتفظت، حتى اليوم، بالكلمة الأخيرة مقابل السلطتين التنفيذية والتشريعية، وهي ما تزال في قبضة النخب الغربية العلمانية القديمة، رغم زيادة عدد قضاة من اليمين ومن المستوطنين في السنوات الأخيرة. لكن هذا الصراع بين النخب القديمة والجديدة يختلط مع صراع العلمانيين مقابل المتدينين على هوية الدولة، خاصة أن هناك وزراء في حكومة الاحتلال الحالية متدينين ظلاميين وعنصريين وغيبيين، وأبرزهم رئيس حزب “الصهيونية الدينية” وزير المالية باتسلئيل سموتريتش. كما يختلط هذا الصراع على المواقع والقيادة وعلى هوية إسرائيل بصراع آخر يدور حول مستقبل الصراع مع الشعب الفلسطيني، بين توّجه جديد يريد فلسطين من بحرها لنهرها، وإخضاع الفلسطينيين بفظاظة بالحديد والنار، وبين من يريد إدارة الصراع ريثما يتم منح الفلسطينيين نوعاً من الحكم الذاتي، تحاشياً للتورط بدولة ثنائية القومية تصبح فيها إسرائيل عندئذ لا ديمقراطية ولا يهودية بسبب أغلبية عددية فلسطينية دون مشاركة بالحكم.

إلى أين تتجه المنازلة الداخلية

تبدو حكومة الاحتلال مصممّة على المضي في تنفيذ خطتها بالسيطرة على الجهاز القضائي، وتقزيم المحكمة العليا، وتركيز القوة بيدها، دون اكتراث للاحتجاجات المتصاعدة، التي تشارك فيها أوساط من اليمين ومن المستوطنين ممن يؤيدون الإصلاحات، لكنهم يتخوفون من قوتها وحجمها وسرعة تطبيقها، وعدم التمهيد لها بنقاشات جماهيرية، ومحاولات القيام بها من خلال إجماع وتوافق.

تغيرات ديموغرافية بات فيها عدد اليهود الشرقيين والمتدينين المتزمتين أكبر من اليهود الغربيين ومن العلمانيين، نتيجة نسب متفاوتة في الزيادة الطبيعية، مما حرّك تيارات عميقة انتهت بصراع مرير على هوية الدولة.

 ربما لن تراق دماء، كما يتنبأ ويحذر عدد متزايد من المراقبين والمسؤولين الإسرائيليين، ومنهم المستشار القضائي السابق للحكومة موشيه مانديلبليت، الذي قال لقناة العبرية 12، قبل أيام، إن السجال سينتهي بدماء في الشوارع. لكن السجال سينتهي بتعميق التشظي والانقسام بين معسكر صهيوني متدين ويميني وشرقي، ومعسكر صهيوني علماني غربي يميل للوسط واليسار، وهذا يعني الدفع نحو نتائج خطيرة تحدث بالتدريج، وأبرزها تكريس الاستقطاب وهجرة العقول والشباب، خاصة من المعسكر الخاسر، وهذا ما حذر منه رئيس المعارضة يائير لبيد مع انفجار النقاش حول مشروع اليمين بـ “الانقلاب على الديمقراطية”. وسبق أن حذرت أوساط إسرائيلية مبكّراً من خطورة السيناريو الذي يتحقق الآن فعلياً، وأبرزها رئيس إسرائيل السابق رؤوفين ريفلين، الذي قال في “خطاب الأسباط” خلال مؤتمر هرتزليا للمناعة القومية عام 2015 إن التشظي الداخلي بين أربعة أسباط في إسرائيل (علمانيون/متدينون، شرقيون/غربيون، عرب/يهود، ويمين/يسار) أشد خطراً على إسرائيل من قنبلة إيران. في حديث مطول لـ ملحق “هآرتس”، في الأسبوع المنصرم، حذّر المؤرخ البارز المحاضر في الجامعة العبرية المؤرخ دانئيل بلطمان من أن إسرائيل على حافة الهاوية تستبدل نظاماً ديمقراطياً ناقصاً بنظام فاشي، منبهاً لوجود وزراء نازيين اليوم في حكومتها الحالية، وخلص للقول إن ذلك ينطوي على خطر وجودي على الدولة جراء عدة أسباب؛ منها هجرة النخب والشباب المتوقعة في مثل هذه الحالة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول S.S.Abdullah:

    الحمدلله، دولة الكيان الصهيوني، تتحول من دولة استقطاب، إلى دولة تهجير،

    كما ورد من تفاصيل تحت عنوان (نائب يهودي من أصل مغربي يسخر من مظاهرات الروليكس والمرسيدس في إسرائيل.. والصراع أخطر من سجال “الإصلاح القضائي”) https://www.alquds.co.uk/?p=3140811

    فالسؤال بالنسبة لي، لماذا اليهودي، انتماءه إلى الدين كهوية، لا بأس به،

    بينما أي دين آخر، لا يصح أن يكون كذلك،

    كما هو حال (دولة الهند) الديمقراطية، مثلها مثل الكيان الصهيوني مثلاً؟!

    وفي الجانب الآخر أي الدولة بلا دين، كدين (الإلحاد) مثل جمهورية الصين الشعبية، مثلها مثل الكيان الصهيوني، كذلك مثلاً؟!

    فمن هنا الذي لم يستوعب لمعرفة معنى العنصرية/الوطنية، انتبه إلى الإعتراض على ماذا، في مجلس نواب الديمقراطية، على أرض الواقع،

    في النظام الديمقراطي الوحيد، بين أهل تدوين لغة الحضارة بواسطة اللغة الأبجدية من جهة، أو بواسطة اللغة الصورية من جهة أخرى، بخصوص رفض التّرحّم على ضحايا زلزال تركيا وسوريا، داخل (الكنيست)، في عام 2023،

    أي رُبَّ ضارة نافعة، في كشف ذلك، من خلال (مرأة)، نائبة عربية محجبة، سبحان الله؟!

  2. يقول ملاحظ:

    اليهود المغاربة عموما اشخاص مسالمون وطيبون ومسامحون ويقبلون التعايش مع الفلسطنيين وفوق كل هذا ولاءهم اكبر لبلد الاصل اكثر من لاءهم لاسراءيل ويحبون ملكهم اكثر من اي مسؤول اسرائيلي

    1. يقول أحمد:

      أنت واهم . الصهيوني ولاؤه للكيان الصهيوني .

  3. يقول سعيد السعيدي:

    أكبر عدو لإسرائيل الذي يهددها بالزوال هو ” السلام”. التطبيع و السلام يخرج الى الوجود كل تناقضات المجتمع الاسرائيلي التي تصيبه في مقتل. لأن إسرائيل مجموعات متناقضة لا تملك اي تاريخ مشترك و لا حتى أصول مشتركة ، كل ما يجمعها هو الإحساس بالخوف خطابات التهديد بقتل اليهود. و لهذا تعتبر إيران ضرورية لبقاء إسرائيل و لوحدة مجتمعها. يتم تضخيم خطرها على وجود إسرائيل.

إشترك في قائمتنا البريدية