في اللقاءات التي قدمها الصندوق الاسود منذ أيام (من خلال الاعلامي عمار تقي) مع د. نجم عبد الكريم يقف المتابع أمام تجربة إعلامية مليئة بالأحداث والشخصيات، للتجربة مضمونها الكويتي التاريخي مع نشوء وتطور الاذاعة والاعلام والمسرح والدولة الحديثة منذ ستينيات القرن العشرين. لكن بنفس الوقت تجربة نجم عبد الكريم مرتبطة بظروف الاقليم في ظل الصراع ضد الاستعمار القديم في القرن العشرين. لا يخلو اللقاء الممتد على عدة حلقات من خفة الدم والتنوع الذي يميز نجم عبد الكريم. نجم عبد الكريم يمثل الآخر الإنساني بأكثر من طريقة، فهو كويتي من أصول وجذور عراقية وهو شيعي المذهب اي انه من مذهب الاقلية في الكويت وفي العالم العربي. لكن الآخر في نجم عبد الكريم اكثر تعقيدا من المألوف: فهو إنسان متمرد بطبعه ويمكن القول بأنه حاد في طبعه وان كان طيب القلب في إستيعابه وتعامله. عبد الكريم يجيد الفن والغناء والمسرح كما الكتابة والتمثيل والنكتة. كما أنه من لقاءاته التلفزيونية أمن اللقاءات الشخصية التي سنحت لي التعرف على الابعاد الثرية في شخصية نجم يعيش حياته وكأنه على خشبة مسرح. فصوته الجهوري واحاديثه وعفويته تجعله في قلب اللحظات اليومية لتجربته. لدى نجم ذلك الإصرار على التفكير خارج النمط والاطار وبعيدا عن المألوف والمتعارف عليه.
في الجوهر يترك لنا عبد الكريم رسالة عميقة حول أهمية ومكانة المواطن الكويتي وحقوقه وضرورة التصدي للعنصرية عندما تعصف بالمجتمع، وهو يترك لنا رسالة واضحة حول واقعنا العربي وتناقضاته وضرورة تطوير القوانين نحو المساواة بين كل الناس. يا لها من رسالة قادمه من المستقبل، لمثقف عربي كويتي تجاوز الثمانين.
في مقابلات نجم في مع عمار تقي الثقافة تتحول لتفكير علني وحوار مع كل المجتمع. من خلال لقاءاته نسمع عن ظروف إبعاد في الماضي وحالات منع ومزاجية مسؤول بما يعكس طبيعة التحدي الذي يعيش تحت سقفه المثقف والمبدع. عبد الكريم الكاره للقوالب الجامدة بأنواعها والأيديولوجيات الحادة والخطب الرسمية، يتحدث في اللغة وكأنه شاعر، وفي لحظة اخرى تجد نفسك تستمع لشخصية سياسية، وفي لحظات أمام شخصية درامية توشك على الانفجار. لكن عبر المقابلة يشعرك نجم في بعض المواقف وكأنك أمام لقطة لكوميديا من الطراز الاول. الجميل في لقاء نجم أن الاعلام الكويتي المجتمعي احتفى به، ورحب بأفكاره وتجاربه، وفي هذا فرادة تجربة الاعلام الخاص في الكويت الذي يناقش المحلي بسقف لازال نسبيا أعلى من غيره من الدول العربية.
لن يكون هناك مستقبل للعرب، طالما العرب في مواجهة وتنافر مع الحرية وطالما النظام العربي يحاسب مثقفا لأنه انتقد، ويحاسبه على حرية الكلمة والرأي، وطالما يتحكم بالقانون والدستور مزاج مسؤول وليس قانونا عادلا يساوي بين كل الناس
هذا المثقف يحن من مسكنه اللندني ومنفاه الاختياري للرئيس السابق عبد الناصر لأنه يفتقد للمشروع العربي الذي حمله ناصر دون أن يعني ذلك موافقته مع كل خطأ ارتكبه ناصر، فهو لم يتمالك نفسه وعاطفته عندما تذكر عبد الناصر وزمنه وأوقاته. كان ناصر بطلا للتحرر العربي من الاستعمار، نجح في مناطق واخطأ في مناطق، لكنه أخلص للناس وتواصل معهم وقدم نموذجا للزعيم السياسي الذي لم يورث ابناءه وبناته القصور والذي عاش كما كان قبل ان يصبح حاكما وزعيما.
وتوقف في المقابلة نجم عند سنوات الدراسة في الجامعة في مصر محللا شخصية الطالب «الواشي» الذي يتجسس على الطلبة واطروحاتهم السياسية. شخصية «الواشي» نجدها في الكثير من الاعمال الروائية العربية كرواية شيكاغو للروائي المصري علاء الاسواني. يسأل عبد الكريم ما الذي يعطي الواشي تلك الاحقية في تجاوز حقوق الآخرين والتجسس عليهم؟ هل هي القوانين التي تشجع هذا النمط من الانتهازية ام انها سياسة الدولة في بعض الحالات، ام الاثنين معا؟.
قصة نجم عبد الكريم الاعلامي البارز هي قصة المثقف العربي، الذين تجرفه رياح المنع والتصدي من قبل انظمة ولوائح وبيروقراطية، هي الحالة التي تدخله في معارك بعضها ضروري وبعضها ليس ضروريا، لكن في الجوهر صراع المثقف من اجل الابداع والتعبير يضع الإبداع تحت مقصلة قلما تسمح له بالتحليق. كم من طاقة خسرتها المعارك الجانبية وكم من مبدع قلمت ابداعه مقصات الرقابة والخوف من التقييم والنقد.
في لقاءاته الاخيرة يقول لنا نجم عبد الكريم بأنه لن يكون هناك مستقبل للعرب، طالما العرب في مواجهة وتنافر مع الحرية وطالما النظام العربي يحاسب مثقفا لأنه انتقد، ويحاسبه على حرية الكلمة والرأي، وطالما يتحكم بالقانون والدستور مزاج مسؤول وليس قانونا عادلا يساوي بين كل الناس. المستقبل كما ينبئنا عبد الكريم سيكون صعبا علينا طالما لم نتعلم من تجارب الماضي ولم نلتحم مع قيم ورثناها عن أمتنا جوهرها الحرية والعدالة والمساواة بين الناس. أكثر ما برز في رسائل عبد الكريم موقفه من العنصرية بانواعها. دعوته لدولة المواطنين في الكويت وفق القانون وروح الدستور، هي دعوة لكل العرب في كل بلادهم، لكنها دعوة تلقى صدى وتخلق جدلا ونقاشا في وطنه الكويت.
استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت
*شكرا شفيق ناظم الغبرا
عن كل سطر قد مضى شكرا
*هيهات وأد منارة الكلمة°
كالشمس فوق الناس مبتسمة°
عفوا للخطأ المطبعي
الناظم وليس ناظم
شكرا للأحباء أسرة القدس العربي
على التصويب
شرحت شخصية نجم بكل أبعاده وعمقه الإثني.. مقالة ممتعة شكرا لك دكتور شفيق?