نتنياهو يطير لواشنطن اليوم تزامناً مع العاصفة الأمريكية.. وترجيحات حول آثارها على الحرب والصفقة

وديع عواودة
حجم الخط
0

 الناصرة- “القدس العربي”: طيلة الحرب على غزة تعرّض الرئيس الأمريكي بايدن لانتقادات قاسية، ووقحة أحياناً، وجحودة من قبل وزراء ونواب في إسرائيل، رغم أنه دعمها قولاً وفعلاً أكثر من أيّ رئيس أمريكي سابق، بل نعت نفسه بالصهيوني.

حتى الآن، يصمت رئيس حكومة الاحتلال على إعلان بايدن استقالته من سباق الرئاسة، وربما ينتظر وصوله واشنطن، التي يسافر إليها اليوم، للإدلاء بتصريحات متوازنة، يشكر فيها بايدن، دون إثارة خواطر المرشح للرئاسة دونالد ترامب، ففي المرة السابقة، عندما هنّأ نتنياهو بايدن بفوزه بالرئاسة عام 2018 بعد شهرين، حَمَلَ عليه ترامب، ويبدو أنه يخشى تكرار ما حدث، بفارق أن ترامب هذه المرة وجهته للبيت الأبيض، والمرشح الأوفر حظاً للفوز.

الطيبي: بايدن أغدق الكلام على الفلسطينيين دون خطوات فعلية طيلة مسيرته، وانتهت ولايته بدون ذلك، بل مع آلاف القنابل والطائرات

في المقابل، صدرت تصريحات عن بعض الجهات الرسمية وغير الرسمية في إسرائيل، منها رئيسها يتسحاق هرتسوغ، الذي شكر بايدن، واستذكر زيارته البلاد، بعد أيام قليلة من “طوفان الأقصى”: “أرغب بتقديم الشكر لك على الدعم والصداقة المتينة مع مواطني إسرائيل، بصفتك أول رئيس أمريكي يزور البلاد في زمن الحرب، وكحليف للشعب اليهودي، ورمز لعلاقات غير قابلة للانكسار بين شعبينا. أرسل لك ولزوجتك جيل بايدن، وعائلتكما تبريكاتي الحميمية من القدس”.

شكراً لك.. صديق حقيقي

وأشاد رئيس الحكومة السابق، رئيس المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد ببايدن، وقال: شكراً لك على العلاقة غير القابلة للانكسار بين شعبينا، شكراً على الدعم المتين”.

 وقال وزير الأمن يوآف غالانت: “شكراً لك الرئيس بايدن على دعمك المثابر طيلة سنوات، فدعمك لنا، خاصة خلال الحرب، كان أغلى من الذهب. نحن مدينون لك بالشكر على قيادتك وصداقتك”.

وتبعه وزير الأمن السابق بيني غانتس، الذي كتب: “صديق حقيقي”.

 فيما كتب رئيس حكومة الاحتلال السابق نفتالي بينيت مذكّراً الإسرائيليين بأنه كان يوماً ما رئيساً للوزراء: “بايدن صديق حقيقي لإسرائيل، وقف لجانبنا في ساعتنا الأقسى. خلال ولايتي كرئيس حكومة كنت شاهداً على دعمه الكبير لإسرائيل. شكراً على كل شيء.

في المقابل، أشار رئيس الحركة العربية للتغيير النائب في الكنيست أحمد الطيبي لحقيقة بايدن، الذي أغدق الكلام على الفلسطينيين دون خطوات فعلية طيلة مسيرته، فقال، ضمن تغريدة في “إكس”: “عندما زار بايدن رام الله، في بداية ولايته، وَعد بإنتاج وسيلة اتصال “جي أربعة” للفلسطينيين، وانتهت ولايته بدون ذلك، ولكن مع آلاف القنابل وطائرات من طراز “إف 35″ التي قتلت آلاف الأطفال الفلسطينيين”.

هزة أرضية

بايدن، الذي قتل وأصاب عشرات آلاف الفلسطينيين بسلاح أمريكي زوّد به إسرائيل بسخاء، ينسحب الآن من السباق للرئاسة، في ساعة متأخرة منه، بينما كان الرئيس جونسون قد انسحب، عام 1968، هو الآخر، من المنافسة على ولاية ثانية نتيجة مفاعيل صور موت أطفال فيتنام والجنود الأميركيين فيها. مع ذلك، يشكل انسحاب بايدن من السباق هزة أرضية على المستوى الأمريكي الداخلي بالأساس، لأنه جاء متأخراً، وربما في الدقيقة تسعين، ما سيثقل على الحزب الديموقراطي، ويصعب الخروج من حالة الارتباك، والنجاح في ترتيب أوراقه وبيته، مقابل مرشح جمهوري يزداد قوة.

“هزة أرضية” سياسية، لأن كل ما شهدته الساحة الأمريكية، حتى الانسحاب، ليلة أمس، يصبّ الماء على طاحونة ترامب، ويزيد حظوظه بالفوز، بعد خسارته عام 2018، ما يعني تغيّرات في السياسات الأمريكية الداخلية والخارجية، والتأثير على العالم بأكثر من مستوى.

جاء الانسحاب نتيجة حتمية، فقد بدا بايدن بصورة سيئة: هرم ومرهق، والحملة الانتخابية المضنية مرشّحة لزيادة هفواته وزلات لسانه ونسيانه المحرج، خاصة أنه بعد الثمانين من عمره، وهذا ينعكس على مكانته وهيبته، ويدلل على قوة الشكل والصورة ومفاعيلها على النفوس، وأحياناً أكثر من المضمون والرؤى والأداء: لقد حكم على بايدن، منذ شهور، بالعجز لمجرد أنه بدا هرماً، ويكابد مشكلة نسيان وبلبلة، وزلات لسان،  وجاءت المناظرة التلفزيونية الكارثية لتزيد طينته بلّة، حتى جاء انسحاب بايدن نتيجة حتمية، بعدما تحوّل لـ “بطّة عرجاء”، وبعدما لم يعمل بالعبرة بضرورة إنهاء السياسيين مناصبهم وهم في القمة، فتركّز بنفسه وأناه وأخطأ حينما اعتقد أن ترامب سيختفي، فصمّم على البقاء في عباءة المرشّح حتى تعثر، ولم يعد يستطيع، خاصة مع انفضاض الكثير من الحلفاء والأصدقاء من حوله، وتنكر له رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو، وساهم بالمساس بهيبته باستخفافه به، وعدم الامتثال لنداءاته المتكررة بوقف الحرب والذهاب لصفقة، بعد شهور طويلة من المجهود العسكري الإجرامي الفاشل في تحقيق الأهداف المعلنة، والمدعوم أمريكياً.

صمت نتنياهو

نتنياهو  يطير، مساء اليوم، على متن طائرة جديدة خاصة برئاسة الوزراء، طائرة “جناحي صهيون”، هو وزوجته، ويفترض أن يلتقي بايدن، غداً الثلاثاء، وسيدلي الأربعاء بخطابه في الكونغرس، للمرة الرابعة، بدعوة من الجمهوريين والديموقراطيين هذه المرة، متجاوزاً بذلك تشرتشل، الذي زار الكونغرس ثلاث مرات فقط، خلال ولايته كرئيس وزراء بريطانيا، وقد حرص مكتب نتنياهو على التذكير بذلك من خلال أبواق إعلامية، ما يعكس “الأنا” المتضخمة لدى نتنياهو.

تأتي زيارة نتنياهو في التزامن مع العاصفة الناجمة عن إعلان بايدن، لكن الصحافة الأمريكية لن تركّز على الزيارة، بل على الهزة الأرضية ذاتها، وفق تقييمات صحفية عبرية.

تبعات الانسحاب على الحرب والصفقة

هذا ما يؤكده، على سبيل المثال، المعلق السياسي في “يديعوت أحرونوت” ناحوم بارنياع، اليوم، في مقال بعنوان “المنسحب والوريثة”، فيرى أن انسحاب بايدن مجرد فاصلة في تاريخ مسيرته الطويلة الممتازة، التي بلغت الذروة بدخوله البيت الأبيض.

ويؤكد بارنياع أن بايدن كان رئيساً إيجابياً في زمن السلبية، وسيشتاق له معظم الأمريكيون.

تنكّرَ نتنياهو لبايدن، وساهم بالمساس بهيبته باستخفافه به، وعدم الامتثال لنداءاته المتكررة بوقف الحرب والذهاب لصفقة

 ويتابع: “نتنياهو يصل واشنطن بتوقيت بائس: حتى لو كان مهتماً بواشنطن فهي غير مهتمة به. الاجتماع مع بايدن، بحال تم غداً، سينطوي على معنى عملي محدود فقط”.

ويقول زميله المعلق السياسي الاقتصادي سيفر بلوتسكر إن انسحاب بايدن جاء نتيجة خيانات الزملاء والحلفاء والأصدقاء في الولايات المتحدة، لافتاً إلى أنه تعرّض للخيانة أيضاً من قبل حكومة الاحتلال برئاسة نتنياهو، الذي أبدى قدراً كبيراً من الجحود. نتنياهو بخل عليه بالتهنئة في البداية، والآن يبخل عليه بالمواساة، وربما يخشى تكرار ما حصل له مع ترامب عندما باركَ، وهنّأ بايدن بفوزه في الرئاسة، عام 2018، ولم ينس له ترامب ذلك. يتنكّر نتنياهو بشخصيته الاستعلائية الساخرة من كل شيء حوله، رغم أن بايدن كان فعلاً صديقاً حقيقياً لإسرائيل من الطراز الأول، وربما الأقرب للاحتلال من كل الرؤساء الأمريكيين. عملاً بقول “الصديق وقت الضيق” سارعَ بايدن لزيارة إسرائيل، وحذّرَ أعداءها، مهدداً، ولم يكتف بالأقوال، بل قرنها بالأفعال، وهو، كما تقتضي الصداقة، يقول للصديق أمر مبكياته لا مضحكاته، فهو يرى أن تسوية الدولتين مصلحة إسرائيلية عليا. وقال ذلك للإسرائيليين، في أول زيارة له للبلاد، بصفته سيناتوراً جديداً، في أيلول/سبتمبر 1973، قبيل حرب رمضان، محذراً من تبعات الاحتلال والتطرّف على إسرائيل. وعاد بعد 50 عاماً للبلاد كرئيس، وحذّر إسرائيل من مغبة الحرب البرية على غزة، ودعاها للتعلّم من تجربة بلاده في أفغانستان والعراق وغيرهما. بايدن صديق صهيوني حميم لإسرائيل في الحرب والسلم، وبالنسبة للفلسطينيين؛ لم تخرج مواقفه عن الثرثرة العقيمة، بل شارك بقتلهم بدعمه السخي، كما أشار الطيبي، وبحق.

لم يكترث نتنياهو طيلة الحرب بنداءات وضغوط بايدن، الذي رغب بإنهاء الحرب، وإتمام صفقة فيها بعد سياسي يرتبط برؤيته الخاصة بترتيب الأوراق في الشرق الأوسط، فتعامل معه باستخفاف كمرشح رئاسة لا كرئيس، والآن من غير المتوقع أن يغيّر نتنياهو وجهته، خاصة أنه من المستبعد أن يغيّر بايدن سياساته ومواقفه حيال إسرائيل وحكومتها وهو في آخر أيامه السياسية، ومن غير المرجّح أن “يتحاسب” مع نتنياهو على كل ما حصل، خاصة أن انتقادات قاسية ضد نتنياهو من شأنها أن تُفسَّر ضد إسرائيل، وهذا من شأنه المساس بحملة من يخلفه في دور المرشح للرئاسة داخل الحزب الديمقراطي.

 نتنياهو لا يبدي إشارات بأنه يتجه لتغيير الاتجاه بما يتعلق بالحرب والصفقة، فلو كان ينوي التغيير(من ناحية وقف الحرب وإنجاز صفقة في ظل، ورغم، إبداء “حماس” مرونة حقيقة) لما سمح لسفر طاقم المفاوضات للقاهرة والدوحة، يوم الخميس القادم، رغم احتجاجات وتوسّلات عائلات المحتجزين، ونداءات المؤسسة الأمنية، وتأييد معظم الإسرائيليين اليوم لوقف الحرب والذهاب لصفقة.

حسابات نتنياهو مختلفة عن حسابات إسرائيل في هذه الحرب، كانت، وما تزال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية