نتنياهو يصرخ والعالم يسكت

حجم الخط
0

أمس قبل أن تُبحر السفينة ‘كلوز سي’ في طريقها منح مقاتلو سلاح البحرية الفريق التركي هدية وهي رزمة صغيرة من متاع شخصي من النوع الذي تقدمه اللجنة من اجل الجندي. وعبر الربان عن رضى عن الضيافة. وكان عنده مع ذلك طلب واحد وهو هل يوافق سلاح البحرية على أن يزوده بصندوق الفودكا، تفضلا من ملاحين على ملاحين؟ منذ كانت تلك الحادثة أصبحوا في سلاح البحرية حذرين جدا من المس بمشاعر ملاحين أتراك، وأعطيت الموافقة وأُخرجت الفودكا. وهكذا انتهى ما بدأ مثل عملية بطولية كأنها عنتيبة فوق البحر الى صندوق فودكا متواضع، يا له من فرح كبير.
وليت الامر كان كذلك. فان الواقعة في ميناء ايلات العسكري أمس كررت بدقة تقريبا الحفل الذي تم احتفالا بوضع اليد على سفينة السلاح كارين إي في كانون الثاني 2002. فقد كان هناك عرض للسلاح على الرصيف لاجل الصحفيين الاجانب والملحقين العسكريين في السفارات والرأي العام في الداخل. وكانت هناك خطبة رئيس الوزراء الذي يتهم ايران تهما قاسية وهي المزودة بالسلاح، ويتهم الفلسطينيين زبائنها ولا ينسى أن يذكر بؤبؤ عينيه: المستوطنات.
لكن يا لعظم الفروق، فقد كان ياسر عرفات آنذاك هو العدو الرئيس، وأراد رئيس الوزراء شارون أن يطرده من رام الله واستعمل ضبط سفينة السلاح وتعليلات عرفات الكاذبة، وسيلة؛ وتناول الرئيس بوش تهم شارون بجدية كبيرة. فهو لم يدعه يطرد عرفات لكنه لم يعد يصدقه.
وايران اليوم هي العدو الرئيس، ودعاوى اسرائيل عليها لها ما تقوم عليه. ويرى نتنياهو نضالها مهمة حياته. فهو يجهد ويجهد ويجهد، ويحذر ويحذر ويحذر ويخطب هنا ويخطب في خارج البلاد، ويرفض العالم أن يتأثر بذلك. فالعالم يرفض أن يتأثر لأنه انتهازي وأناني ومتعب وكذلك قادته ايضا. وقد سلم العالم في واقع الامر بتحول ايران الى دولة على شفا القدرة الذرية. هذا هو الواقع ولا ينجح رئيس وزراء اسرائيل برغم قدراته الخطابية المبرهن عليها، في تغييره.
ويقع شيء من المسؤولية عن هذا الوضع المخجل، مع كل ذلك على نتنياهو. فقد فعلت فعلها سنوات غمز وتعوج وحديث من جانبي الفم في الشأن الفلسطيني. فأصبح من السهل على رؤساء دول في الغرب أن يتجاهلوا صراخه برغم أنه يُسمع بلغة انجليزية فصيحة.
ضُبط في سفينة كارين إي 50 طنا من السلاح والذخيرة، وقد كان ما عُرض من جهة الكم أكثر اثارة لكن الحمولة في كلوز سي أفضل من جهة النوع. لأن 40 صاروخا بعيدة المدى ليست أمرا تافها. وقد سألت أحد المراسلين الاجانب وهو مندوب صحيفة بريطانية كيف يوجز ما رآه، فقال إن الصورة قوية وهي تثبت لقرائه أن اسرائيل كلها تواجه تهديدا حقيقيا في كل يوم.

تشرتشل في ايلات

لكن التهديد من غزة يهم نتنياهو الآن في الهامش فقط لأن هدفه ايران. وإن حقيقة أنهم في الغرب، فضلا عن الشرق، غير مستعدين للاصغاء اليه تُخرجه عن طوره، وهو يزيد في شدة النغمة من خطبة الى اخرى، فهم إن لم يصغوا اليه حينما يتحدث بهدوء فربما يصغون اليه حينما يصرخ مُحذرا. وتضاف الى ايران الشيطان الأكبر الآن اوروبا التي هي الشيطان الاصغر. فاوروبا منافقة ومتلونة. وهو يهاجم بصورة شخصية كاثرين آشتون وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي دون أن يذكر اسمها. ‘شهدنا ابتسامات ومصافحات من ممثلي الغرب مع قادة نظام الحكم في طهران في نفس الوقت الذي كانت فيه هذه الصواريخ تُنزل في ايلات’، يقول. وهم لا ينددون بايران بل لا يكادون ينددون بها، لكن اسرائيل ‘اذا بنينا شرفة في القدس سمعنا من المجتمع الدولي تنديدا عاليا’.
وهو لا يقل تلذيعا في كلامه بالانجليزية، فهو يتهم العالم بـ ‘خداع النفس’ ويقول إن روحاني خبير بالعلاقات الخارجية فقط، أما ايران الحقيقية فهي ايران خامنئي الزعيم الأعلى. وحينها يُشرك العالم في نبوءة آخر الزمان ويقول: ‘تستطيع ايران أن تسلح الحاويات القادمة بحقائب ذرية وارسالها الى كل مكان في العالم… إن ايران تخطط لصواريخ عابرة للقارات تهدد سكان الغرب’.
حينما سمعته سألت نفسي ما الذي يتوقع أن نفعله نحن مواطني اسرائيل على إثر كلامه. هل من الواجب علينا أن نحفر ملجأ ذريا في ساحة البيت المشتركة؟ وهل علينا أن نحاول استصدار جوازات سفر اجنبية؟ وهل يجب أن نعتنق الاسلام؟ وهل توجد غاية لهذه الصرخة؟.
وتذكرت تشرتشل وهو الرجل الذي يريد نتنياهو كثيرا أن يشبهه. لقد حذر تشرتشل بلده والعالم من المانيا النازية ورفض العالم الذي هو وادع دائما الاصغاء. وحينما تحققت تحذيرات تشرتشل دُعي ليقود بريطانيا الى النصر.
لكن اذا تحققت صرخات نتنياهو فلن تكون له دولة يقودها. وسيصرخ من ملجئه الذري تحت مدخل القدس ‘قلت لكم’، ‘قلت لكم’ ولن يوجد في الاعلى اسرائيلي حي واحد يستطيع أن يقول له صحيح، كل الاحترام.
وحينما لا يوجد هدف فانه يتحول من خطبة الى خطبة ليصبح أشبه بشتاينيتس، فهو يحفر ويحفر، ويطحن ويطحن، ويقول حقا ويقول حقا، لكن العدل يرفض أن يظهر.

الأوعية الصينية

عندي ملاحظتان في هامش الحدث في ايلات. الاولى أن حاويات السلاح في السفينة كانت مغطاة بأوعية من نوعين: أوعية ايرانية واخرى صينية. وقد بين العقيد آساف، وهو من ‘أمان’ الذي عرض الحاويات أن الأوعية التي كان الرمز الصيني منقوشا فيها أُغلقت في ايران. وقد حذرته من أن الصين تقف الآن في قمة فرح رئيس الوزراء. فاستوعب التحذير. وحينما عرض الحاويات قال بأدب: ‘ايران وبلد آخر’.
هذا الى أن القذائف الصاروخية من طراز إم 302، وهي الغنيمة الأهم التي ضبطت في السفينة هي قذائف صاروخية صينية وقد صنعت في سوريا بموافقة من الصين.
والثانية أنه لم يأت الى ايلات أمس مراسلون اجانب كثيرون ولا سيما اذا قيس ذلك بواقعة الاحتفال بكارين إي. يوجد بالطبع انخفاض عام للاهتمام الذي يظهره العالم بالشرق الاوسط وتقلص عام بصناعة الاعلام العالمي. هذا الى أن الحماسة لضبط السفينة محدودة. فهي تشبه تقريبا الحماسة لنبأ عن حادثة بين سفينتين كوريتين واحدة من الجنوب واخرى من الشمال.

يديعوت ـ 11/3/2014

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية