«نبع السلام» شمال شرقي سوريا: معارك عنيفة بين الجيش التركي و«قسد» وسقوط عشرات القتلى والجرحى

هبة محمد
حجم الخط
0

دمشق – «القدس العربي» : تواصل أنقرة عملياتها العسكرية شرقي سوريا، وانتشارها بمشاركة «الجيش الوطني» في عمق الأراضي السورية، بعدما سيطروا على أكثر من 13 قرية وبلدة في ريف الحسكة، ورصدوا جميع الطرق المؤدية إلى مدينة تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، وذلك رغم الضغوط الدولية المنددة بالعملية، والداعية لوقف التحركات العسكرية ضد الوحدات الكردية، حيث اعتبر رئيس المجلس الأوروبي، دونالد تاسك، ان العمليات شرق الفرات قد «تؤدي إلى كارثة إنسانية» في حين اكتفت موسكو بالتعبير عن قلقها، الأمر الذي اعتبره مراقبون دعماً ضمنياً مقابل أثمان قد تكون باهظة.
ويبدو ان الروس مستفيدون من العملية التركية في شمال سوريا وداعمون لها، حيث استعملوا «الفيتو» ضد إدانة العملية، كما اكتفت وزارة الخارجية الروسية، بدعوة كل الأطراف للحفاظ على أقصى درجات ضبط النفس. فقد أحبطت الولايات المتحدة وروسيا، مشروع بيان يدين عملية «نبع السلام» التركية. وجاء رفض الولايات المتحدة وروسيا، المقترح الذي تقدمت به 5 دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، خلال جلسة مغلقة لمجلس الأمن الدولي.

الموقف الروسي

وجاء في بيان الخارجية الروسية، تعليقاً على العملية التركية شمال شرقي سوريا: «إن الصدامات المسلحة في المناطق الحدودية، وتصاعد التوتر والعنف على الضفة الشرقية لنهر الفرات، لا يمكن إلا أن تدعو للقلق» منبهة إلى ضرورة التحقق بعناية من التدابير المتخذة.
وتابع البيان: «لا نشك بالضرورة الموضوعية لمكافحة الإرهابيين وضمان أمن تركيا، وجميع دول المنطقة، من هجماتهم. لكننا على يقين بأنه يمكن ضمان السلام والاستقرار في هذا الجزء من الأراضي السورية ذات السيادة فقط، عبر الحوار المثمر وفق احترام متبادل بين الحكومة والأكراد، الذين يشكلون جزءاً لا يتجزأ من المجتمع السوري».
وقالت الأمم المتحدة اليوم الجمعة إن نحو مئة ألف شخص تركوا منازلهم في شمال شرق سوريا، حيث يتزايد عدد من يلوذون بالملاجئ والمدارس في أعقاب التوغل العسكري التركي في المنطقة هذا الأسبوع حسب رويترز. وقالت المنظمة الدولية في بيان «الأثر الإنساني ملموس بالفعل. غادر ما يقدر بمئة ألف شخص منازلهم بالفعل». من جهته اكد برنامج الأغذية العالمي نزوح أكثر من 70 ألفاً شخصاً، فيما قالت منظمة أطباء بلا حدود في بيان لها الجمعة، إن المستشفى العام الوحيد في منطقة تل أبيض شمال شرقي سوريا اضطر للإغلاق، بعد فرار معظم عامليه تحت وطأة القصف على مدى الأربع والعشرين ساعة الماضية، وذلك حسب وكالة «رويترز».
وقال رئيس المجلس الأوروبي، دونالد تاسك، انه «يجب أن تفهم تركيا أن شاغلنا الرئيسي هو أن تصرفاتهم قد تؤدي إلى كارثة إنسانية أخرى، ولن نقبل أبداً أن يتم استغلال اللاجئين كسلاح واستخدامهم لابتزازنا. تهديدات الرئيس اردوغان بالأمس في غير محلها تماماً». وجاء تصريح تاسك، رداً على تهديد الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، فتح الأبواب أمام اللاجئين السوريين في اتجاه أوروبا بعدما انتقد دول الاتحاد الأوروبي عملية «نبع السلام» وقال اردوغان: «حياتكم كلها كذب. هاجموا رجب طيب اردوغان كما تشاؤون، نحن نسير بخطوات واثقة في هذا الطريق».

تعاظم الضغوط الأممية والدولية لوقف المعارك والنازحون وصلوا إلى 100 ألف

ودفعت الضغوط الدولية على أنقرة، وكان آخرها تصريحات مساعد الأمين العام للأمم المتحدة بانوس مومتيس، الذي ربط بين المنطقة الآمنة في سوريا، والإبادة الجماعية في سربرنيتسا، إلى رد حازم من قبل المتحدث باسم الخارجية التركية حامي أقصوي، الجمعة، حيث وصف خلال مؤتمر صحافي عقده في العاصمة أنقرة، تصريحات مومتيس وهو المنسق الإقليمي للشؤون الإنسانية للأزمة السورية، بأنها «غير مسؤولة» وتنم عن «عقلية مشوهة» حسب وصفه.

خسائر بشرية

وقال المسؤول التركي إن «التصريحات غير المسؤولة التي أدلى بها مومتيس، مدانة بشكل كلي، وتم إبلاغ النظراء في الأمم المتحدة بهذه الإدانة» مشيراً إلى الممارسات التي وصفها بـ «الإرهابية لتنظيم ي ب ك/ ب ي د، والانتهاكات بحق سكان المنطقة من الأكراد والآشوريين والكلدانيين والآراميين وغيرهم من مكونات المنطقة» معتبراً التغاضي عنها «مظهراً من مظاهر نظرة مريضة».
ميدانياً، أعلن الجيش الوطني السيطرة على قرية «أصفر نجر» ومنطقة «الصوامع» قرب مدينة «رأس العين» إثر انسحاب قوات قسد منها، ضمن عملية نبع السلام. وقتل أربعة جنود اتراك واصيب عدد آخر في إطار العملية العسكرية التركية في شمال سوريا، وفق ما نقلت السلطات والاعلام الجمعة. وقالت وزارة الدفاع إن جندياً قتل الخميس وآخر قتل الجمعة في اطار هجوم انقرة على المقاتلين الأكراد في شمال شرق سوريا. وكذلك، قتل جنديان واصيب ثلاثة الجمعة بقصف كردي لقاعدة عسكرية تركية قرب مدينة أعزاز في شمال غرب سوريا، حسب وكالة انباء الاناضول الحكومية.

نفي تركي

وأحصى المرصد السوري لحقوق الإنسان منذ الأربعاء مقتل 17 مدنياً و41 عنصراً من قوات سوريا الديمقراطية، التي تشكّل وحدات حماية الشعب الكردية عمودها الفقري. وفي الجانب التركي قتل تسعة مدنيين بينهم رضيع سوري، وأصيب نحو 70 بجروح في قذائف سقطت على بلدات حدودية في محافظتي شانلي أورفا وماردين، اتهمت السلطات مقاتلين أكراداً بإطلاقها. وكانت قوات سوريا الديمقراطية «قسد» أعلنت في بيان الجمعة، مقتل 22 من عناصرها خلال العمليات التي جرت يومي الأربعاء والخميس.
وقال المرصد السوري، ان المنطقة الحدودية بين سوريا وتركيا، شهدت اشتباكات عنيفة بين القوات التركية وفصائل المعارضة من جانب وقوات سوريا الديمقراطية والمجالس العسكرية التابعة لها من جانب آخر، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى من الطرفين، إضافة إلى سيطرة القوات التركية على عدد من القرى، وسط اشتباكات عنيفة بين الجانبين. وأكد ان عدد النازحين تجاوز 75 ألف مدني نزحوا من بلداتهم ومدنهم وقراهم، حيث تتواصل حركة نزوح المدنيين من مناطقهم في تل أبيض ورأس العين والدرباسية ومناطق أخرى شرق الفرات عند الشريط الحدودي مع تركيا، وسط «سقوط شهداء نتيجة القذائف التركية العشوائية التي طالت المدنيين في مختلف أنحاء الشمال السوري».
ونفت وزارة الدفاع التركية، استهداف المدنيين، وصنفت تداول ذلك ضمن «الأخبار الكاذبة التي ينشرها الإرهابيون حول استهداف سكان منطقتي «القامشلي» و»ديريك» في سوريا» وقالت إن تلك الأخبار «تتجاوز حدود العقل» مشددة على أن القوات المسلحة التركية ليس لديها أي عنصر للعمليات في هذه المناطق المذكورة.
من جهة أخرى اعتبر المجلس الوطني الكردي ان التهديدات المحدقة بمنطقة شرقي سوريا نتيجة سياسة وحدات الحماية الكردية المتفردة بالحكم، والهجمات التركية وفصائل المعارضة «من شأنها أن تُدخل المنطقة في أتون صراعات تحمل في طياتها تبعات ومعاناة إضافية على أبناء المنطقة من تهجير ونزوح، ويفتح المجال للصراعات والتدخُّلات المختلفة، الأمر الذي يؤثر سلباً على مجمل العملية السياسية في سوريا، والتي تفاءل بها الشعب السوري والمجتمع الدولي بعد الإعلان عن تشكيل اللجنة الدستورية».
وناشد «المجلس الوطني الكردي» في سوريا المجتمع الدولي والأطراف المعنية بالشأن السوري خاصة الأمم المتحدة العمل الجاد لوقف هذه التهديدات، وأي عمل عسكري من شأنه تعريض المنطقة وأهلها للمزيد من الكوارث والويلات والبحث عن الحلول السلمية العاجلة. ودعا الكرد إلى نبذ ممارسات تنظيم «بي ي دي» و»التحلّي باليقظة والتركيز على وحدة الموقف الكردي حيث يمارس التنظيم سياسة الاستفراد، ولا يدع أي مجال للتقارب بالرغم من الاتفاقيات والجهود المخلصة والمبادرات في هذا المجال».

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية