لندن – بيروت – «القدس العربي»ووكالات: يتابع لبنان الرسمي مسألة النازحين من الجنوب والضاحية والبقاع الذين تجاوز عددهم المليون، ووصف منسق لجنة الطوارئ الحكومية وزير البيئة ناصر ياسين هذا النزوح غير المسبوق بأنه «زلزال حقيقي يتعرض له لبنان»، قائلاً «نحن أمام حالة إنسانية ضخمة وحرجة حيث الاحتياجات كثيرة وتتطلب حوالى 427 مليون دولار».
وجاء كلام الوزير ياسين بعد اجتماع عقده رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في السراي الحكومي مع المنظمات التابعة للأمم المتحدة وسفراء الدول المانحة في إطار خطة الاستجابة الحكومية لأزمة النزوح الناتجة عن العدوان الاسرائيلي على لبنان، شارك فيه منسق الشؤون الإنسانية في لبنان عمران ريزا، ومكتب الامم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إضافة إلى وزراء.
في مستهل الاجتماع، قال الرئيس ميقاتي «نجتمع في الوقت الذي يواجه فيه لبنان واحدة من أخطر المحطات في تاريخه، حيث نزح حوالى مليون شخص من شعبنا بسبب الحرب المدمرة التي تشنها أسرائيل على لبنان. ونحن نعمل بشكل دؤوب بالتعاون مع المؤسسات التابعة للأمم المتحدة على تأمين الاحتياجات الأساسية للبنانيين النازحين، كما فعلنا خلال كل المراحل العصيبة التي مر بها لبنان». وثمّن «الدعم المتواصل الذي تقدمه الأمم المتحدة، ودعم الدول العربية الشقيقة وغيرها من الدول الصديقة». وأضاف «نوجه اليوم النداء بشكل عاجل لتقديم المزيد من الدعم لتعزيز جهودنا المستمرة في تقديم المساعدات لأساسية للمدنيين النازحين». وختم: «اناشدكم جميعاً الاستمرار في الوقوف إلى جانب لبنان، ومساعدتنا في حماية ابناء شعبنا بكرامة حتى يتمكنوا من العودة بأمان إلى منازلهم وبلداتهم».
منسّق لجنة الطوارئ يصف أزمة النزوح غير المسبوقة بـ«زلزال حقيقي»
بدوره، توجه رئيس مجلس النواب نبيه بري، بالتقدير لـ»الجهود التي تبذلها الحكومة في إطار تأمين الاحتياجات الضرورية لإغاثة وإيواء النازحين جراء العدوان الإسرائيلي على لبنان، على الرغم من الإمكانات المتواضعة والمتوافرة لديها»، داعياً الحكومة في هذا المجال «إلى القيام بجهد مضاعف وأكبر وهي قادرة على ذلك». وأكد «تبني النداء الذي وجهه الرئيس نجيب ميقاتي للدول المانحة والجهات الإغاثية المعنية»، مطالباً «الوزارات والهيئة العليا للإغاثة الاضطلاع بأدوارها من دون تلكؤ بوضع ما هو متوافر لديها من إمكانات لتأمين كافة مستلزمات الحياة الكريمة للنازحين إيواء وخدمات اجتماعية وصحية وطبية، لاسيما أننا على ابواب فصل الشتاء».
وجدد بري «شكره للدول العربية الشقيقة والدول الصديقة التي بادرت بإرسال المساعدات الفورية»، مطالباً «الأمم المتحدة بإنشاء جسر جوي يؤمن إيصال المواد الإغاثية ويكسر الحصار الجوي المفروض إسرائيلياً على لبنان». وتوجه «بتحية شكر وتقدير إلى اللبنانيين، كل اللبنانيين وللقوى السياسية والروحية والجمعيات الاهلية كافة، في مختلف المناطق على مبادرتهم لاستضافة أهلنا النازحين من الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت الذين أخرجهم العدوان الاسرائيلي وآلته التدميرية من ديارهم بغير حق»، مقدراً «للنازحين صبرهم على عظيم معاناتهم وتضحياتهم»، ومناشداً إياهم «بتجنب أي تعد على الأملاك الخاصة تحت أي ظرف من الظروف». وختم مطالباً «الصليب الأحمر الدولي واللبناني القيام بواجباتهما لإيصال الإمدادات الغذائية والطبية إلى اللبنانيين في الجنوب».
المبيت في خيمة على الشاطئ
وحيث بدأت إسرائيل تنفيذ ضربات جوية هذا الأسبوع، زينة نزهة وابنتها الصغيرة إلى المبيت في خيمة على شاطئ في المدينة التماسا للأمان من الحرب في لبنان.
وتنام هي وبعض الأشخاص الآخرين من الضاحية الجنوبية، معقل «حزب الله» عدو إسرائيل المدعوم من إيران، على أغطية إما في العراء أو في خيام وغيرها من الملاجئ المؤقتة دون مكان أكثر أماناً يلوذون به.
وقالت الحكومة اللبنانية إن تصعيد إسرائيل لحملتها العسكرية في لبنان الأسبوعين الماضيين أدى إلى نزوح مليون شخص من منازلهم في الجنوب وبيروت وسهل البقاع في الشرق. وتقول إسرائيل إن حملتها ضرورية لجعل مناطقها الشمالية آمنة من نيران صواريخ «حزب الله» والسماح لآلاف من مواطنيها بالعودة إلى ديارهم. وقالت زينة إن قصفا وقع في حي السلم وإنها مكثت لفترة هناك ثم فرت هي وعائلتها. وأضافت أن الوضع الذي يعيشونه صعب جداً.
هل تتحول الحرب إلى «أبدية»؟
وقال فواز جرجس أستاذ العلاقات الدولية بمدرسة لندن للاقتصاد في مقال نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» بأن حالة الجذل الفورية التي انتشرت بين الإسرائيليين بعد الغارة الجوية التي قتلت الأمين العام «لحزب الله»، حسن نصر الله يوم الجمعة كانت سابقة لأوانها، ويهدد التصعيد الإسرائيلي الدراماتيكي ضد حزب الله، الجماعة التي تدعمها إيران بتوريط إسرائيل والولايات المتحدة بحرب لا نهاية لها، وهي نتيجة لن تجلب السلام والاستقرار لإسرائيل أو الشرق الأوسط.
ولا شك أن «حزب الله» تلقى ضربات موجعة في الأشهر الماضية، فقد قتلت إسرائيل أربعة من قادته البارزين بمن فيهم نصر الله، إلى جانب العملية التي خطط لها بعناية لتفجير أجهزة بيجر وتوكي ووكي والتي استهدفت عناصر الحزب الشهر الماضي، إلا أن إزالة التهديد الذي يمثله «حزب الل»ه على إسرائيل لا يمكن أن يتحقق عبر الوسائل العسكرية وحدها.
هل تتحول حرب إسرائيل في لبنان إلى «أبدية» بمساعدة أمريكية؟
وبعيداً عن هدف رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو المعلن للعملية الحالية، أي إعادة 60,000 إسرائيلي نزحوا من الشمال، فلن تؤدي هذه التحركات العسكرية إلا لتقوية عزيمة عناصر الحزب في لبنان وخارجه. ومهما كان الشعور بالرضا الذي قد يشعر به أولئك الذين يريدون تدمير «حزب الله» بعد اغتيال نصر الله، فمن غير المرجح أن يؤدي غيابه إلى شل الجماعة لفترة طويلة. فقد قتلت إسرائيل سلفه، عباس الموسوي، في عام 1992، والقائد الكبير عماد مغنية في عام 2008. ولم ينج الحزب فحسب، بل ازدادت قوته وقدراته.
ومن الصعب أن نفهم لماذا سيكون الأمر مختلفاً هذه المرة. وربما يكون الرجل الثاني بعد نصر الله، هاشم صفي الدين، وهو ابن خالته الذي شاركه رؤيته للعالم، قد أصبح الزعيم الفعلي والجديد للمنظمة.
ويرى جرجس أن إسرائيل أساءت وأكثر من مرة تقدير عقيدة حزب الله والتضامن الاجتماعي والبيئة الحاضنة له وكذا إرادته السياسية وعزيمته. فحزب الله منظمة متجذرة في النسيج الاجتماعي والسياسي في لبنان. وقد أنشأ نظام رعاية اجتماعي واسعاً يوفر الغذاء والخدمات للمجتمعات في جميع أنحاء لبنان. ولديه 13 نائباً منتخباً في البرلمان وحلفاء أقوياء في قوات الأمن في البلاد. كما أن إيديولوجيه التي يهيمن عليها الشيعة مشبعة بفكرة الدفاع عن المظلوم والتضحية والاستشهاد، مما يحميها من الخسارة والإحباط. ومنذ تأسيسه في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، صمد في وجه خسارة ليس فقط قادته الكبار ولكن آلافاً من المقاتلين والعناصر.
ويقول إن الولايات المتحدة تعلمت من تجربتها في العراق وأفغانستان أنه من الصعب القضاء على تمرد ملتزم أو مقاومة مكرسة للقتال. وحزب الله، والحالة هذه، قادر باعتباره منظمة شبه عسكرية غير تابعة لدولة، على الاستمرار واستخدام الحرب غير المتكافئة لصالحه وشن حرب عصابات مستمرة تمنع إسرائيل من إعادة سكان الشمال سالمين.