لندن- “القدس العربي”:
قال عبد السلام هنية، نجل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، الشهيد إسماعيل هنية، إن “وقف العدوان على شعبنا، والانسحاب الكامل من قطاع غزة، هو الرد الأفضل على جريمة الاغتيال في طهران”.
وكشف هنية في حوار خاص مع “القدس العربي” أن منفذي عملية الاغتيال تتبّعوا هاتف والده النقال، واستهدفوا مكان إقامته في مبنى يتبع للحرس الثوري الإيراني، بدقة شديدة عبر صاروخ موجه، وليس بعبوة ناسفة زُرعت في غرفته.
وهذا نص الحوار مع عبد السلام هنية:
– كيف تلقيت خبر استشهاد والدك وأين كنت في تلك اللحظات؟
منفذو عملية الاغتيال تتبّعوا هاتف والدي النقال، واستهدفوا مكان إقامته بدقة شديدة عبر صاروخ موجه، وليس بعبوة ناسفة زُرعت في غرفته.
كنت في إسطنبول بتركيا، وعند الساعة 5.30 من فجر يوم الأربعاء، 31 يوليو/ تموز الماضي، وصل أحد الشباب وأبلغني أن الوالد تعرض لمحاولة اغتيال، وأنه مصاب بجروح خطيرة جدا. فقلت له إن الوالد استُشهد.
بالصدفة، وفي ليلة الاغتيال، وصلت والدتي إلى تركيا. فدخلتُ عليها، وأبلغتها أن زوجها أصيب بجروح خطيرة، ثم بعد دقائق أخبرتها أنه استُشهد.. أجهشتْ بالبكاء، لكنها تحملت وحمدت الله وشكرته على هذا المصاب الأليم.
بمجرد أن شاع الخبر في الإعلام، وصلت قيادة حركة حماس التي كانت متواجدة في تركيا برئاسة خالد مشعل إلى مكان إقامتي. ثم تلقينا اتصالا من الرئيس رجب طيب أردوغان بعد عملية الاغتيال بـ45 دقيقة يعزّينا باستشهاد الوالد. أيضا اتصلت بِنا المخابرات المصرية، ثم أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح، جبريل الرجوب، وشخصيات عديدة أيضا.
بعد عملية الاغتيال مباشرة، لم يكن لدي تواصل مع الأخوة الذين تواجدوا مع والدي في إيران لفهم ما جرى. وصار الترتيب أن ننتقل من تركيا إلى الدوحة، التي تقرر دفن الجثمان فيها؛ لأنها مكان الإقامة المؤقتة للوالد منذ عام 2019.
بعد ذلك مباشرة، سافرتُ إلى طهران برفقة أخي همام، ووصلنا إلى الجنازة مباشرة، وشاركنا في مراسم التشييع المهيبة.
– قابلتَ المرشد الإيراني آية الله علي خامنئي في صلاة الجنازة.. ماذا قال لك؟
آية الله خامنئي وجميع القيادة الإيرانية كانوا متأثرين جدا بما حصل، وعزّانا بالوالد. كانت الإشارات على وجوههم تشي بأنّ ما حدث كبير جدا بحق إيران وضيفها. ولكن لم يتحدثوا في تلك اللحظات بأي تفاصيل حول عملية الاغتيال، فقد كانت التحقيقات في بدايتها.
– بحسب ما وصلك من معلومات، كيف وقعت جريمة الاغتيال، وأين وصلت التحقيقات الإيرانية؟
الإيرانيون أخبرونا أن عملية الاغتيال حدثت باستخدام صاروخ يحمل رأسا شديد الانفجار بزنة 7.5 كيلوغرام.
عملية الاغتيال حدثت باستخدام صاروخ يحمل رأسا شديد الانفجار بزنة 7.5 كيلوغرام، واخترق الجدار خلف السرير مباشرة
أما الأخوة الذين كانوا متواجدين مع والدي، إضافة إلى الإيرانيين، فهم يعتقدون أن منفذي الاغتيال حددوا مكان والدي بدقة عبر تتبع هاتفه النقال، حيث كان دائما وبعد أن ينهي أعماله في النهار، يتفقد هاتفه ليلا قبل أن ينام، ويرد على الرسائل التي وصلت إليه. عدا عن أن أبي شخصية سياسية معروفة، وحضر حفل تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وكان متواجدا في مبنى معروف للجميع يتبع للحرس الثوري الإيراني.
الصاروخ استهدف مكان والدي في الغرفة بدقة شديدة، إلى درجة أنه اخترق الجدار خلف السرير مباشرة. ونتيجة القوة التفجيرية، استشهد مرافقه وسيم أبو شعبان الذي كان في تلك اللحظة خارج الغرفة، جراء إصابته بالشظايا.
أما بالنسبة لحركة حماس، فهي تتابع ملف جريمة الاغتيال والتحقيق بالتنسيق مع الإيرانيين الذين يحاولون تحديد مكان إطلاق الصاروخ، وهل تم القصف من طائرة مسيّرة أو من طائرات مقاتلة، أو بوسيلة أخرى.
كذلك، فإن التحقيقات الإيرانية، نفت اغتيال الشهيد عبر عبوة متفجرة زُرعت في غرفته أو أسفل سريره، والشواهد في المكان أيضا لا تشير إلى ذلك.
– برأيك، هل تأخر الرد الإيراني؟ وكيف تتوقع أن يكون شكله إذا حدث؟
كعائلة الشهيد، نحن نقول إن اليد التي امتدت لقتل الشعب الفلسطيني والأطفال والنساء ووالدنا، يجب أن تُقتطع. وأن المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية وضع حد لحرب الإبادة التي يشنها بنيامين نتنياهو على شعبنا.
أما طبيعة الرد، فهي أمر متروك للسياسيين ولإيران. وبرأيي الشخصي، فإن وقف العدوان الإسرائيلي على شعبنا، والانسحاب الكامل من قطاع غزة، هو الرد الأفضل على جريمة اغتيال الشهيد إسماعيل هنية.
عبد السلام: وقف العدوان الإسرائيلي على شعبنا، والانسحاب الكامل من قطاع غزة، هو الرد الأفضل على جريمة الاغتيال
– حدثنا عن الشهيد إسماعيل هنية.. وما هي أبرز ذكرياتك معه؟
الشهيد لم يكن والدا فقط، بل هو صديق وأخ. رجل صاحب قلب طيب وحنون، يشعر بالسعادة حينما يساعد الناس. يفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم.
كان صاحب قبول بين الناس على المستوى الاجتماعي وفي كل المواقع التي عمل بها. علاقته بالناس مبنية على الحب والتواصل معهم في كل النواحي.
الشهيد كان رجلاً مؤمناً حافظاً لكتاب الله، قلبه معلق بالقرآن.. يقرأ ورده القرآني اليومي.. يؤم الناس في المساجد، فهو خطيب منذ صغره. ويقوم الليل، يحضر الندوات والدروس في المساجد خاصة في رمضان، فالمسجد يعتبر بيته الثاني.
في مقابل هذا الجانب الديني الإيماني، كان والدي سياسيا بارعا أجمع عليه الفلسطينيون بالرغم الاختلافات الفصائلية، فهو رجل توازن وطني، وكانت استطلاعات الرأي تشير دائما إلى أنه يتصدر المرشحين لأي انتخابات رئاسية أو على الأقل في المركز الثاني.
إضافة إلى ذلك، كان الوالد رياضيا، حيث لعب كرة القدم بين أزقة مخيم الشاطئ بقطاع غزة، ثم انتقل إلى نادي الشاطئ في السبعينات. وبعدها انتقل لنادي الجمعية الإسلامية ومنتخب الجامعة الإسلامية في غزة.
تسلم والدي وزارة الشباب والرياضة عندما كان رئيسا للوزراء في 2006، وحضر آسياد الدوحة عام 2006.
بالنسبة لآخر ذكرى معه، فقد كان آخر تواصل بيننا قبل استشهاده بيومين عبر اتصال مرئي بالواتساب. أجرتْ ابنتي فرح اتصالا بجدها، الذي كان يحب أحفاده كثيرا.. اطمئن على الأسرة، وأبلغ تحياته ومحبته لنا.. وهكذا انتهى الاتصال.
– كيف تلقى والدك خبر استشهاد عدد من أبنائه وأحفاده في غزة؟
منذ السابع من أكتوبر 2023، علم والدي أن هذه المعركة ستكون مفتوحة، ولن تنتهي قريبا. فطالبنا مباشرة بأن نوطّن أنفسنا على فقد الأحباب والأصحاب. وهذا ما حدث فعلا.
فقدت عائلة هنية بشكل عام أكثر من 70 شهيدا حتى الآن. أما بالنسبة لعائلتنا، فقد استشهد أشقائي أمير وحازم ومحمد، وأبناؤهم خالد ورزان وآمال ومنى. وقبلهم استشهدت الحفيدة الأولى للشهيد إسماعيل، بنت أخي همام، وأيضا استشهد حفيده الأكبر جمال.
في عيد الأضحى الأخير، تلقى أبي خبر استشهاد أبنائه وأحفاد برضى بقضاء الله، وسطّر موقفا عظيما بالصمود والثبات، وهو المشهد الذي تابعه الكثيرون عبر شاشات التلفاز، ومنصات التواصل الاجتماعي.
– ما تأثير غياب الوالد على حركة حماس؟
حماس حركة مؤسسات، واغتيال الوالد ليس له تأثير على فكر الحركة ولا منهجها. فحركة اغتيل مؤسسها الشهيد أحمد ياسين وعشرات من قياداتها، إضافة إلى قيادات كبيرة في الثورة الفلسطينية، لم تنهِ حركات التحرر ولم تقضِ على الشعب الفلسطيني.
أعتقد أن رحيل والدي، سيكون له تأثير على بعض الجوانب الإدارية في حماس. ولكنها قادرة على استيعاب ما حصل، ولديها جيش كبير من القيادات
ولكن في المقابل، أعتقد أن رحيل والدي، سيكون له تأثير على بعض الجوانب الإدارية في الحركة. ولكن حماس قادرة على استيعاب ما حصل وتستطيع المضي قدما، ولديها جيش كبير من القيادات على كافة المستويات.
– كيف تم اختيار يحيى السنوار لقيادة حماس؟
بعد اغتيال الشهيد هنية، اجتمع مجلس شورى حماس، ومباشرة بايعوا الأخ أبو إبراهيم لقيادة الحركة. وهذه رسالة أن القائد في قلب المعركة ويديرها، وبأن الجميع خلفه، وأيضا رسالة واضحة، بأن اغتيال القادة لا يؤثر على المنهج والمسيرة.
– أين وصلت مفاوضات وقف إطلاق النار وصفقة التبادل؟
أخبرني بعض الأخوة في حماس، أن الجانب الإسرائيلي لا يريد وقف إطلاق النار، بغطاء أمريكي. وأن كل ما تقوم به الولايات هو كلام معسول، ولكنها لم تضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار. وإذا أرادت، فهي تستطيع ذلك خلال لحظات، ولكن هدفهم جميعا القضاء على شعبنا في غزة وعلى المقاومة.
بحسب ما سمعت من الوالد قبل استشهاده، فإن حماس أبدت مرونة عالية مع كل مبادرات وقف إطلاق النار، ومن ضمنها صفقة التبادل الأولى في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2023. ولكن لم تنجح كل المبادرات منذ ذلك الوقت حتى الآن بسبب تعنت نتنياهو المدعوم أمريكيا.
وأعتقد أن على العرب والمسلمين أن يضغطوا بشكل حقيقي على أمريكا لوقف الحرب، فهم يمتلكون أدوات عديدة لتحقيق هذا الهدف.