القاهرة ـ ‘القدس العربي’ – من كمال القاضي: أسس جيل الأوائل في السينما المصرية لمدرسة عريقة في التمثيل بكل أشكاله الكوميدية والتراجيدية وقد ترك النجوم الكبار تراثاً يصعب تقليده فهم من لعبوا أدوارهم ببراعة أعجزت من جاءوا بعدهم.
وإن كان هناك من حاول السير على نفس الدرب، فلو بدأنا بذكي رستم ومحمود المليجي وأنور وجدي وعبدالوارث عسر وحسين رياض ورياض القصبجي وإسماعيل يسن، ومنير مراد وسراج منير ونجيب الريحاني وغيرهم من الفنانين الرواد سنلحظ أن قليل منهم جدا، من له نظير في عصرنا الحالي، خاصة أن تكرار الشخصيات الكبرى في أي مجال أمر نادر الحدوث، اللهم إذا لعبت الصدفة دوراً، في هذه الحال يمكن أن يوجد شبيه لشخص أو اثنين على أكثر تقدير.
لو قارنا مثلا بين أداء المليجي وعادل أدهم سنجد تقارباً إلى حد ما في تكوين الشخصية الدرامية ونوعية الأدوار وطريقة الأداء، حيث الاثنين يميلون إلى أدوار الشر وتحمل ملامحهم سمات العدوانية، وهو ما أهلهم لأن يكونوا أساتذة في هذا اللون الأدائي الفريق.
أيضاً حالة الفتونة التي كان عليها نجم الشباك الكبير فريد شوي لا يماثلها الآن حالة مشابهة وإنما تقترب منها بعض الأنماط، فلدينا بعض نجوم يجيدون أدوار الأكشن كأحمد السقا وخالد النبوي وأحمد عز وعمرو واكد، ولكن هؤلاء ليسوا في درجة إقناع ملك الترسو فهم يعتمدون في أفلام الحركة والعنف على نظم التقنية التكنولوجية وخدع الجرافيك، على عكس ما كان أيام فريد وتوفيق الدقن ورشدي اباظة وغيرهم ممن كانوا يعتمدون على القوة البدنية فقط دون أية عوامل مساعدة، ومن ثم كانوا أكثر قرباً من الجمهور.
الكاركترات الكوميدية هي الأكثر شيوعاً في سينما اليوم والأسهل من ناحية التقليد والمحاكاة، فإن لم يوجد نظير مطابق تماماً لإسماعيل يس فعلى الأقل يوجد من يجتهد في هذا السياق كأشرف عبدالباقي وأحمد رزق ومحمد هنيدي وماجد الكدواني وعلاء مرسي وآخرين لهم مذاق في التمثيل بشكل عام والكوميديا بشكل خاص، أي أن التواصل لم ينقطع بين جيلين مختلفين، والكوميديا لم تفقد جمهورها ولا نكهتها المتميزة.
وقد يكون الاحتياج إلى التنوع هو ما جعل صناع السينما لا يرغبون في استنساخ نجوم من نجوم آخرين مما دفع بالبعض إلى تغيير جلده حتى لا يقال عنه إنه نسخة باهتة من شخص ما، وبالتالي بات العثو على اشباه لنجوم زمن الأبيض والأسود مسألة جد صعبة، إلا في حدود استثنائية كالتي نلمسها في الامتداد بين تيارات وموجات تحتم المقارنة بين المراحل والاشخاص والنوعيات السينمائية كتجسيد بعض الأبطال التاريخيين والسير الذاتية لرموز الفن والسياسة والملاحم الشعبية.
وتحضرنا في هذا المقام قصة حياة أدهم الشرقاوي التي قدمها في الستينيات الفنان القدير عبدالله غيث، ثم أعيد تقديمها بعد نصف قرن ليلعب دور أدهم الفنان محمد رجب، وبالطبع لم تكن المقارنة في صالحه لفوارق كثيرة حالت دون تميزه، أولها الانطباع الأول الذي تكون لدى المشاهدين واستحال معه قبول بديلا آخر لعبدالله غيث.
أيضاً فيلم رد قلبي الذي قدمته السينما لتوثيق ثورة يوليو فنياً ولعب فيه أدوار البطولة كوكبة من النجوم الكبار حسين رياض وشكري سرحان وفردوس محمد ومريم فخر الدين وصلاح ذو الفقار وكمال يس وهند رستم، مرت السنوات وتم تحويله على مسلسل تليفزيوني أسندت فيه أدوار السابقين الى محمد رياض ونرمين الفقي وعدد من الممثلين الشباب، فكانت النتيجة فشل ذريع ورفض جماهيري كامل لعملية الإحلال والتبديل بين نجوم الأمس ونجوم اليوم، لا سيما أنه لم يوجد بين الأبطال المعاصرين من هو قادر على ملء فراغ واحد من الراحلين.
يمكن قط القول بأن هناك ما ينبيء بصعود بعض الفنانين من نجوم المرحلة الراهنة ليحتل مكانه في التاريخ الفني فيتساوى في المكانة بشكل نسبي مع من ذكرناهم شريطة ألا تتم المقارنة بين دور ودور آخر أو ممثل وممثل آخر فنحن متفقين على عدم تكرار النماذج كما هي حيث من غير المقبول أو المنطقي وضع فنانة مبتدئة وقليلة الخبرات في ميزان واحد مع فاتن حمامة ومديحة يسري وسعاد حسني ونادية لطفي، فلكي نعقد مقارنة منصفة لابد من أن تتساوى الرص والظروف والملابسات.
أما أن نقول أن فنانة مثل ليلى علوي أو يسرا أو إلهام شاهين قادرة على القيام ببعض أدوار هؤلاء المذكورين سلفاً فهذا ممكن لأن الموهبة تمكن أصحابها أحياناً من المنافسة ولكن ليس في كل الأحوال ولا مع كل الاشخاص وهذا هو الفارق الذي نشير إليه ونقطع بوجوده النماذج التي تتشابه عادة بين الفنانين وتنعكس على تشابه الأدوار هي تلك التي لا تحتاج لقدرات فائقة في التقمص كأدوار الأطباء والمحامين لأنها في الغالب تكون أقرب إلى الكاركتر منها إلى الدور، وبالتالي يمكن بجهد قليل وموهبة متوسطة من أي ممثل الاقتراب من الشكل الاعتيادي للشخصية، خاصة في الإطار الكوميدي الساخر، لذا نلحظ تشابه كبير بين الأدوار الثانوية ومن يقومون بها، بعطس دور المعلم الشرير مثلا في فيلم ‘سمارة’ والذي قام به الفنان القدير محمود إسماعيل وأصبح بعد ذلك علامة فارقة في تاريخ السينما المصرية والعربية يصعب على أي ما كان إجادته بالصورة التي كان عليها، والصعوبة هنا لا تكمن في أداء دور لمعلم في حد ذاته، ولكنها تتمثل في ميكانيزمات الشخصية بكل خصائصها وصفاتها وموروثاتها الاجتماعية، وهي الطاقة التي خرجها إسماعيل ببراعة وجعل منها نموذجاً حياً بهذه الماهية.
لم يكن ملفتاً في هذا الفيلم دور محسن سرحان برغم تركيبه ومراوحته بين أداء شخصية الضابط المتنكر وشخصية تاجر المخدرات المعلنة هويته بين أرباب السوابق في الحي الشعبي المشبوه، فالتخفي والتنكر وازدواج الشخصية للبطل تيمة قدمتها السينما في أفلام عديدة، لذا لم تكن من الأهمية بمكان وظلت شخصية المعلم سلطان هي الأميز والأبرز يقابلها بنفس الكفاءة شخصية سمارة التي جسدتها الفنانة الكبيرة تحية كاريوكا وحظيت بنفس الإعجاب، فضلا عن أن أجواء القصة ذاتها كانت عاملا أساسيا في نجاح الفيلم السينمائي، إذ كان لها اثر سابق في الإذاعة عندما تحولت إلى تراجيديا سوداوية ناطق ودخلت التاريخ الفني من أوسع أبوابه وباتت أيقونة مصرية الصنع محفور عليها أسماء أبطالها الكبار بحروف من ذهب، سواء من جسدوها عبر الميكروفون أو من ساهموا في انتشارها وذيوعها من خلال الشاشة الفضية الكبيرة،
فالتحية هنا واجبة لسميحة أيوب صاحبة السبق في النجاح الإذاعي وكاريوكا التي ينسب لها الفضل في خلود الشخصية التراثية الآسرة.