تساءلت المقالة الافتتاحية في صحيفة «هآرتس» اليوم: «يصعب أن نفهم لماذا يجهد رئيس الوزراء نفسه في غرس من الأمل بين الحين والآخر بأنه متجه الى تسوية سياسية». لكن الحقيقة أنه ليس من الصعب أن نفهم، والأمر ليس معقداً أصلاً، فنتنياهو يفعل ذلك مرة بعد أخرى كي يستهوينا للمرة التي لا يعلم أحد كم هي لنشغل أنفسنا بالسؤال الأبدي وهو: ما الذي يقصده في الحقيقة؛ وكي لا نشغل أنفسنا بطبيعته المضللة ووعوده الفارغة. فالى متى يا محللينا ستعلقون آمالا باطلة على هذه الشجرة اليابسة التي لم تثمر قط سوى الثمار العفنة.
«ما أحسن العودة الى الحياة المعتادة»، قال طلاب ومعلمون في الجنوب مع افتتاح السنة الدراسية. «ما أحسن العودة الى الحياة المعتادة»، قال أيضاً رئيس الوزراء والوزراء في اجتماع الحكومة. وبكت الطفلة تسيبي واحتجت لكن لم يخطر ببالها لحظة واحدة أن تنهض وتغادر الصف، ولم يقل الولد الصغير يئير كلمة واحدة لكن العالم كله يعلم أنه غير راض في الحقيقة. فقد بقي جالساً في هدوء لأن المؤخرة مهيأة للجلوس.
«الجرف الصامد» – هل هي نصر أم خسارة؛ لم يعد هذا هو السؤال لأن الجواب أُعطي بعد «العملية» فوراً وهو أن ما حدث كان لا بد له أن يحدث، ولذلك فانها ليست خسارة بل هزيمة: لم تكن الحرب في هذه المرة أيضاً سوى استمرار للسياسة، وتواصل السياسة الحرب الآن.
وكلتاهما عقيمة وكلتاهما تجبي ضحايا عبثاً. وتبين مرة أخرى أن «الأفق السياسي الجديد» لنتنياهو ليس سوى سراب. وتسير الأمة كلها وفي مقدمتها عقله الصغير الى محطة الاستراحة الأولى وهي: «لا يوجد من نتحدث معه»، أو لا يوجد ما نتحدث فيه بالأساس، فأبو مازن لن يخدعنا، وليتفضل جون كيري وليمكث في واشنطن، ولا ينقصنا إلا هما فقط الآن.
ما الذي استفدناه اذا كانت كل الضربات التي تلقيناها قد سُجلت في صفحة الاستحقاق والانجازات التي لا يستهان بها: 2100 قتيل في الجانب الآخر، و12 ألف جريح، و23 ألف بيت مدمر، و300 ألف لاجيء للمرة الثانية والثالثة، وبنى تحتية للماء والكهرباء لن يُعاد بناؤها سريعاً، ولم تعد غزة كما كانت وقد تعود بعد عشر سنوات فقط الى ما كانت عليه، فيا لَفظاعة ذلك المكان الذي صار أفظع بعدة أضعاف اليوم اذا ما قورن بالأمس.
أما عندنا في صفحة الدين فيوجد 74 قتيلا في الحاصل وأضرار بالممتلكات هنا وهناك، ولا يمكن أن يُجادل هذا الاحصاء الواضح جداً، فلا شك أننا انتصرنا.
وقد آمنا دائما بغفلة منا، أن الانجازات الكثيرة جداً هي ثروة تؤول الى الفساد وهي أكثر مما ينبغي. وكنا نؤمن بأن الدولة الاكثر أخلاقاً في العالم لا تفخر بالخراب ولا تفخر بمعاناة الآخرين. وكنا نؤمن بأنه لم يكن خيار، لكن ماذا يفعل ذلك بالفخر. إن الضرورة التي لا تُعاب أصبحت فجأة تبجحاً بعيداً، وتحول الدفاع عن النفس الى تمدح قبيح بالهجوم، لكن ما الذي حققناه لأنفسنا في الحقيقة باليوم الثاني والخمسين وقد وجدنا الحرب قد أضاعت «أفقها». وهو لم يبتعد لكنه غرق في الفوضى والاضطراب.
بقي حساب صغير ليصفى، فقد «كلفت الحرب مالاً»، وسنؤدي هذا الحساب من الصحة والرفاه والتربية والدراسات العليا التي سيتم تخفيضها، وسيكون الضعفاء أول من يدفعون، وسنفعل ذلك جميعاً في استسلام لأنه «لم يكن مناص» وملك الأمن يطلب ما له.
«لا شيء أهم من الأمن».. يعيدنا رئيس الوزراء أيضاً هذا الاسبوع الى ارض الواقع والى «حياة الطوارئ المعتادة».
ويُبين لنا أن من أراد السلام فعليه أن يستعد للحرب التالية لأنه لا سلام بل لا أفق للسلام. وانسوا ما قلته لكم ذات مرة في لحظة ضعف منذ كانت خطبة بار ايلان الى اليوم. لكن لا تقلقوا لأنني سأطرح اليكم في أقرب فرصة عظام أمل آخر تعضونها متلذذين مثل كلاب بائسة.
هآرتس 3/9/2014
يوسي سريد