إن انبعاثات غازات الدفيئة (Greenhouse Gas Emilson) هي المسؤولة عن حبس الحرارة في الغلاف الجوي، التي تساهم في ظاهرة الاحتباس الحراري، وهذه الغازات تتكون من غاز ثاني أكسيد الكربون (CO2) ويشكل ما يقرب من 75 ـ 80% من إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة، وهي تنتج من حرق الوقود الأحفوري، لإنتاج الطاقة والنقل والصناعة، وإزالة الغابات. ويأتي في المرتبة الثانية غاز الميثان (CH4) ويمثل حوالي 15-20% من الانبعاثات، وتنشأ انبعاثات غاز الميثان بشكل رئيسي من أنشطة الزراعة ومن تربية الماشية (ويكفي أن نعلم أن معدة الأبقار هي المسؤولة عن 40% من انبعاثات غاز الميثان عالميا) والزراعة وإدارة النفايات. وفي المرتبة الثالثة يأتي أكسيد النيتروز (N2O) ويساهم تقريبا بـ 5- 10% من الانبعاثات وينتج من الممارسات الزراعية أيضا مثل استخدام الأسمدة وحرق الكتلة الحيوية، وفي المرتبة الاخيرة وبنسبة أقل من 1% تأتي الغازات المفلورة وتشمل مركبات الهيدروفلوروكربون، والمركبات المشبعة بالفلور وسداسي فلوريد الكبريت، وثلاثي فلوريد النيتروجين، وهذه الغازات الاصطناعية مستخدمة في التبريد وتكييف الهواء، وتطبيقات صناعية أخرى وانبعاثات غازات الدفيئة تؤدي إلى تغير المناخ وارتفاع درجات حرارة الجو، والظواهر الجوية المتطرفة، وارتفاع مستوى سطح البحر واضطرابات النظم البيئية، وتختلف الانبعاثات حسب القطاع والنشاط البشري، فإنتاج الطاقة يساهم بما يقرب من 25% من الانبعاثات والنقل بـ20% والصناعة بـ20% والزراعة بـ15% وإزالة الغابات بـ15% وإدارة النفايات بـ5% .
يجب علينا أن نتصالح مع الطبيعة فنعطيها أكثر مما نأخذ منها، وتبني نموذج زراعي جديد يلبي الطلب المتزايد على الغذاء بتكثيف الإنتاج الزراعي باعتماد أساليب زراعية ذكية
كشف تقرير عن معهد ماكينزي أن الحرب الروسية الأوكرانية خلال العامين الماضيين غيرت الحديث عن الطاقة المستدامة، ليشمل أمن الطاقة وتوفرها، والأسعار الصناعية التنافسية، فهناك خط رفيع بين أمن الطاقة اليوم وضمان كوكب صالح للعيش فيه غدا، لذلك يجب فحص صورة الطاقة المتغيرة، والرؤى حول التوجهات والمشاريع طويلة الأجل، التي ستشكل أنظمة الطاقة المستقبلية في العالم. من المتوقع أن يستمر الطلب العالمي على النفط في النمو حتى عام 2030 وبعدها يبدأ بالانخفاض ونسبة الانخفاض تعتمد على مدى الالتزامات المحققة من قبل الدول بخطط خفض الانبعاثات الكربونية، بحيث يمكن أن ينخفض استهلاك النفط للنصف في عام 2050، حيث ستساهم مصادر الطاقة المتجددة (الطاقة الشمسية والرياح) بنسبة 50% من توليد الطاقة العالمي. وتشير تقديرات الباحثين في معهد Resource for the Future (RFF) إلى أن ارتفاع درجات الحرارة سيكلف المجتمع الدولي ما يقرب من 918 تريليون دولار بحلول 2030، لكن إذا التزم المجتمع الدولي بتثبيت ارتفاع درجة الحرارة عند 1.5 درجة مئوية، سيتم تحقيق فوائد بقيمة 605 تريليونات حتى عام 2030، وهذا يعادل 6.8 تريليون دولار سنويا ويعادل هذا الرقم 2% من الناتج المحلي العالمي المتوقع بين عامي 2020 و2030.
إن إنتاج 1 كغ من الأرز يحتاج من 3 إلى 5 آلاف لتر من الماء، وحسب الخبراء ونتيجة التغير المناخي فإن إنتاجية الأراضي ستنخفض بـ15% في عام 2050 ويساهم النظام الغذائي العالمي والمكون من 100 مليون مزارع بالعالم بثلث الانبعاثات العالمية من غاز ثاني أكسيد الكربون CO2 وتستهلك الزراعة 70% من مجموع المياه المستهلكة عالميا. وقطاع الزراعة حيوي جدا، حيث يعتمد على الزراعة أكثر من 2.5 مليار شخص في قوت يومهم ويمثل هذا القطاع 35% من الوظائف العالمية.
إن تغير المناخ مرتبط أيضا بفقدان التنوع البيولوجي، وانخفاض إنتاجية المحاصيل وحرائق الغابات، واليوم يقدر العلماء أن النباتات (المصدر الأساسي للأوكسجين والطعام لنا) تموت أسرع بـ500 مرة مما كانت عليه قبل أن نسير على الأرض، وسيلقي مؤتمر COP28 المنعقد في الإمارات العرب،ية المتحدة الضوء على احتمالية تحقيق أهداف المناخ العالمية مع أن الخبراء يؤكدون أننا لسنا على المسار الصحيح، وهذا يتطلب جهودا وسياسات وتقنيات وتكنولوجيا أعمق وأكبر. تشير الدراسات إلى أن الصين هي المسؤول الأول عن انبعاثات غازات ثاني أكسيد الكربون (الذي يعتبر أهم غازات الدفيئة) بنسبة 30.9%، وفي المرتبة الثانية الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 13.5%، وتأتي الهند في المرتبة الثالثة بنسبة 7.3%. وتعتبر الخرسانة (الإسمنت) المادة الأكثر استخداما، وثاني أكثر المواد استخداما بعد الماء، ويعتمد البشر عليها، ولكن مع مساهمة إنتاج الإسمنت -الخرسانة بنسبة 7-8% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية، هناك حاجة إلى تغييرات كبيرة لجعل الصناعة مستدامة، وإزالة الكربون من هذا القطاع أمر بالغ الأهمية للحفاظ على ظاهرة الاحتباس الحراري.
تتمتع منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بـ25% من الطاقة الشمسية في العالم وبفضل هذه النعمة ومجموعة من المزايا الطبيعية والاستراتيجية يمكنها الاستثمار وضمان مزيج متنوع من الطاقة مع التكنولوجيا للوصول إلى صافي صفر انبعاثات، وتحقق الصدارة في مجال الطاقة الشمسية. ومن الأخبار الجميلة أن العالم بدأ يدرك الترابط الحيوي بين النمو والازدهار الاقتصادي، وحماية النظم البيئية التي نعتمد عليها جميعا. وهذه السياسات الإيجابية بإمكانها أن تساهم بـ10 تريليونات دولار وتخلق 395 مليون وظيفة على مستوى العالم، حسب التقارير الأخيرة لمنتدى الاقتصاد العالمي. وحسب ورقة بحثية نشرتها مجلة Nature، أن استعادة الغابات وحمايتها وتعافيها وحدها يمكن أن يلتقط ما يقرب من 226 جيجا طن من الكربون، وهذا ما يقرب من 23 عاما من الانبعاثات البشرية. يجب علينا أن نتصالح مع الطبيعة فنعطيها أكثر مما نأخذ منها، ويجب تبني نموذج زراعي جديد يلبي الطلب المتزايد على الغذاء بتكثيف الإنتاج الزراعي باعتماد أساليب زراعية ذكية تضمن زيادة غلة الهكتار الواحد في الأراضي المحولة أو المستصلحة بطريقة مستدامة، تعزز صحة التربة وتحافظ على المياه وتمنع المياه الملوثة من ملء البحيرات والجداول. قال المهاتما غاندي مرة «إن الأرض تكفي حاجات الإنسان وليس جشعه».
كاتب سوري