“ناشونال إنتريست”: هل ما نشهده الآن هو الفصل الأول من عودة بريطانيا للاتحاد الأوروبي كبطل ومنقذ؟

حجم الخط
3

واشنطن: عندما انتشر في 24 كانون الثاني/ يناير الحالي خبر استجابة المستشار الألماني أولاف شولتس لمطالب أوكرانيا وحلفائها الأوروبيين المقربين لإرسال دبابات ليوبارد إلى أوكرانيا، لم يصطف رؤساء الدول في أوروبا بالضبط لتهنئة شولتس على قيادته الحاسمة، ولكن في الحقيقة، أعرب الكثيرون عن خوفهم من أن القرار تأخر كثيراً، ونجم عن ضغط خارجي، وليس بسبب إصرار ألمانيا على إظهار جبهة متحدة ضد روسيا.

حظي بوريس جونسون بترحيب واستقبال الأبطال في كييف، كما لو أنه ما زال في منصبه.

يقول الباحثان الدكتور فايل كوربيلا، المدير التنفيذي لمعهد الابتكار الفنلندي، وديانا مجيشتري، المحللة بالمعهد، في تقرير نشرته مجلة “ناشونال إنتريست” الأمريكية، إن شولتس التقى الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون، الأسبوع الماضي، للاحتفال بمرور 60 عاماً على معاهدة الإليزيه الموقعة بين البلدين، والتحدث عن الأمن الأوروبي والطاقة، والسياسة الاقتصادية، في محاولة لدحض الانتقادات بأن الشراكة الفرنسية الألمانية تتهاوى.

من ناحية أخرى، حظي رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون بترحيب واستقبال الأبطال في كييف، كما لو أنه ما زال في منصبه. كما اعتبرت قوة الاستطلاع المشتركة التي تقودها المملكة المتحدة، والتي تربط بين دول الشمال ودول البلطيق، من خلال ضمانات أمنية بريطانية، بديلاً فعالاً للعضوية الكاملة في حلف شمال الأطلس (الناتو)، بالنسبة لفنلندا والسويد، في ظل معارضة تركيا لتوسع الناتو على أساس مزاعم متنازع بشأنها، بأن السويد تدعم جماعات إرهابية كردية.

ويرى كوربيلا ومجيشتري، وهما من أعضاء برنامج المستشارين بالمجلس الأطلسي، أنه على الرغم من أن الشراكة الفرنسية الألمانية الإستراتيجية تواجه متاعب، بدا الآن أن بريطانيا العظمى هي مرشح غير محتمل للقيادة في الأمور الأمنية الأوروبية، فبريطانيا التي كانت أول دولة أوروبية ترسل دبابات إلى أوكرانيا، أصبحت مرة أخرى القائد في مجال السياسة الأمنية الأوروبية، رغم أنها تركت أوروبا سياسياً.

بريطانيا التي كانت أول دولة أوروبية ترسل دبابات إلى أوكرانيا، أصبحت مرة أخرى القائد في مجال السياسة الأمنية الأوروبية، رغم أنها تركت أوروبا سياسياً.

ولايبدو أن التحديات السياسية المحلية التى تواجهها بريطانيا، بعد خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، قد أخمدت السياسة الخارجية الطموحة للحكومات البريطانية المتعاقبة، حيث أظهر كل منها أنها مؤيد قوي لأوكرانيا. وقد حظي هذا بدعم الدول الأعضاء في الجناح الشرقي للاتحاد الأوروبي، والتي تشعر كلها بالقلق من أنها سوف تصبح الضحية التالية للعدوان الروسي، إذا ما سقطت أوكرانيا.

وفي حين أن بريطانيا كسبت قلوب معظم الدول الموالية لأوكرانيا في الاتحاد الأوروبي، تواجه ألمانيا انتقاداً متزايداً لعدم إسهامها بشكل كاف في القضية الأوكرانية. ومع ذلك، كان المنتقدون أقل ضراوة بالنسبة لفرنسا، التي لم يكن اقتصادها قبل حرب أوكرانيا مرتبطاً بروسيا بنفس القدر مثل ألمانيا.

وفي حقيقة الأمر، هناك اختلافات أساسية تفصل بين فرنسا وألمانيا، فبالنسبة للقضايا الجغرافية الإستراتيجية ومعنى ما تصفه الدولتان بـ “سيادة” أوروبا، تعتبر ألمانيا أكثر ارتباطاً بالناتو والولايات المتحدة، بينما تلتزم فرنسا بالتقليد الديغولي في ما يتعلق بأوروبا، باعتبارها قوة وساطة و”توازن” بين دول العالم الكبرى. كما أن الاختلافات كبيرة في سياسة الطاقة، إذ تواصل فرنسا دعم الطاقة النووية، بينما أصبحت ألمانيا في المرحلة الأخيرة من التخلص من هذه الطاقة.

وتبرز قضية إرسال الدبابات الألمانية إلى أوكرانيا مسألة أكثر أهمية بالنسبة لمستقبل القيادة الأوروبية، يمثلها الاقتباس الشهير الخاطىء، الذي غالباً ما ينسب إلى وزير الخارجية الأمريكية الأسبق هنري كيسنجر، وهو: ” بمن أتصل إذا كنت أريد التحدث إلى أوروبا؟”.

والسؤال الملح الذي يدور في عقول الجميع يتعلق بمستقبل التزام الولايات المتحدة تجاه الأمن الأوروبي. فبدون مظلة واشنطن النووية، هل ستسعى ألمانيا إلى تطوير قدراتها النووية، مما يؤدي إلى شراكة فرنسية ألمانية أكثر تعقيداً؟ فالألمان لا يمكنهم التأكد من أن الولايات المتحدة سوف تواصل مد مظلتها النووية فوق بلادهم دون شروط. ولن يخاطر أي رئيس أمريكي بخوض حرب نووية من أجل برلين تحت أي ظروف. ويمكن لوجود بريطانيا العظمى، الملتزمة تماماً بالدفاع الأوروبي، كقوة نووية أخرى، أن يبدد مخاوف ألمانيا، وأن يقلل من احتمالات حدوث تنافس متزايد بين باريس وبرلين.

تعتبر ألمانيا أكثر ارتباطاً بالناتو والولايات المتحدة، بينما تلتزم فرنسا بالتقليد الديغولي في ما يتعلق بأوروبا، باعتبارها قوة وساطة و”توازن” بين دول العالم الكبرى.

ومنذ 60 عاماً، وصف شارل ديغول المصالحة بين فرنسا وألمانيا بعد الحرب بأنها “معجزة زماننا”، وذلك في أعقاب التجاوزات ذات النزعة القومية في القرنين التاسع عشر والعشرين. ولم يكن تفاؤل ديغول ساذجاً، حيث إن معاهدة الإليزيه التي وقعها مع كونراد أديناور في عام 1963 بقيت حتى بعد عهد جورج بومبيدو وسياسة المستشار فيلي برانت الشرقية التي اتسمت بعلاقات “نموذجية، ولكن لا تشمل الجميع”.

واختتم الباحثان تقريرهما بالقول إنه مع تركيز الصحافيين والمحللين السياسيين على دبابات ليوبارد الألمانية وعودة جونسون إلى كييف، يبقى السؤال الحقيقي الذي يتعين أن نسأله لأنفسنا، هو ما إذا كان ما نشهده هو بالفعل الفصل الأول من فصول عودة بريطانيا إلى أحضان الاتحاد الأوروبي، وهذه المرة كأبطال لديهم جهود لإنقاذ أوكرانيا. وهذا بالتأكيد سيكون كما قال الجنرال ديغول، معجزة حقيقية في زماننا.

(د ب أ)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول آدم:

    هذا هو بالضبط التخطيط الامريكي لاوروبا,,, وهو التسلسل التلقائي لما اسست له الولايات المتحدة من تفتيت واضعاف الاتحاد الاوروبي واجهاض بروزه كقوة غربية ديمقراطية منافسة للنموذج الامريكي ثقافيا وسياسيا وامنيا واقتصاديا، فهي البديل الاكثر حظا في استبدال الولايات المتحدة دون حالات انتقالية صعبة وراديكالية ثقافيا وسياسيا,, لدرجة ان كان من الممكن للاتحاد الاوروبي قيادة شكل جديد من القيادة مع استراليا وكندا واحتواء الولايات المتحدة نفسها,,, ولكنها الاخيرة وجدت الحل في تفتيت الاتحاد الاوروبي عبر البريكست ثم الحرب الروسية,,, وما قيادة جونسون الا اتباع ما بدء في هذه الخطة، لان خطه هو الخط الامريكي منذ البداية,,,, لتحيا الولايات المتحدة,, تموت اوروبا,, وتموت باقي دول العالم,,,,!!!

  2. يقول عابر سبيل:

    لا عودة ولا بطيخ، بريطانيا من يوم يومها تدور في فلك أمريكا وبما أن أمريكا تقود الدعم لأوكرانيا، فمن الطبيعي أن تدعم هي أيضا أوكرانيا !!!

    1. يقول قلم حر في زمن مر:

      أحسنت أحسنت أحسنت ?

إشترك في قائمتنا البريدية