القاهرة – من ألكسندر جاديش: الثورة المصرية سلاح ذو حدين في رأي محمد هاشم. وباعتباره مديرا لدار ميريت إحدى أكثر دور النشر احتراما في القاهرة يشعر بالسعادة إذ يرى تكون وعي سياسي وثقافي جديد منذ انتفاضة عام 2011 التي أطاحت بحسني مبارك.
لكن الثورة كانت نتيجتها حكومة يقودها الإسلاميون يراها هاشم ومثقفون آخرن مجموعة استبدادية تصر على فرض وجهات نظر اجتماعية محافظة على سكان مصر الذين يبلغ عددهم 84 مليون نسمة بينهم الليبرليون الذين تحالفوا معهم ضد مبارك.
جاء محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين إلى الحكم عبر صناديق الاقتراع لكن في نظر هاشم وغيره من الليبراليين فإن نشرهم لرؤيتهم للقيم الإسلامية هو عمل شمولي يتسبب في الانقسام ويقوم سببا كافيا للنزول إلى الشوارع يوم الأحد في الذكرى السنوية الأولى لتنصيب مرسي.
وقال هاشم في مقابلة مع رويترز في مكتبه المترب المكتظ بالكتب على حافة ميدان التحرير مركز انتفاضة 2011 إن جماعات الإسلام السياسي ‘ليست قوة ديمقراطية مؤمنة بتداول السلطة.’
وأضاف أنها ‘مؤمنة بالمرجعية الدينية بتاعتها (الخاصة بها) ومفيش (ليس هناك في رأيها) مرجعية أعلي منها.’
وبالطبع لم تكن الأمور سهلة أبدا على الفنانين في عهد مبارك.
فتح هاشم دار ميريت عام 1998 لإعطاء حياة لمشهد فني ركد في ظل الفساد والرقابة وسوء الإدارة خلال ثلاثة عقود من الاستبداد بالسلطة وكانت إنجازات حققتها الدار بالكفاح مدعاة لنيلها جوائز غربية في حرية الصحافة عام 2006 ومنذ الثورة.
حين سقط مبارك تعرض هاشم للاتهام من قبل المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي أدار شؤون البلاد لكن الاتهامات أسقطت.
وقال هاشم إن المنعطف الرئيسي تحت حكم الإسلاميين هو تسامح جديد من جانب المسؤولين تجاه التهديدات بالعنف ضد من لا يتفقون معهم في الرأي.
وأشار إلى حشد من الناس الذي قتل أربعة مسلمين شيعة هذا الشهر بعد أيام من جلوس مرسي صامتا في مؤتمر وصف فيه اثنان من رجال الدين السنة الشيعة بأنهم ‘رافضة’ و’أنجاس.’
وقال هاشم الذي يحتفظ بقناع وجه يقي من الغاز المسيل للدموع وخوذة على مكتبه ‘خطابهم العنيف (هو) اللي خلي (جعل) الناس لا تحتمل سنة. قبل (مرور) السنة الناس بتقول لازم يمشوا.’
ولا يزال كثيرون من مثقفي مصر يذكرون بقلق هجوما بسكين من إسلامي أصولي على الأديب الراحل نجيب محفوظ الفائز بجائزة نوبل عام 1994.
وينفي المسؤولون أنهم يحاولون حشد المؤسسات الثقافية بالموالين لجماعة الإخوان المسلمين من أجل تنفيذ حملة أسلمة.
لكن السلفيين الذين تمتعوا بحريات جديدة بعد عشرات السنين من القمع في عهد مبارك بلغت بهم الجرأة حد المطالبة بوقف عروض الباليه والرقص الشرقي وأن يطالبوا بالرقابة على اللقطات العاطفية في الأفلام السينمائية.
وأشعل تعيين وزير للثقافة هذا الشهر هو علاء عبد العزيز (52 عاما) الذي ينتمي لحزب إسلامي صغير غضب المثقفين الذين يخشون من حملة إسلامية الصبغة عليهم.
واعتصم ممثلو سينما وكتاب ومؤدون للاحتجاج على قرار اتخذه عبد العزيز بإنهاء ندب رئيسة دار ألأوبرا ومنعوه من دخول الوزارة واشتبكوا بالأيدي مع مؤيديه الإسلاميين هذا الشهر.
وينفي عبد العزيز أن له أجندة إسلامية للثقافة لكنه يقول إنه يريد أن يكون الإنفاق على الثقافة مستجيبا للتغييرات التي أحدثتها الثورة في المجتمع.
وقال لرويترز في مقابلة الأسبوع الماضي ‘ببساطة شديدة جدا ليس الغرض من وزارة الثقافة الربح ولكن الغرض منها توصيل الخدمة الثقافية للمواطن.’
ويختلف هاشم الذي يخشى على مشهد ثقافي حضاري حسد العالم العربي مصر عليه طويلا مع هذا النهج. وقال إن الهجوم الإسلامي يستهدف الهوية الوطنية لمصر وليس الثقافة وحدها.
وزاد بروز دار ميريت منذ تأسيسها بنشر روايات مثل ‘عمارة يعقوبيان’ لعلاء الأسواني التي تسجل الفساد والتدهور الأخلاقي في عهد مبارك.
ومقرها في مبنى قديم مرتفع السقوف في وسط القاهرة مثل المبنى الذي خلدته الرواية.
وتراجع النشاط منذ الانتفاضة. فقد اعتادت دار ميريت نشر ما بين 50 و70 عنوانا في السنة لكنها تنشر الآن أقل من 30. لكن هاشم يتوق إلى وقت تؤتي فيه الثورة ثمارها. وقال إن الناس سيعرفون أكثر ويقرأون أكثر عندئذ.