بنيامين . صحيح أننا سمعنا في الماضي من فمه مرة بعد اخرى وعودا واشياء لم تتحقق، لكنه جدي هذه المرة، فلا تُصنفوه على أنه ‘جبان’، فهو جدي. لا في ما يتعلق بالانسحاب الى خطوط 1967 واجلاء 140 ألف مستوطن وتقسيم القدس، وهي التي لا سلام بغيرها. إن نتنياهو جدي الآن في نيته ان يهاجم ايران. ليس عجبا ان بدأ تحرير النابض بالافراج عن السجناء. فبخلاف التهديد بالقصف في 2010 الذي كان يرمي به ايهود باراك ونتنياهو الى حث الامريكيين على العمل على عزل ايران (إن الثلاثة اشكنازي ودغان وديسكن لم يوقفوا الهجوم آنذاك) فان النابض الذي ضُغط في خريف 2011 ومطلع صيف 2012 كان حقيقيا. وكان يبعد خطوة عن تحقق خطة استغلال الانتخابات في الولايات المتحدة لجرها الى حرب. سبق الاستعداد آنذاك الافراج عن سجناء في صفقة شاليط. وكانت الفكرة أن السخاء واظهار الاعتدال يُسهلان عملية هجومية دامية. وكذلك الحال اليوم ايضا. إن نتنياهو يدرك ان الطريق الى القصف هو طريق الاعتدال السياسي والقليل من التأثر، وهو الطريق الذي يبدأ بالافراج عن سجناء. من العجيب كيف يُصر السُذج ومدعو السذاجة على عدم فهم ما يريده نتنياهو بعد عشرين سنة، مع الداعي الى تظاهرات ‘بالدم والنار سنطرد رابين’ التي كانت تعترض على انسحابات اوسلو، وكأن هذا الشخص جاء الى هنا الآن فقط. فانه في اللحظة التي تزول فيها الحاجة التكتيكية تعود فيها الايديولوجية المتطرفة. وهذا ما حدث مع ‘الاحتجاج’، الذي حصلنا بعده على مجموعة فرانكل كاندل. وقد جاء هذا الأخير بالعجب العجاب في تلخيص روح نتنياهو، حينما قال ان الخطر الأكبر على الاقتصاد والديمقراطية هو النقاش الديمقراطي. ومن العجيب ايضا قلة ادراكهم لمبلغ تشابه نتنياهو وباراك اوباما. فكلاهما زعيم ايديولوجي، جدا. وهما يشتركان جميعا في الحالة النادرة التي يصل فيها انسان ذو ايديولوجية من هامش الطيف السياسي من هامش الهامش عند نتنياهو الى الحكم ويتمسك به. ويقتضي هذا الحال قدرا كبيرا من المرونة، و’قيادة من الخلف’، واخفاء وتلاعبا وحيلة تصاحبها قدرة على الخطابة. عند نتنياهو وعند اوباما ايضا قدر من الانتهازية، لكنه أقل من الموجود عند أكثر زملائهما (وهذا القدر عند نتنياهو أقل منه عند اوباما). وهما يستغلان التصور الانتهازي عنهما كي يخفيا راديكالية ايديولوجية يمنع الكشف عنها الاختيار ولاحداث تصور عن شخص ‘يمكن القيام بصفقات معه’. ليس من السهل أن تتمسك سنين بالحكم في وقت تؤمن فيه بخلاف جمهورك ايمانا قويا بسياسة الاستيطان وبرأسمالية قوية وبحقد على ‘نخب خائنة’، اسحق رابين رمز لها. ويصعب بالقدر نفسه بالضبط البقاء في الحكم وقد كان مرشدك الروحي الكاهن جيرمي رايت، وحينما يكون رجب طيب اردوغان أقرب الى قلبك من كل زعيم آخر، وتؤيد الاسلام السياسي. إن ‘القيادة من الخلف’ الدهائية هي الطريقة الوحيدة اذاً. وإن الصورة المترددة شيئا ما و’الضعيفة’، وسيلة ناجعة لاظهار مخاوف من تطرف ايديولوجي. إن ذوي الشعور الساخر من المؤمنين بالقوة يؤمنون بأن الجميع يشعرون مثلهم. لكن اوباما ونتنياهو ليسا كذلك. ليسا كذلك حقا. صحيح أنكم لا تسمعون الى الآن هدير المحركات، لكن هذا الصمت الذي يسبق الهدير عند نتنياهو. كما بيّنت مجموعة متسناع بيرتس ليفني ان العرب سيُطرحون من الكنيست ‘لأجل السلام’ بخلاف كامل لنهج رابين الذي آمن بأنه ينبغي صنع السلام مع عرب اسرائيل أولا. هكذا يسلك نتنياهو في ما يتعلق بضرب ايران. فأمل ‘المسيرة’ هو زيت في اطارات الطائرات الحربية. ويحسن صرف الانتباه الى التشريع المضاد للديمقراطية لسبب آخر. في الحكومة السابقة أوقفه الاربعة بيغن مريدور ايتان ريفلين مع باراك، ولم يوقفه هذه المرة أحد. فلم يعد باراك الغامض صاحب النية المزدوجة موجودا. وموشيه يعلون مستعد للمسايرة. وليس الثلاثة بينيت ولبيد وليفني حتى شاشة من الكرتون. وليس من المؤكد ايضا ان تكون الغيوم رادعا مؤقتا، بل قد تكون عكس ذلك. تحل اليوم الذكرى الـ68 لما حدث في هيروشيما. فتذكروا ان .