تونس – “القدس العربي”:
دعا ناجي جلول رئيس الائتلاف الوطني التونسي إلى توافق المعارضة حول مرشح واحد كي ينافس الرئيس قيس سعيد، الذي قال إنه يستعد للترشح مجددا للانتخابات الرئاسية.
وقال جلول، في حوار خاص مع “القدس العربي”: “أقول لكل أطياف المعارضة: آن الأوان أن نتخلص من حقبة الأنا والعقدة الإيديولوجية ونتوافق على مرشح واحد قادر على منافسة قيس سعيد والفوز عليه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، لأنني أعتقد أن هذه المنظومة إذا تواصلت لسنة أخرى ستتسبب بكارثة، فقد أشبعت البلاد فقرا وحرمانا، وأفسدت علاقاتنا الخارجية”.
جلول: إن هذه المنظومة إذا تواصلت لسنة أخرى ستتسبب بكارثة، فقد أشبعت البلاد فقرا وحرمانا، وأفسدت علاقاتنا الخارجية”.
أضاف “لا يوجد سوى هذا الحل، لأننا إذا ذهبنا إلى الانتخابات الرئاسية متفرقين، فسيكون للرئيس قيس سعيد كل الحظوظ للفوز بعهدة ثانية، وعهدة ثانية بطريقة التسيير نفسها والوزراء أنفسهم، ستكون كارثية على البلاد، كما أسلفت”.
الرئيس التوافقي
وأكد أنه ناقش مبادرة “الرئيس التوافقي” مع حزب التيار الديمقراطي وعدد من المستقلين “لكنها مطروحة للنقاش مع جميع الأطراف بدون إقصاء أو إلغاء، بما في ذلك الإسلاميين، ففي نهاية المطاف سنعيش مرحلة انتقالية ثانية تشبه ٢٠١١ (بعد سقوط نظام بن علي)، وأهم ما في هذه المرحلة هو المحافظة على الانتقال الديمقراطي والدولة التونسية”.
وأضاف: اليوم نحن في إكراهات الأقلية السياسية والمحافظة على الانتقال الديمقراطي، وهناك تهديد حقيقي للانتقال الديمقراطي والحريات في البلاد. فهناك مساجين رأي لم يقترفوا أي ذنب ويقبعون في السجون بشكل كارثي. ولذلك نحن اليوم مدعوون لتوافق يجمع أغلب أطياف المعارضة والمجتمع المدني والمنظمات الوطنية لإيجاد مرشح جديد يعيد الانتقال الديمقراطي إلى مساره الطبيعي”.
سعيد بدأ حملته الانتخابية
ويرى جلول أن الرئيس قيس سعيد بدأ حملته الانتخابية منذ استقباله لجورجيا ميلوني رئيسة الحكومة الإيطالية و”كل هذا الخطاب حول التنكيل بالشعب وفساد الإدارة، هو جزء من حملته الانتخابية، التي بدأها وهو يعرف أن النظام السياسي التونسي أصبح رئاسويا، ولا يمكن التغيير إلا من خلال الانتخابات الرئاسية، وهو اليوم المرشح الذي يملك الحظوظ الأكبر في الفوز، ولكن إذا توافقت أطياف المعارضة فسيكون لمرشحها حظوظ كبرى أيضا للفوز”.
وأوضح بقوله “توافق المعارضة يجب أن يكون حول برنامج يتمثل في التخلي عن الدستور الحالي والنظام القاعدي ونظام الحكم المطلق، والعودة إلى نظام سياسي رئاسي فيه توازن السلطات وفيه سلطة حكم ومعارضة، والعودة إلى أساسيات السياسة الخارجية التونسية، بدون أحلاف، والعودة أساسا إلى العقلانية التونسية. فنحن اليوم بصدد خطاب سياسي يشبه ما كان يوجد في مصر في وقت من الأوقات، يعني ليس هناك سوى الشعارات، ونحن نعرف أن من دمر العرب هو سياسية الشعارات”.
لا أشقاء في السياسة
وفيما يتعلق بالجدل المثار حاليا حول العلاقات التونسية الجزائرية، قال جلول “العلاقات بين الدول تُبنى على المصلحة، وأنا لا أؤمن لا بالأشقاء ولا بالصداقة في عالم السياسة. ونحن لنا مصالح كبرى وتاريخ كبير مع السعودية، ومصالح كبرى أيضا مع الغرب، لأن الجغرافيا اضطرتنا إلى التعامل مع أوروبا كشريك اقتصادي مهم، ومؤسس الدولة التونسية حنبعل والفينيقيون أسسوا لهذه العلاقة. وكل هذا اللغط حول الالتحاق بمنظومة البريكس هو لغط من أشخاص لم يفهموا الجغرافيا والتاريخ”.
وأضاف “نحن ننتمي إلى منظومة يالطا (إعادة تقسيم العالم بعد الحرب العالمية الثانية)، يعني عندما تم توزيعنا بقينا في يالطا. والجزائر دولة شقيقة لكنها ليست الأخت الكبرى، فلا توجد أخت صغرى وكبرى (في العلاقات الدولية)، حتى بمفهوم التاريخ نحن أكبر قليلا لأننا دولة أسست إمبراطورية قرطاج.
إذن هذا الخطاب الذي يتحدث عن شقيقتين صغرى وكبرى لا معنى له. فالجزائر لنا معها مصالح مثلما لنا مصالح مع المغرب. وللأسف الرئيس أفسد علاقاتنا مع المغرب الذي وقف معنا في الأزمات وهي دولة المغرب الشقيقة. إذن العودة إلى أسس ومقومات السياسة التونسية. نحن نريد علاقات مع كل البشرية، باستثناء إسرائيل التي نحن في حالة حرب معها. وأن تطبع الإمارات أو دولة أخرى، فهذا الأمر لا يعنينا أو لا يهمنا. فهم دول لنا معهم مصالح فقط”.
روسيا تقود العالم الإسلامي
من جهة أخرى أوضح جلول دعوته روسيا لقيادة العالم الإسلامي بالقول “لا مشكلة في أن تكون لنا علاقات متميزة مع روسيا، وهذا مستمر عبر التاريخ، ففي عهد بورقيبة كانت لتونس علاقات متميزة مع الاتحاد السوفييتي، وجزء كبير من طلبة تونس كانوا يدرسون هناك. فبورقيبة الذي كان ينتمي إلى المعسكر الغربي وله علاقات جيدة مع أمريكا، كانت له علاقة ممتازة مع الاتحاد السوفييتي”.
وأضاف “روسيا دولة قوية وعظمى، وحاليا كل المؤشرات تؤكد أن أوروبا ستكون الخاسر الأكبر في حرب أوكرانيا. يعني روسيا يمكن لها في فترة لاحقة (وليس الآن) أن تقود مجموعة الدول الإسلامية. ونلاحظ في “مجموعة الرؤية الإستراتيجية – روسيا والعالم الإسلامي”، وجود عدد من الدول العربية على غرار تونس والسعودية (وأنا منبهر من التوجه السعودي الجديد). يعني يمكن للعالم الإسلامي أن يشكل قطبا لا شرقي ولا غربي. ويمكن أن تكون روسيا حليفة لهذا القطب باعتبار أنها تضم عددا كبيرا من المسلمين (١٠ ملايين تقريبا) وهي دولة لم تعرف الحروب الصليبية تاريخيا”.
واستدرك بقوله “لكن هذا لا يتعارض مع انتمائنا إلى المنظومة الأوروبية الغربية، بسبب الجغرافيا والاقتصاد. صحيح أننا ننتمي إلى المعسكر الغربي وسنبقى كذلك لفترة طويلة، لكن ذلك لا يمنع أن نوثق علاقاتنا بشكل كبير مع المعسكر الجديد (روسيا والعالم الإسلامي)، لأنه ما زال في طور التشكل والبناء”.
الغنوشي ضحية التقارب الجزائري السعودي
وفيما يتعلق بربطه بين إيقاف زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي والتقارب الجزائري السعودي، قال جلول “قلت ذلك بكثير من الاحتراز، وقد يكون الغنوشي دفع ضريبة هذا التقارب. فقد أكون على صواب وقد أكون مخطئا. ولكنها تبقى فرضية، لأن إيقاف الغنوشي غريب جدا فهو موقوف بسبب قضية أنستالينغو وهي قضية غريبة وعجيبة ومشبوهة. وهو – أحببنا أم كرهنا- رئيس حزب كبير ورئيس البرلمان السابق، ومع ذلك تم إيقافه بهذا الشكل الغريب”.
وفيما يتعلق بدعوة البعض إلى حل حركة النهضة، قال جلول “حل حركة النهضة غير معقول، فهي حزب موجود في تونس، وأعتقد أن دورة الإسلام السياسي انتهت بانتهاء دور الربيع العربي، بمعنى أن الإسلام السياسي انتهى بشكله الحالي، أي أن النهضة كتنظيم إخواني ربما انتهت مع راشد الغنوشي، لكن ثقافة الإسلام السياسي موجودة في المجتمع التونسي، ومن حقها أن تكون لها التعبير السياسي، في إطار قانون وقيم الجمهورية والتقليد التونسي والانتماءات والجغرافية السياسية التونسية”.
واستدرك بقوله “لكن لماذا يُحرم طيف معين ولو كان أقلية (رغم أنه ليس أقلية) هذه هي الديمقراطية التي تعني قبل كل شيء حقوق الأقليات. فاليوم هذه الحركة مقراتها مغلقة وزعماؤها في السجن وهي ملاحقة وتتعرض للضغوط، ولا أدري لماذا”.
الإسلام السياسي التقليدي انتهى
وعلق جلول على الدعوة إلى وجود قوى بديلة عن المنظومة القديمة والإسلامي السياسي بقوله “لا يوجد مشروع آخر إلا مواصلة مشروع الفكر البورقيبي، يعني الفكر التقدمي الوطني الاجتماعي”.
لكنه اعتبر أن “الإسلام السياسي بشكله التقليدي كما نشأ في دورة الربيع العربي انتهى، كما أن المنظومة الدستورية التقليدية كما وصلت مع نداء تونس انتهت. ولذلك هناك فراغ سياسي رهيب تملأه الخطابات الشعبوية للرئيس قيس سعيد الذي ليس له حزب أو رؤية أو أيديولوجيا. ولذلك على القوى الحية والديمقراطية التي صنعت الثورة في تونس والتي تؤمن بالتقدم أن تتوحد. فنحن اليوم بحاجة إلى خلق حزب جديد وفكر ومشروع سياسي جديد يقطع مع منطق “الضدية”، أي أنت ضد الإسلاميين أو ضد التجمعيين أو اليساريين ويقدم المشاريع والرؤية ويبني شيئا جديدا.
التونسيون بدؤوا ينفرون من الخطاب السياسي الضدي وشيطنة الآخر وإلغائه. ونحن نعيش في مرحلة مخاض. فالقديم يحتضر والجديد لم يولد بعد، وعلينا كنخب ومثقفين يؤمنون بالحرية أن نصنع هذا الجديد الذي لا يمكنه إلا أن يكون ديمقراطيا، فحلم العودة إلى الحكم الفردي انتهى.
وهذا الجديد يجب أن يكون اجتماعيا ويرتبط بالسوق والنظام الليبرالي المالي وليس النظام الشيوعي، ويجب أن يحترم وجود تونس في هذا الوسط الجيوبوليتيكي في منظومة الاقتصاد والسوق (منظومة أوروبا وأمريكا)، لأن هذا هو مكاننا الذي وضعتنا فيه الجغرافيا، ولا يوجد تاريخ بدون جغرافيا”.
طريقة موت السبسي غامضة
من جهة أخرى، أوضح جلول تصريحاته حول طريقة وفاة الرئيس السابق الباجي قائد السبسي بقوله “لم أتحدث عن وفاة مريبة، رغم أني كنت من أقرب الناس للباجي قائد السبسي، وعشت معه حتى آخر يوم في حياته. أنا قلت من حق الشعب التونسي أن يعرف كيف مات الباجي قائد السبسي وأن نعرف الحالة الصحية لأي رئيس جمهورية. كما طالبت السبسي، عندما ترشح للرئاسة، بنشر تقرير حول وضعه الصحي وقام بذلك. والمنطق في الدول الديمقراطية يقول إن أعلى هرم في الدولة يجب أن يقدم تقريرا حول حالته الصحية كي يعرف المجتمع الوضع الصحي لمن يقود البلاد”.
قناة سويس تونسية
وكان جلول أثار قبل سنوات جدلا كبيرا بدعوته لإنشاء بحر داخلي في تونس عبر ربط شط الجريد (جنوب) بالبحر المتوسط.
وأوضح هذا الأمر بقوله “هذه الفكرة قديمة جدا، وقد كتب حولها جغرافي فرنسي اسمه الكابتن رودير (عام ١٨٧٢) ونشر كتابا حول البحر الداخلي. وقد نفذ هذه الفكرة فرديناند دوليسبسي في قناة السويس في مصر. وبعد الاستقلال طرحت الفكرة مجددا في تونس، حيث قام الباحث بشير التركي بدراسة معمقة حول هذا الأمر. ويبدو أن بورقيبة وافق على المشروع بشرط أن تعطيه الجزائر بئر نفطي. فالمشروع في ذلك الوقت كان لنقل البترول الجزائري عبر شط الغرسة وشط الجريد”.
وأضاف “وفي إطار عملي كباحث، قمت بدراسات حول شط الجريد في العصور القديمة ولاحظنا وجود أدلة على أنه كان مغمورا بالمياه في فترة ما قبل التاريخ، وتعاقدت مع جامعات وبنوك إيطالية على أساس أن يقع تنفيذ هذا المشروع، لكن في النهاية وقع التهكم على هذا المشروع. فنحن مجتمعات لا تقبل الجديد وتستمر في التقليد، ولذلك لا تتقدم”.