“ناشونال إنترست”: عصر الهيمنة الغربية يقترب من نهايته.. مؤسسات وكيانات بديلة تتشكل

حجم الخط
0

نيويورك: شهد العالم، خلال العقود الثلاثة الأخيرة، مجموعة من التحولات السياسية والاقتصادية التي أدت إلى تآكل الهيمنة الغربية. في الوقت نفسه، من الخطأ القول إن قوة مسيطرة غير غربية حلت محل الغرب في الهيمنة على العالم، وإنما نرى استقراراً في مستوى المنافسة الدائرة بين الغرب والشرق، بحسب تحليل  لبولاج أوربان، عضو البرلمان المجري، نشرته مجلة “ناشونال إنترست” الأمريكية.

من الخطأ القول إن قوة مسيطرة غير غربية حلت محل الغرب في الهيمنة على العالم.

ويرى أوربان، مدير المكتب السياسي لرئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، أن المجر ودول وسط أوروبا تشعر بقلق متزايد من تراجع قدرة أوروبا على الانخراط في هذه المنافسة، نتيجة توجيه الجزء الأكبر من طاقات القارة  نحو نزاعات أيديولوجية، وهو ما يشتت الاهتمام بعيداً عن مجالات التعاون الحيوية التي يمكن أن تعزز قوة أوروبا.

 وتعتبر أوروبا القوية التي يمكن الاعتماد عليها، والحليف المؤثر،  مصلحة إستراتيجية مهمة للولايات المتحدة. فالتحالف الغربي، الذي يتكون من محرك قوي ذي جزئين، حققَ تقدماً خلال القرن الماضي. ومن المهم ضمان امتلاك الجزئين القوة الكافية للمحافظة على قوة دفع التحالف. فأوروبا الوسطى توجد في قلب القارة، وتمثل محركها الاقتصادي، وتلعب دوراً مهماً، وهو ما يجعلها حليفاً طبيعياً لا غنى عنه للولايات المتحدة.

في الوقت نفسه تتراجع هيمنة الغرب على العلاقات الدولية القائمة على ثلاث ركائز أساسية.

 وتتمثل الركيزة الأولى لهيمنة الغرب في وضعه المسيطر كقوة اقتصادية عالمية على مدى قرنين، أما الركيزة الثانية فتتعلق بإنشاء المؤسسات والمنظمات الدولية التي يسيطر عليها الغرب، مما منحه القدرة على وضع قواعد العولمة. وأخيراً تتمثل الركيزة الثالثة في فكرة أن الولايات المتحدة التي انفردت بالهيمنة العالمية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي مطلع تسعينيات القرن الماضي، ستتعاون مع أوروبا للترويج لنموذج الليبرالية الجديدة السياسية والاقتصادية من أجل عالم أكثر سلاماً. لكن ما نراه حالياً، بحسب البرلماني المجري أوربان، الذي لا يمتّ بصلة قرابة لرئيس الوزراء فيكتور أوربان، هو اضمحلال المحاور الثلاثة للهيمنة الغربية.

ويمكن القول إن وعود الركيزة الثالثة بشكل خاص فشلت بوضوح. ففرض النموذج الليبرالي الجديد السياسي والاقتصادي، لم يثر فقط سخط باقي دول العالم، وإنما وحّدَ صفوف خصومه  في تعاون أوثق. وأظهرت أحداث العام الماضي هذه الحقيقة بلا أي شك، مما دفع حتى بعض أكثر مؤيدي نظرية “نهاية التاريخ” التي تروج لانتصار الغرب النهائي إلى التخلي عن إيمانهم بالنظرية.

أوربان: فرض النموذج الليبرالي الجديد السياسي والاقتصادي، لم يثر فقط سخط باقي دول العالم، وإنما وحّدَ صفوف خصومه  في تعاون أوثق.

 ويبدو النفاق الغربي واضحاً، عندما تصور الولايات المتحدة الحرب في أوكرانيا باعتبارها صراعاً بين الديمقراطيين والديكتاتوريين، في حين أن الولايات المتحدة صدّرت خلال العام الماضي الأسلحة لـ 57% من الأنظمة المستبدة في العالم.

وفي هذا السياق تهتز الركيزة للهيمنة الغربية، لأن الدول المعارضة للنظام العالمي الحالي، الذي صاغ الغرب ملامحه الرئيسية، ويسيطر على منظماته ومؤسساته الأساسية، تتحرك بنشاط لإيجاد مؤسسات وكيانات بديلة، وتشكيل تحالفات جديدة وإنشاء منصات لتسوية الصراعات. ويبدو أنه لا مفر من الوصول إلى نقطة تحول، بحيث ستتمكن هذه الدول من تجاوز الأطر المؤسسية التي تأسست خلال العقود الأخيرة من العولمة، والوصول إلى نظم متعددة الأقطاب.

 ليس هذا فحسب، بل إن نظرة فاحصة للركيزة الأولى للهيمنة الغربية ستثير نفس القدر من القلق. فالتنافس الاقتصادي بين العالمين الغربي وغير الغربي وصل إلى حالة التوازن بعد نحو قرنين من التفوق الغربي، وهو ما يدل على تحول كبير في مراكز حضارات العالم. ويمكن ملاحظة هذه التحولات من خلال خمسة مجالات مهمة على الأقل؛ وهي القوة الاقتصادية، والقدرة على الوصول إلى الموارد الحيوية، مثل المواد الخام والطاقة، ثم الاتجاهات الديموغرافية والتطور التكنولوجي، وأخيراً القدرات العسكرية.

أوربان: يبدو النفاق الغربي واضحاً، عندما تصور الولايات المتحدة الحرب في أوكرانيا باعتبارها صراعاً بين الديمقراطيين والديكتاتوريين.

ويشهد الشرق زيادة مطردة وكبيرة في حصته من الناتج الاقتصادي للعالم، على حساب الغرب. ففي عام 1990 كان العالم الغربي يسيطر على أكثر من 50% من إجمالي الناتج العالمي. هذه النسبة تراجعت بسرعة خلال العقود الماضية لتصل لنحو 30%، وسوف يستمر هذا التراجع، مع تواصل انتقال مركز الجاذبية الاقتصادية في العالم إلى الشرق.

 كما تسير الحقائق الديموغرافية في اتجاه ضد الغرب. ومهما كان المقياس المستخدم، فإن إجمالي عدد سكان العالم تجاوز  الثمانية مليارات نسمة، منهم أكثر من 7 مليارات يعيشون في الدول غير الغربية. ورغم جهود المجر، وعدد محدود من الحكومات الغربية لتشجيع الإنجاب وزيادة معدلات الخصوبة، فإن أزمة نقص انكماش السكان في الغرب تتفاقم، وبخاصة في أوروبا.

أما على صعيد التقدم التكنولوجي، فإن الكثير من الدول غير الغربية تستثمر بكثافة  في الأبحاث والتطوير مما ساهم في تحقيق طفرات تكنولوجية واضحة في تلك الدول وقلص الهيمنة الغربية على هذا المجال.

وأخيراً نصل إلى عنصر القدرة العسكرية، حيث يتفوق الغرب فيه بشدة. ورغم أن هذا التفوق يبدو لأول وهلة ميزة، فإن النظرة الأشمل توضح أن استخدام الغرب لقدراته العسكرية  ستكون له عواقب وخيمة، تجعل استخدام هذا التفوق العسكري غير ذي جدوى.

(د ب أ)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية