لندن ـ “القدس العربي” ـ إبراهيم درويش:
في مقال كتبه دوغ باندو، الزميل البارز في معهد “كاتو” والمساعد الخاص السابق للرئيس رونالد ريغان ونشره موقع “ناشونال إنترست” قال فيه إن دونالد ترامب بدا كمرشح للرئاسة مختلفا عن سابقيه حيث انتقد الحروب اللانهائية في الشرق الأوسط وعبر عن رغبة بجلب القوات الأمريكية من هناك.
لكن الوضع تغير حيث عبرت الإدارة في الفترة الماضية عن رغبتها بالبقاء وأنها ليست متعجلة للانسحاب من سوريا وهددت بالضرب إن استخدم نظام الأسد السلاح الكيماوي. وتساءل عن السبب مجيبا أن الحرب الأهلية السورية التي مضى عليها أكثر من سبعة أعوام تقترب من نهايتها. فدمشق باتت آمنة والنظام وبدعم روسي وإيراني هزم المعارضة ولم تعد قريبة من العاصمة. ومع أن أحياء في حمص وحلب لا تزال أنقاضا إلا أن الحرب توقفت ويسيطر النظام على معظم البلاد.
ولم تبق سوى إدلب التي يعيش فيها النازحون ويخشى المراقبون كارثة إنسانية في حالة دفع النظام وحلفاؤه بعملية عسكرية. لكنه سيسطر عليها ويدمر المعارضة ذات التوجه الإسلامي ولن تبقى سوى مناطق الشمال وجنوب – شرق البلاد حيث أقامت الولايات المتحدة قواعد عسكرية فيها.
ويرى الكاتب أن سياسة أمريكا لم تكن عقلانية وتركت آثارا سلبية. فقد اعتبرت إدارة باراك أوباما الأسد مرة انه “مصلح” ثم طالبت بتنحيه عن السلطة وخفضت المسألة بالنسبة له والمعارضة للمفاوضات. ويشير باندو إلى دخول أمريكا في الحرب ضد تنظيم الدولة ومطالبتها في الوقت نفسه برحيل الأسد. ثم دعمت الجماعات المعتدلة التي كانت أضعف من الجماعات المتطرفة وتستسلم لها أحيانا.
وفي الوقت الذي كانت تقوم فيه بضرب تنظيم الدولة دعمت أمريكا جماعات مثل جبهة النصرة وعملت مع تركيا التي يقول إنها سهلت عمليات تنظيم الدولة في سوريا. وبحثت أمريكا عن الأكراد السوريين وتعاونت معهم في العمليات ضد تنظيم الدولة بل وشجعت دول الخليج التي قدمت هي الأخرى الدعم للجماعات الأكثر راديكالية. ولكن دول الخليج التي ساهمت بشكل اسمي في الحرب ضد تنظيم الدولة قررت حرف انتباهها وجهودها إلى اليمن.
ويقول باندو إن الولايات المتحدة قامت بضرب النظام السوري مرتين لاستخدامه السلاح الكيماوي مع أن نصف مليون ضحية في الحرب كانوا جراء الأسلحة التقليدية التي استخدمها أطراف النزاع. فالقنابل والرصاص قتل أعدادا تتفوق على ما قتله السلاح الكيماوي. وكانت الضربتين مجرد تحلل أخلاقي من المسؤولية في الوقت الذي ظل السوريون يموتون بأعداد كبيرة.
وقررت إدارة أوباما زيادة التورط الأمريكي في سوريا “نزاع بعيد لا أثر ومصلحة تذكر منه على الأمن الأمريكي، وشجبت في الوقت نفسه كلا من إيران وروسيا للتدخل ودعم مصالحهما الأكبر”. ويضيف أن الإدارة قررت أن ترسل القوات الأمريكية إلى سوريا بدون تفويض من الكونغرس فيما كان التدخل الروسي والإيراني استجابة لطلب من حليفها الأسد.
وبعد كل هذا يقول باندو إن السياسة الأمريكية لم تكن فشلا ذريعا فقط بل وكارثة. فلم تفعل أمريكا إلا زيادة توقعات معارضي الأسد وإطالة أمد الحرب وزيادة ضحاياها. ويضيف أن الدعم الأمريكي عمل على تقوية الجهاديين الذين يمثلون تحد أكبر لأمريكا مما يمثله نظام الأسد. كما أن تركيز واشنطن على تنظيم الدولة سمح للحكومات التي شعرت بالتهديد-سوريا وتركيا ودول الخليج – التركيز على المعارضة المعتدلة والأكراد واليمن على التوالي.
ويقول باندو إن أمريكا فاقمت أخطاءها وزادت من سمعتها كدولة متهورة وغير مسؤولة بضرب دولة دونما التفكير في الخطوة التالية. مضيفا إن الأسد هو زعيم قبلي يحظى بدعم قوي من الأقليات التي شاهدت آثار الغزو الامريكي للعراق ولم تكن تريد تكراره. وينقل عن علوي قوله إن الخلاف مع الأسد قد انتهى عندما بدأ القتل. فقد كان-الرئيس-هو الدفاع ضد “الفوضى والغابة”. وقد يرى البعض في النظرة ضيقة لكن الغزو الأمريكي أدى لمقتل ما بين مئتي ألف ومليون عراقي، والسؤال لماذا سيثق الناس بأمريكا؟
وقد انتقد ترامب هذا السجل عندما كان مرشحا للرئاسة ولسبب وجيه، ولكنه تحول إلى عمل ما كان يعمل سابقيه. فقد توقفت عن دعم المعارضة لأنه لم يبق هناك من يستحق الدعم. وهزم تنظيم الدولة لكن واشنطن لم تكن مستعدة لحرف المسؤولية إلى العراق وسوريا وتركيا والأردن ودول الخليج التي لديها جميعا مصلحة في هزيمة آخر عناصر التنظيم. ومع قرب معركة إدلب هدد ترامب بضرب النظام لو استخدم السلاح الكيماوي الذي يعد عنصرا ثانويا في الحرب. وأسوأ من هذا قررت الولايات المتحدة تعزيز قواتها في جنوب- شرق البلاد وقرب الحدود مع العراق لمنع خطوط الإمدادات الإيرانية. كما وتأمل بالتعاون مع الأكراد في شمال- شرق البلاد لحرمان الأسد من المصادر النفطية وتعجيل الإطاحة به. ويرى الكاتب أن هذه العمليات غير قانونية بناء على القانونين الأمريكي والدولي، فلم يفوض الكونغرس القوات الأمريكية لغزو سوريا والإطاحة بحكومتها “الشرعية” كما يقول ولم يفوضها لمنع عمليات تحالف بين دمشق وحكومات شرعية بمن فيها إيران. ولا تدري أمريكا ما تريد فعله في سورياـ فهذا البلد لا يهدد أمريكا ولا إسرائيل القادرة على ردعه بنفسها. ويقول إن الحكومات الوحشية الشمولية ليست جيدة ولكنها عامة في الشرق الأوسط وتتحالف عادة مع أمريكا “فكر بمصر والبحرين والسعودية والإمارات وتركيا”. وتظل إيران لاعبا خبيثا لكنها توسعت أكثر من حجمها وتحالفها مع سوريا هو دفاعي وليس عدوانيا أو خطيرا لصديقة الولايات المتحدة – السعودية التي غزت جارها اليمن. واستخدمت السعودية قواتها لحماية نظام أقلية في البحرين وتمويل الجماعات الراديكالية المعادية للغرب واختطفت رئيس الوزراء اللبناني.
ومن الصعب رؤية كيف ستنجح الإدارة “فعندما زرت سوريا بنهاية آب (أغسطس) تجولت بشكل واسع فيها بما في ذلك حلب وحمص وستكون عملية الإعمار بطيئة جدا ولكن الحرب في هاتين المدينتين قد انتهت. والأسد يسيطر بقوة ولن يترك لأن امريكا تريد ذلك”.
ولا توجد أية فرصة تقوم فيها موسكو بالإطاحة بحليفها لأنها دفعت الكثير للحفاظ على حكومته. ولن يخاطر فلاديمير بوتين بمكاسبه لإرضاء أمريكا خاصة أن لا عرض مرض أمامه مثل رفع العقوبات. بالإضافة لهذا فلا يمكن لروسيا عمل شيء لإجبار النظام أكثر من وقف الدعم العسكري عنه، وهذا لن يطيح بالنظام. ولا يوجد لروسيا هيمنة على إيران التي دخلت سوريا بناء على دعوة من الأسد كما يقول. ولن يقوم الأكراد الذين تخلت ت عنهم أمريكا وهاجمتهم تركيا سيوافقون على القيام بأعمال أمريكا القذرة، فمن المحتمل أنهم سيتوصلون لصفقة مع نظام الأسد. ويعلق أن أمريكا لديها نفوذ قليل في سوريا ولكنها تريد فرض حل يشكل مستقبل سوريا على دول لديها نفوذ ومصالح في سوريا أكثر منها. وحتى لو كانت الأهداف التي تريدها أمريكا في سوريا واقعية لكنها لا تستحق الجهود فترامب وأوباما قبله يعيش فتنازيا عندما يتعلق الأمر بسوريا.
والخطر الكامن في المحاولة الأمريكية هو أنها قد تؤدي لمواجهة عسكرية أكبرـ فعندما تقدمت تركيا نحو مناطق الأكراد التي كان فيها جنود أمريكيون. وقد تأمر واشنطن بضرب وحدات عسكرية للجيش السوري لأي سبب من الأسباب لكن روسيا قد تقرر الدفاع عن حليفتها أو ضرب حلفاء أمريكا في المنطقة. وقد تخاطر سوريا نفسها بمواجهة وكذا إيران. والخطر نابع ليس من حرب مقصودة بل سوء تقدير أو خطأ. وفي هذا السياق فإن المخاطر التي سيتعرض لها الجنود الأمريكيين يعني أن واشنطن تخاطر بالكثير مقابل القليل.
ويرى باندو أن سوريا كانت منذ البداية خارج السيطرة الأمريكية. مع أن دعاة التدخل يزعمون أنه لو تحركت امريكا منذ البداية ودعمت طرفا وانتقدت جماعة أو هاجمت لنشأت حكومة ديمقراطية موالية للغرب في دمشق. وهذا يذكرنا بآمال رونالد ريغان الفاشلة عندما تدخل في لبنان حيث اندلعت حربا أهلية مربكة ومروعة ومرة. وتذكر أيضا بـ “النزهة” التي وعدت بها إدارة بوش في العراق. ومهما تأملت واشنطن منه في الفترة ما بين 2011- 2012 فقد تبخر وتواجه إدارة ترامب اليوم وضعا يائسا فلا نفوذ ولا تأثير لتغيير الوضع السوري. وكل ما تملكه هو خطر مواجهة مع قوى متعددة ومعادية وبرهان قليل. والمرشح دونالد ترامب لن يكن ليوافق على هذه السياسة عليه كرئيس تذكر لماذا قرر الترشح لمنصب الرئاسة.