واشنطن: لا شك أن ما شهدته بيروت الثلاثاء الماضي كان من أكبر الانفجارات غير النووية في التاريخ. فنترات الأمونيوم سبب الانفجار، والتي تستخدم كعبوات ناسفة رخيصة، كانت سلاح الجيش الجمهوري الإيرلندي على نطاق واسع في حربه في إيرلندا الشمالية، وكانت السلاح المختار لتيموثي ماك فاي في هجومه الإرهابي عام 1995 ضد مبنى ألفريد مورا الفيدرالي في مدينة أوكلاهاما سيتي. ومع ذلك فإن شاحنة ماك فاي المفخخة كانت تحمل طنين فقط من هذه النترات، بينما كان مستودع بيروت الذي انفجر كان يحوي حوالي ثلاثة آلاف طن منها.
وذكرت مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية في تقرير لها، أن الانفجار أكثر مأساوية؛ لأنه كان متوقعا من جانب مسؤولي المرفأ مرارا وتكرارا. ففي كانون ثاني/ يناير الماضي كتب مسؤولو الجمارك اللبنانية إلى الهيئة القضائية المسؤولة رسالة طالبين فيها أمرا من المحكمة بالتخلص من نترات الأمونيوم، ومحذرين من أنها إذا بقيت في مكانها “يمكن أن تنسف بيروت كلها” وكانت هذه هي الرسالة الأحدث والأكثر إلحاحا في سلسلة من الرسائل التي لم تلق ردا منذ عام 2014.
وأعقب الكشف عن هذه المعلومات غضب كان متوقعا، وعلى الفور رتب رئيس الوزراء اللبناني حسان دياب لإجراء تحقيق فوري لتحديد المسؤولية عن الحادث. وليس من المرجح أن يسفر التحقيق عن ذلك. ومن المؤكد أنه سوف يتم التوصل لسبب مباشر للشرارة التي أشعلت الحريق، وسوف يتم إلقاء حفنة من الموظفين منخفضي المستوى في السجن للخضوع لبعض المراقبة الطفيفة (وعلى نطاق محدود، حدث ذلك بالفعل؛ فقد تم وضع العديد من مسؤولي المرفأ تحت الإقامة الجبرية). ولكن من المرجح أن يظل المجرمون الحقيقيون، وسوء الإدارة الحكومية، والفساد الممنهج، والتجاهل السائد لحكم القانون من جانب كل المستويات العليا والدنيا، مطلقي السراح في المستقبل القريب.
سوف يتم إلقاء حفنة من الموظفين منخفضي المستوى في السجن للخضوع لبعض المراقبة الطفيفة، بينما سيظل المجرمون الحقيقيون أحرارا
وأضافت ناشونال انتريست أنه في أي دولة بها حكومة تؤدي عملها على أكمل وجه، كان من المحتم أن يتم اتخاذ إجراء بالنسبة لتحذيرات المسؤولين المحمومة المتكررة. لكن لبنان ليست من هذا النوع من الدول. فعلى الرغم من أنها أكثر الدول تنوعا عرقيا في الشرق الأوسط، ما زالت منقسمة بشكل عميق على أساس ديني منذ تأسيسها. فنظام التمثيل النسبي الذي تم إقراره وقت استقلال لبنان لم يتوافق مع تغيرها السكاني، مما أدى لحرب أهلية وحشية استمرت من عام 1975 حتى عام 1990 لم يتم على الإطلاق إصلاح ما ألحقته من أضرار بالبنية الأساسية للبلاد بشكل كامل.
وعلى الرغم من أن لبنان حقق بعض التعافي خلال السنوات العشر الأولى من هذا القرن، أدت مجموعة كبيرة من الأزمات السياسية والاقتصادية بعد ذلك إلى إضعاف الحكومة المركزية وأصبحت على حافة الانهيار. ففي بيروت التي كانت توصف في وقت من الأوقات بأنها “باريس الشرق الأوسط”، يعيش ثلث السكان تحت خط الفقر و30 في المئة بدون عمل.
وفي ظل هذا الكم الهائل من المشاكل يحتمل أنه لم يتم التعامل بجدية كبيرة مع أي تحذيرات غامضة تتعلق بمحتويات مستودع في المرفأ.
وأحد أسباب تعقيد وصعوبة معالجة أزمات لبنان، هو وجود ثقافة فساد منتشرة في كل مستويات الحكومة. وربما ليس هناك مثال أفضل لهذه المأساة مما حدث في مرفأ بيروت نفسه.
وقبل تدمير المرفأ يوم الثلاثاء الماضي، كان السكان المحليون يصفونه بـ”كهف علي بابا والأربعين حرامي”، في إشارة إلى الفساد الواسع النطاق- التهرب من الضرائب، والتهريب، ومبيعات السوق السوداء- التي كانت تتم فيه. وقد وصف وزير الأشغال العامة والنقل السابق غازي العريضي شبكة معقدة للتهريب في المرفأ، تعتمد على كثير من الوسطاء والرشاوى على كل مستويات عملها. وقال العريضي إن هذا كان يكلف المرفأ حوالي مليار دولار من إيرادات الرسوم كل عام.
ويعتبر سوء إدارة المرفأ صورة مصغرة للطبقة السياسية اللبنانية الأوسع نطاقا، المقسمة على أساس الطوائف الدينية والرعاة الأجانب -حيث الميول تجاه الغرب أو تجاه سوريا- ولكن تبدو هذه الطبقة متحدة في قبولها الضمني للوضع القائم الذي يزداد سوءا وتجاهلا لرفاهية اللبنانيين العاديين. ودفعت المناورات السياسية الحكومة إلى التحول من موالاة دمشق إلى موالاة واشنطن والعودة مرة أخرى، لكنها ظلت غير فعالة على الدوام.
وعندما تهمل الحكومة قيامها بمهمتها، تقوم منظمات خاصة مثل حزب الله بملء الفراغ الذي تخلفه الحكومة. وحزب الله مصنف من جانب الولايات المتحدة بأنه منظمة إرهابية، لكنه يعمل أيضا كمنظمة خدمات اجتماعية، يوفر الطعام والرعاية الطبية للبنانيين الفقراء وهو ما لا تفعله الحكومة.
وبعيدا عن نظريات المؤامرة، من المحتمل أن يسفر التحقيق المحتمل عن قرار بأن الانفجار كان حادثا وليس تفجيرا، وهذا يزيد من صعوبة إلقاء لوم التسبب في المأساة على أي طرف. ومن المفارقة، أنه من المحتمل أن يحقق هذا الكثير بالنسبة لعدم تكرار مثل هذا الحادث. فأي انفجار يقوم به إرهابيون يمكن بسهولة إلقاء اللوم على الإرهابيين؛ وبالنسبة لأي انفجار يكون سببه الفساد وعدم الكفاءة يجب إلقاء اللوم على مصدر ذلك الفساد وعدم الكفاءة. فلم يقم أي فصيل معين داخل الطبقة الحاكمة بتدمير بيروت؛ ولكن الطبقة الحاكمة ككل هي التي دمرت بيروت، وهم يقومون بتدميرها ببطء طوال العقد الماضي.
إن غضب ما بعد الانفجار الذي يشهده لبنان الآن سوف يجعل من الممكن تحقيق تغييرات ملموسة وممنهجة من ذلك النوع الذي يحتاجه لبنان طوال تاريخه.
( د ب أ)
من دمر بيروت الطائفيين وأمراء الحرب الذين قتلوا من اللبنانيين أ كثر من من قتل العدو الصهيونى؟إذن قل من دمر لبنان؟
من دمر بيروت هم انفسهم من دمروا سوريا والعراق وغيرها من الدول العربية . بيروت لن ولم تكن آخر محطات الفساد والتدمير . اصبحت الامة في خطر ولقمة سائغة في افواه المجانين .لطفك يارب .