منذ قدومي إلى فرنسا وإلى اللحظة وأنا أشعر بفضول نهم لمحاولة تفكيك رموز وطلاسم شعار مبادئ الجمهورية «حرية، مساواة، إخاء» الذي جاء نتيجة الثورة الفرنسية مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواطن! وأحاول جاهدة فضح ما يساعد التلفزيون الفرنسي على نشره من «أكاذيب» و«ادعاءات» عبر تصويره لفرنسا كبلد للحريات، وحقوق الإنسان وكبلد يحترم الأديان والثقافات دون التطرق لمشاكل العنصرية والتمييز.
ولطالما تمنيت لو ينزل مذيعو نشرات أخبار الثامنة عن منابرهم ليختلطوا بحقيقة الشوارع الفرنسية، ويرون الآفات الإجتماعية والعنصرية التي يروجون لها وأثرها المباشر على المجتمع والناس، والتي لا تمت لشعار الجمهورية بصلة!
ولطالما حلمت لو يقرأ ويطبق المدافعون الحقوقيون بأنفسهم لما ينادون به عند ترديدهم للشعار الـ«طوبوي» هذا. فالبلديات مثلا والمديريات التابعة لوزارة الداخلية الفرنسية والتي تكون مسؤولة عن استقبال المهاجرين الجدد وتمديدهم بالوثائق اللازمة هي المكان الأخير الذي يقوم بتطبيق مثل هذه القيم! فالمهاجر المسكين والذي عانى ما عاناه من تشرد وجوع وحرمان هارباً من القتل أحياناً وحالماً بعيشة كريمة في أحيان أخرى والذي لا يتحدث الفرنسية غالباً، لا يلبث إلا ويصطدم بأول كارثة إنسانية تحطم مخيلته التي كونها عن بلاد الحريات، ولكنه يبقى سعيدا رغم الألم والإهانة فـ«جهنم الغربي أهون من جنة الحاكم العربي» في بلده! ونراه «يتشرشح» من جديد بين مكتب وآخر منتظراً لدوره بالساعات وربما لا يحالفه الحظ وتغلق الموظفة الشباك ليجرب حظه مجددا في اليوم التالي!!
ولا بد من التذكير بدور المنظمات غير الحكومية في الضغط والتأثير على مثل هذه المؤسسات الحكومية لتوفير الراحة للمهاجرين مثل «وضع كراس للجلوس بدلاً من الانتظار لساعات وقوفاً» و«ترجمة الأوراق الحكومية اللازمة للغات المتعارف عليها في فرنسا كالعربية والإنكليزية»!
ويعود الفضل لمثل هذه المؤسسات في تطوير الخدمات المقدمة للمهاجرين لتتناسب بذلك مع «شعار الجمهورية». ولا تتوقف مهمة هذه المؤسسات عند هذا الحد لتطال أيضا محاربة العنصرية يومياً وتوعية المجتمع الفرنسي بتطبيق حقوق الإنسان وعدم انتهاكها. وكم من الفرنسيين ممن يعانون من مرض التناقض الداخلي ما بين ما يؤمنون به حقيقة وبين ما يرددونه من شعارات في المظاهرات، وهناك من هم محاصرون تاريخيا في الحقبة الكولونيالية والعنصرية ولا يتحملون تطور المجتمع الفرنسي الحديث المكون من هجرات، ديانات، ولغات عديدة ولا تروق لهم أبدا فكرة بأن «كريستيان توبيرا» وزيرة أو عبداللطيف كشيش « سينمائي مشهور».
ومنهم من يعتقد بأن «كسكس فاطمة التونسية لذيذ جدا» ولا يوجد أطيب من شرب «شاي محمد الأخضر المغربي بالنعناع» ولكن وجود محمد وفاطمة على أرض فرنسا غير مرغوب فيه لأن الأرض لا تتسع للجميع.
والمثير للجدل هو أنه عندما تضع مثل هؤلاء أمام تناقضاتهم وتصرح لهم بأنك عربي أيضا يجيبون بسذاجة وتلقائية بلهاء «صحيح ولكن إنت غير»!! ومنهم أيضا من ينسون أو «يتناسون» كل أولئك العرب من المستعمرات الفرنسية السابقة، الذين حاربوا في الصفوف الأولى خلال الحرب العالمية للدفاع عن فرنسا وساهموا في بنائها وتعميرها، والذين لا يتحدثون الفرنسية بطلاقة ويخلطون في الجملة الواحدة ما بين العربية والفرنسية، يأتون اليوم ليطالبوا بحقوقهم بـ«التقاعد» كغيرهم من الفرنسيين لترد عليهم الموظفة بإزدراء «وإنت شو جاي تعمل هون؟»!
لم أدرس كل هذا في الكتب ولم أره في التلفزيون بل شاهدته بأم عيني كوني أيضاً قدمت للجوء في فرنسا منذ ١٢ سنة!! وأعتقد بأنني لا أملك سوى كتابتي للمساهمة في توعية اللاجئ العربي الجديد وأنصحه بعدم الراحة وتقبل الصدمات، رغم تعب اللجوء «شمر عن سواعدك خيا، المشوار لساتو طويل»!
نادين مورانو «إما خلع الحجاب أو الرحيل»
من هؤلاء الفرنسيين «المعقدين نفسياً» سأذكر ما تداولته وسائل الإعلام وشبكات التواصل الإجتماعي مؤخراً من تصريحات لـ«كنيش الشقراء» الإيطالية الأصل ووزيرة الأسرة السابقة في حكم ساركوزي نادين مورانو «يجب على المسلمين الإندماج أو الرحيل» لتتشابه تصريحاتها «المبتذلة» هذه بتصريحات زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبين وتصريحات ساركوزي الرئيس السابق «فرنسا إما أن تحبها أو تتركها»! تأتي تصريحات مدام مورانو هذه بعد قيامها باختراق خصوصية امرأة «مسلمة ومحجبة» جاءت مثلها مثل أي مواطنة فرنسية لتستمتع برمال الشاطئ، لتقوم «مدام مورانو» بتصويرها خلسة ونشر صورتها على فيسبوك مع تعليق استفزازي مطول «كعادتها» ومقارنة بين هذه الصورة «للمسلمة المحجبة» وصورة بريجيت بوردو مرتدية الـ«بكيني» اختارتها «مجلة لي فيغارو» كغطاء. ووصفت مورانو المرأة الجالسة «بحجابها» على أحد شواطئ فرنسا ووسط نساء ورجال بألبسة مختلفة بـ«الهجوم على حقوق المرأة» فهذه المرأة تهاجم سنين عدة قضتها الفرنسيات في «بناء حقوقهن» وامتلاكها!
ولباس المرأة وحجابها المكشوف «وفقا للقوانين الفرنسية» «يمس بالثقافة الفرنسية» وعلى المرأة «إما الاندماج وخلع الحجاب وإما الرحيل عن أرض فرنسا»، أجل الإندماج غصب عنها وعن كرامتها وعن قوانين فرنسا التي لا تمنع الحجاب على الشاطئ «وأتخيل أن تكون هذه المرأة أمي تأتيني في زيارة، «لأغصبها» على خلع حجابها «الأولد فاشن» وأجبرها بأن ترتدي المايوه كـ«بريجيت بوردو»، حتى لا تعكر مزاج «مشاعر مورانو الحرة» وهي «متشطحة» على الشاطئ، وبدلاً من أن أقوم بإقناع مورانو بتغيير المكان والذهاب إلى شواطئ العراة، حيث لا حجاب ولا نقاب ولا بيكيني حتى، سأقنع أمي وغيرها من المحجبات بعدم الذهاب إلى الشواطئ الفرنسية لتفادي «وجعة الراس»!
بين السلفي والنرجسية والشهرة من الخلف
عندما استمعت لكلمة سِلفي لأول مرة كانت خلال استماعي لراديو «فرانس أنتير» في برنامج يتحدث عن المصطلحات التي تضاف حديثا في القواميس اللغوية الفرنسية، وجذبتني الكلمة وتعريفها الـ«مودرن» لحالة «النرجسية الحديثة» التي طالت نفسياتنا. السلفي على حد تعريفهم جاء بأنها عبارة عن صورة ذاتية يقوم صاحبها بالتقاط نفسه باستخدام آلة تصوير أو هاتف «سمارت فون» ذي كاميرا ويقوم بنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي «انستغرام، فيسبوك، تويتر وغيرها». والجدير بالذكر أن «الِسلفي» يكون مقرب من الوجه بطريقة عفوية ليعبر عن حالة نفسية معينة ولا تتسم الصورة بأي رسمية. وعندما حاولت البحث أكثر عن التعريف للِسلفي ظهرت أمامي صورة كبيرة لمؤخرة كيردشيان لأرى بأنها تُقحِم مؤخرتها في كل مكان وحتى في السِلفي المخصص لتصوير الوجه. مدام كيردشيان فهمت اللعبة تماما ولن ترهق نفسها في أبحاث «الرياضيات» لتصبح عالمة وتنال «نوبل للرياضيات» كالإيرانية مريم ميرزكاني.
كيرديشيان دخلت لعالم الشهرة من الوراء أي من «مؤخرتها الشهيرة» والتي تتهاتف الملايين للمسها وتصوير السِلفي بجانبها وخلفها وأمامها، كما فعل مؤخرا الاعلامي الأمريكي المعروف آندي كوهين، حيث طلب من كرديشيان السماح له بالتقاط «سِلفي» مع مؤخرتها لترد والابتسامة تعلو وجهها «طبعا».
وأحب أن اطمئن القلوب المتعلقة بـ«كيرديشيان» «المؤخرة» لا «الإنسانة الفارغة من محتواها» بأنها وعدت من خلال البرنامج بإصدار كتاب أشبه بإلبوم سِلفي سيحتوي على 352 صورة ذاتية التقطتها لنفسها، مشاهدة وتقليب صفحات طيب!
«عا السريع»
في وقت أبهرت فيه الممثلة البوسنية الشهيرة «سابينا سابيتش» عيون المشاركين بمهرجان «سراييفو السينمائي»، بسبب ارتدائها لعلم فلسطين هي وابنتها تضامنا مع أهالي غزة، رفضت خطيبة جورج كلوني «مدمن النسبرسو والقهوة السودة» المحامية اللبنانية أمل علم الدين، أن تكون من بين أعضاء اللجنة الدولية للتحقيق في جرائم الحرب على غزة بسبب التزامات سابقة وانشغالات.
يا أمل لا أعرف حجم وأهمية إنشغالاتك التي ستشغلك عن غزة وأطفالها ولن أطالبك بالتحقيق في مجازر الكيماوي لـ«سوريا وأطفالها»، ولكن لي طلب صغير وبسيط ستجدين له الوقت الكافي بالتأكيد «يا ريت تختاريلنا فسطان عرس يفرفح قلوبنا» لأن انشغالاتنا بالمجازر والهموم في الوطن العربي «وطنك» لن يلهينا أبدا عن «فستان عرسك».
كاتبة فلسطينية تقيم في فرنسا
أسمى العطاونة
اخي كمال
الحل كما قلت ان نفهم بأنفسنا قيمتنا وقيمة حضارتنا وتاريخنا ولغتنا ونتعلم، نتعلم، نتعلم،، العلم والوعي باننا بشر مثلهم ونفتخر بلغتنا وتاريخنا مثلهم ونلغي عقدة النقص اتجاههم ونضعهم امام تناقضتاهم باعتقادي هذا هو مخرجنا الوحيد من مأزقنا..
ما شاء الله يا أسمى العطاونة اليوم مقالك مرجع لكل مهاجر متواجد في فرنسا، مقالك من وجهة نظري على الأقل يوضح ما الفرق ما بين ثقافة الـ أنا التي تمثلها الثقافة الفرنسية وما بين ثقافة الـ نحن التي صغت بها مقالك خصوصا في تعليقك على أمل وموضوع زواجها من كلوني.
وأضيف من يرغب في التطوير والإصلاح يجب أن يعي أنَّ هناك فرق كبير ما بين النقد وما بين جلد الذات من خلال البكاء على الأطلال، أو من خلال التهكم والاستخفاف بعقولنا تحت عنوان الأدب الساخر، فالنَّقد بواسطة خفّة الدم شيء والمسخرة والتهريج شيء آخر
لأنَّ بدون تشخيص يعتمد على معلومات صحيحة لن يكون هناك امكانية في الوصول إلى مقترحات تُساعد في حل المعضلات، حيث هناك شيء اسمه ثقافة الـ أنا والتي لا تحترم ضرورة الإلتزام بمعنى المعاني في القواميس وهيكل أي لغة وهناك شيء اسمه ثقافة الـ نحن والتي تحرص على أن تلتزم بمعنى المعاني في القواميس وهيكل أي لغة في تعريف الألوان حسب ألوان الطيف الشمسي والتي تمثل حقيقة الواقع بكل ألوانه الطبيعيّة والمنطقيّة وبالتالي العلميّة.
متى سيستوعب مثقفينا أنَّ هناك فرق ما بين شعب الله المُختار وما بين شعب الرب المُختار من قبل السّامريّ (الجيش والأجهزة الأمنية والقضائية) فيما يعرف في المغرب العربي بالمخزن إن كان من خلال قانون الانتخابات أو المال السياسي أو غيرها.
فهل يُلام الشعب عندما يخرج يهتف بكل جوارحه بأنَّ الشعب يُريد اسقاط النظام الذي يُكوّن مثقف ونخب حاكمة بلا ذمة ولا ضمير ولا أخلاق؟!
ما رأيكم دام فضلكم؟
اختي اسمى يجب ان تعرفي باننا نحن المغاربة و المغاربيون عموما نعلم حجم عنصرية الفرنسين ومدى عنهجيتهم ونفاقهم وتبجحهم بانهم اصل الحضارة والدمقراطية و اﻻنسانية ولكن ﻻ يجب ان ننسى بان فرنسا تراجع نفودها واصبحت مهزلة بين القوى العظمى و لا ا دل على دلك طرح ماهية الهوية الفرنسية في اﻻعلام وكدلك كموضوع انتخابي ! فرنسا في حالة انكماش و تقهقر ﻻ يوصف على جميع اﻻصعدة فهي تعاني ازمة اقتصادية خانقة بالاضافة ان تكنولجيتها الصناعية مكلفة للغاية وﻻ احد يرغب بها كما ان نفودها التقليدي بدا يتلاشى في المغرب العربي و افريقيا . خلاصة القول ان حتى حلفاءهم الامريكيين يلقبونهم بوصف تحقيري وهو الظفادع !! هدا لاكلهم لها !!و تنطعهم المثير للغثيان !
هناك من التعليقات التي يتحدث المعلق فيها مع نفسه، وعن إلمامه ومعرفته وعن «أناه»، هذه ليست صفحة لـ«سيجمون فرويد» يا جماعة، هذه صفحة فضائيات ومحطات «منوعات» عامة للجميع الرجاء احترام الهدف الرئيسي للمقال وهو التحدث عن حقائق تكونت من خلال الملاحظة والتجربة الشخصية ومستندة على المصدر الرئيسي وهو الإعلام «تلفزيون، راديو، صحف، مجلات، مواقع شخصية للمتحدثين، الإسلوب شخصي سواء كان ساخر أم جدي يرجع لحرية كاتب المقال وشخصيته، وليس الهدف منه الاستخفاف بالعقول..الرجاء الالتزام بالنقد البناء وإن كان سلبياً..وعدم التردد في فعل ذلك لان هذا يساعدني على التطور والتقدم..أما التجريح والفلسفة الزائدة فلا نفع منها أبدا سواء للزاوية او لغيرها من الصفحات..نحن هنا نتحدث عن ظاهرة عامة وانتقادها، وذلك لأثر الإعلام المباشر على الفرد..
شكرا جزيلا
أسمى
الأخ المغربي
أجل وهذا هو ما أحاول التحدث عنه في الزاوية
شكرا لك