لندن – “القدس العربي”: تساءل السفير الأمريكي السابق في تونس غوردون غري، عن المسار الذي وصلت إليه العلاقات الأمريكية- التونسية في ضوء الشهر الكارثي للرئيس قيس سعيد.
وجاء بمقال نشره في مجلة “ناشونال إنتريست” إن شهر كانون الأول/ديسمبر سار من سيء لأسوأ بالنسبة لسعيد، حيث بدأت النكسات الكبرى له في زيارته الأولى لواشنطن للمشاركة في قمة الولايات المتحدة مع القادة الأفارقة واستمرت النكسات بالتراكم.
ففي 14 كانون الأول/ديسمبر قرر صندوق النقد الدولي تأجيل المناقشات حول حزمة قرض بـ 1.9 مليار دولار لتونس، كانت مقررة في 19 كانون الأول/ديسمبر. وأجلت الإدارة التنفيذية النظر في الحزمة لأجل غير مسمى لأن تونس قدمت تفاصيل غير كافية لحزمة الإصلاحات الاقتصادية.
أما النكسة الثانية، فقد كانت أثناء لقاء سعيد مع وزير الخارجية أنطوني بلينكن والذي لم يكن جيدا على ما يبدو. وكما تظهر الدقائق الـ 13 من لقطات الفيديو للقاء والتي قدم فيها بلينكن تقديما موجزا، في وقت حاول فيه الرئيس التونسي وبدون أن ينجح تقديم فكاهة مبتذلة وكان دفاعيا في التعليقات الجوهرية التي قدمها.
ويعلق الكاتب أن هذا متوقع منه “فلا أحد وصف سعيد بأنه يجيد إلقاء الخطابات”.
النكسة الثالثة، كانت لقاء سعيد مع طاقم التحرير في صحيفة “واشنطن بوست”، وفي وقت متأخر من ذلك اليوم، حيث كان كارثة علاقات عامة. فصحيفة “واشنطن بوست” من أكبر مؤيدي تونس وديمقراطيتها الناشئة منذ الإطاحة بنظام الديكتاتور زين العابدين بن علي، وقالت إن سعيد لجأ للحيل التي عفا عليها الزمن وهي تحميل قوى خارجية مسؤولية المشاكل في تونس. وقالت “حمل سعيد “الأخبار الزائفة” مسؤولية النقد الغربي للخطوات التي اتخذها لتقوية سلطاته الرئاسية وشجب “قوى خارجية” لم يسمها والتي قال إنها تحاول إثارة المعارضة لحكمه”.
وكانت الأحداث بعد عودة سعيد من واشنطن أسوأ، فلم يشارك إلا قلة من الناخبين التونسيين في الانتخابات البرلمانية يوم 17 كانون الأول/ديسمبر نظرا لعدم مبالاة الناخبين ومقاطعة الأحزاب الرئيسية والنقابات لها. وكما ورد في تغريدة لزيد العلي، مؤلف كتاب “الدستورية العربية” بعد يوم من الانتخابات “المشاركة في انتخابات تونس 2022 هي أقل من المشاركة في انتخابات 2019”.
وشهدت الانتخابات التونسية مشاركة متدنية إما 8.8% أو 11.2% وهي النسبة المعدلة التي نشرت لاحقا وقوبلت بالشك لأن الهيئة العليا من الانتخابات لم تعد مستقلة. وأيا كان الحال، كان واضحا عدم تمتع سعيد بثقة الناخبين أو الشرعية السياسية. ويعلق غري إن سعيد وحتى 25 تموز/يوليو 2021 عندما تحرك واستولى على السلطة في البلاد، تمتعت تونس بعلاقات جيدة وصداقة مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي كانون الأول/ديسمبر 1805 أقام الرئيس توماس جيفرسون حفل إفطار على شرف السفير التونسي الزائر. وحصل القنصل الأمريكي هوكر دوليتل، في أثناء الحرب العالمية الثانية، على صداقة الحبيب بورقيبة، زعيم حركة الاستقلال وأول رئيس لها. وخدم حوالي 2.500 من الجنود الأمريكيين ضمن قوات حفظ السلام في الفترة ما بين 1962- 1996. وازدهرت العلاقات بين البلدين في العقد الذي أعقب خروج بن علي من السلطة وحتى تعليق سعيد البرلمان في تموز/يوليو 2021.
وشجب بلينكن الخطوة بأنها “تآكل خطير للأعراف الديمقراطية” و “تعليق للحكم الدستوري وتوطيد للسلطة التنفيذية وإضعاف للمؤسسات المستقلة” وذلك في بيانه في 28 تموز/يوليو 2022 حول الاستفتاء الدستوري في تونس والمساعدة الأمريكية التي تراجعت مما يعكس عدم الرضا من الفرعين التنفيذي والكونغرس.
وبناء على العلاقات التاريخية الجيدة بين البلدين والمصلحة الأمريكية القوية في نجاح وإنقاذ الديمقراطية التونسية في ظل حالة عودة الاستبداد حول العالم. فما الذي يجب على إدارة بايدن عمله؟
وفي الوقت الذي يبدو فيه سعيد منيعا على النصيحة حتى من أصدقائه، إلا أن على إدارة بايدن البحث عن طرق لتصحيح سلوكه، وعليها استخدام تأثيرها على الفرع التنفيذي في صندوق النقد الدولي ووضع شروط ليس على الإصلاحات الاقتصادية ولكن السياسية. وحتى يحقق سعيد تقدما في إصلاح الديمقراطية، يجب على الإدارة الأمريكية دعوة ممثلي المجتمع المدني وليس الحكومة التونسية، لمؤتمر الديمقراطية المقرر ما بين 29-30 آذار/مارس 2023.
ويجب على الخارجية تشديد تصريحاتها العامة. فقد كان نيد برايس، المتحدث باسم الخارجية مثل الأصم عندما بدأ مؤتمره الصحافي في 18 كانون الأول/ديسمبر بالقول إن الانتخابات البرلمانية “هي خطوة مبدئية باتجاه تصحيح المسار الديمقراطي للبلاد”. وهو كلام بعيد عن الحقيقة، وقرأ الكثير من التونسيين في البيان الأمريكي دعما لسعيد وتحركاته غير الدستورية. وألغى هذا التفسير غير الدقيق التأكيد في البيان على الحاجة “لإصلاحات شاملة وشفافة، بما في ذلك تقوية النواب وإنشاء محكمة دستورية وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية لكل التونسيين”.
وحتى تعود تونس إلى المسار الديمقراطي فلن تعود مبادرة تحدي الألفية لتقديم 498 مليون دولار “لجعل التجارة مع تونس أقل كلفة من خلال الاستثمار في الإدارة والتوسيع ورقمنة ميناء راديس”. وهذا بالضبط الدعم الذي يحتاجه التونسيون، لأن التجارة الأجنبية ستعزز من التوظيف. ويجب أن تستخدم الولايات المتحدة مبادرة تحدي الألفية كورقة ضغط ومحفز للإصلاحات الديمقراطية.