أدرك السوريون على مرّ السنين الصعبة الأخيرة أن ليس كل من وقف إلى جانب ثورتهم كان فعلاً يريد مثلهم العدل والكرامة والحرية. لقد أُثبت ذلك مراراً، ومن بين أكثر المثابرين على الإثبات المذيع اللبناني نديم قطيش، فقد كان صادماً في مقابلة له على شاشة لبنانية حين قدم المبررات لانتهاكات ارتكبها الجيش اللبناني بحق اللاجئين السوريين في لبنان، وصلت إلى حد الموت تحت التعذيب في سجونه، تماماً كما يحدث في معتقلات النظام السوري. قطيش سوّغ الإهانات وعنف الجيش، واستخف بالناشطين كما لا يمكن أن يفعل إعلامي وناشط في سبيل العدل وحرية التعبير.
وفي مسلسله الأخير عن اختفاء خاشقجي يثابر قطيش على «تفكيك» مزاعم كل صحف وقنوات العالم التي تتحدث عن جريمة الإخفاء والقتل، بالسخرية و»التقفيل» والكلام الفارغ والانطباعات المكرورة والسمجة. مع ذلك ليس بالوسع إلا أن نقول إن من حقه تماماً أن يفكك، أن يحلّل ويدحض، ويذهب في السماجة إلى أي حد يريد. لكن، ليحاول مرة فقط التضامن مع زميل صحافي تعرض للإخفاء القسري (على الأقل). هل بإمكانه أن يحض على السؤال والبحث؟ هل يجرؤ؟
لن نتعب أنفسنا في البحث عن أجوبة، لا شيء يزحزح قطيش عن مثابرته تلك. لقد أثبت في الحلقة الأخيرة من «دي ان اي»، الذي يبث على قناة «العربية»، أنه حسم خياره إلى جانب الطاغية. بدا كما لو أنه يهتف «الأسد، أو نحرق البلد».
حاول قطيش أن يختم الحلقة، التي حملت عنوان «قضية خاشقجي..التسريبات تُسابق التحقيق»، بعبارة ألمعية هي الخلاصة: «الاستمرار بالتسريبات يعني شيئاً واحداً: العنوان جمال خاشقجي، الهدف محمد بن سلمان». بعدها وضعَ مسافة صمت، ثم تابع يهتف: «كان وسيظل».
أراد المذيع أن يقول إن الهدف (هدف المؤامرة العالمية طبعاً) كان محمد بن سلمان. لكنه أيضاً أراد أن يبقى لختام خطابه صدى يذهب إلى الأبد عندما قال: «وسيظل».
من دون شك -وهذه على التضاد من «ربما»- أن القتل لم يكن ممكناً في هذه الجهة من الأرض، وفي كل جهة، لو لم يكن هنالك صحافيون وإعلاميون منافقون متواطئون وممهدون للقتلة.
«داعش الوطن»
في مقابلة إذاعية معه لم يترك الفنان السوري بسام كوسا فساداً في البلاد إلا وأتى على ذكره، من فساد «نقابة الفنانين، إلى «المؤسسة العامة للسينما»، وصولاً إلى أفلامها، التي «لا بد من رفع القبعة لها في كل الأحوال، لأنها تنتج في ظروف الحرب»، كما يقول، ذلك رغم إقراره أن الفساد ليس وليد الحرب فقط.
يتساءل الفنان من أين يأتي كل هذا الفساد إذا كان الكل يتحدث عنه وينكره. ثم يصل للحديث عن «داعش الوطن»، ذاك الذي يرمي بوجهك «كلمة هالقد عن الوطن ويسكتك»، «ماذا نقول له، هو الذي يسرق قوتك وقوت أهلك وبلدك وبيتك وشوارعك وناسك ومدرستك باسم الوطن».
يقول كوسا عبارته الأخيرة ثم يستدرك ضاحكاً: «ما بعرف إذا راح نرجع عالبيت هلق». ولعله يقصد أن هؤلاء اللصوص، من «دواعش الوطن»، الذي سرقوا كل تلك الأشياء، قد لا يسمحون له بالعودة إلى البيت، والعبارة غالباً ما تلمح إلى أجهزة الأمن السورية التي تترصد السوريين على كلمة. لا يمكن أن يقصد كوسا أحداً غيرهم ما دام يعيش في مناطق سيطرة النظام، هناك حيث لا سيطرة لتاجر أو مسلح خارج عن القانون.
حديث كوسا يبدو مطابقاً لعدد لا يحصى من نقاشات الممانعين ومؤيدي النظام، الذي يدافعون بلا هوادة عن النظام، باعتباره الوطن، وباعتباره دولة المؤسسات، ومن ثم لا يترددون في إعلان خوفهم من أجهزة أمنه!
أي نظام ذاك الذي تدافع عنه إذاً، حين تخشى أن لا يسمح لك بالعودة إلى البيت بسبب كلمتين عن الفساد! هل نغامر بالاستنتاج إن دفاعك عنه ما هو إلا بسبب ذلك الخوف بالذات؟
مقاتلون مسيحيون على تخوم إدلب
فيديو لـ «بي بي سي» يحمل عنوان «لماذا أقاتل في صفوف القوات السورية» يفرد مساحة لمقاتل يصفه بـ «مسيحي سوري من بلدة سقيلبية يقاتل ضمن صفوف قوات الدفاع الوطني»، سنرى فيه شموعاً وفضاء كنسياً وملصقات لمقاتلين بأسماء مسيحية قضوا في «الدفاع الوطني».
الفيديو يقول إن المقاتل يقود مجموعة من المتطوعين على تخوم إدلب ضد مقاتلي «النصرة التي تنتهج فكر القاعدة».
سيبدو للمشاهد أن الجهة الأخرى، بملايينها الأربعة، كلها «تنتهج فكر القاعدة»، فيما هذه الجهة ليس فيها سوى ضوء الشموع الخافت (شموع المحبة والسلام على ما يقول المقاتل)، ووجه المقاتل النحيل، الذي يبدو أن صورته اختيرت بعناية ليلعب دور المسيح لا دور مقاتل، وهو فوق ذلك يروح يتحدث كيف «زرعوا الشر في بلد الخير، بلد الأنبياء».
بالمناسبة، ماذا لو أظهر فيديو مقاتلاً مسلماً (من دون أن يكون متحزباً لفصيل إسلامي) يصلي صلاته بورع الشموع ذاته، وكرر عبارة المقاتل المسيحي نفسها حرفياً «هم زرعوا (يقصد حكومات الغرب كجزء من مؤامرة تدمير سوريا، أوروبا، بريطانيا،..) في بلد الخير، في بلد الأنبياء، وسيحصدون ما زرعوا عن قريب في دولهم»! هل كانت «بي بي سي» ستترك الفيديو يمرّ على هذا النحو؟ أم سيصبح الفيديو حينها ترويجاً لـ «فكر القاعدة»!
كنت من أشد متابعي ومعجبي DNA منذ قيامه وقد احتقرته للمرة الأولى حينما وقف مع الإنقلابيين الأتراك ضد أردوغان إكراماً لسيده (الممول) ثم سقط للأبد حينما نسي موضوع صحافي محترم فُقد في قنصلية بلاده وتذكر الإعلام المضاد الذي أفرغ مساحات واسعة لمتابعة الحدث وتتداعياته.
شكراً أخي راشد. في البداية رحم الله جمال خاشقجي شهيد الحرية والكلمة.
يبدو أن بسام كوسا هو بوق من نوع جديد للنظام!.
أما مايقوله المقاتل “المسيحي” ضمن صفوف قوات الدفاع الوطن, فقد قاله من قبل مفتي البلاد والعباد أو بالأحرى مفتي النظام حسون ولكن أصبح طي النسيان لأن الكلام شيء ومايقصده النظام شيء آخر طبعاً. وهنا دور ال ب ب س واضح. لكن حقيقة أتذكر هنا عندما كنا طلاب في الثانوية, حيث كنا مجبرين أن نستمع إلى الخطابات الوطنية التي سترفع وعينا إلى اعلى مستوى لها. كان عندها يهمس احد الزملاء “اسمعوا وعوا” فيهمس آخر “عووو” ونضحك بهدوء بينما أصوات مكبرات الصوت تعج وتضج في الساحة.
كرسي الوظيفة (الضريبة والتمثيل… سقوط قناع الدولة الراعية)، وصول دلوعة أمه (دونالد ترامب) لرئاسة أمريكا في نهاية عام 2016، بواسطة الانتخابات، أثبت فشل نظام الانتخابات لإيصال الرجل المناسب للمكان المناسب، وجميع التعيينات بعد ذلك على أساس الولاء الحزبي يمثل التمثيل العملي للواسطة والمحسوبية والرشوة، بداية من لغة الجسد، بسبب الاختلاط ما بين الرجل والمرأة في العمل على أي مهنة، فالإنسان في أداء أي وظيفة، ليس آلة أو حيوان، لكي تقوم ببرمجته لغويا، لتحسين أداءه فيقوم بزيادة الإنتاج، والدليل العملي على ذلك، ما حصل من هزيمة للدول العربية في 5/6/1967 أو إفلاس دبي والنظام المصرفي للديون الربوية والتأمين عليها في عام 2008 ومن هذه الزاوية، هل نلوم النخب الحاكمة في دول مجلس التعاون في الخليج العربي أو الصين عندما تعتمد على الآلة (الروبوت) بدل الإنسان في حوكمة الحكومة الإليكترونية وتقييم الإنسان والأسرة والشركة، إن كانت تتبع القطاع الخاص أو العام، ومدى التزامه قانونيا في الدولة، عندما قامت بتجنيس أول روبوت في نهاية عام 2017 في السعودية أو تعيين أول رجل أمن أو أول طبيب آلة (روبوت) في بداية عام 2016 في دولة الإمارات العربية المتحدة،
ولكن الإشكالية هنا، عملية تعيين الروبوت بدل الإنسان، يؤدي إلى أن شبح الإفلاس سيطارد أي دولة تعتمد على الضريبة والرسوم والجمارك لتمويل ميزانية الدولة في تقديم أبسط الخدمات من لم الزبالة أو إيصال الماء الصالح للغسل والشرب والكهرباء للبيت، والمواصلات وطرق النقل العامة لتكوين أي اقتصاد في الدولة، ومن هنا أهمية مشروع صالح التايواني، فهو يمثل الجيل الثاني من تكامل مشروع القدوة السنغافوري والفاتح التركي، كي لا يحل الروبوت بدل الإنسان في حوكمة الحكومة الإليكترونية من أتمتة الوظيفة في القطاع العام، ببساطة لأن الإنسان يدفع ضرائب ورسوم وجمارك لتغطية ما تحتاجه الدولة من ميزانية لتوفير الخدمات في الدولة.
الإعلامي نديم قطيش يقوم بدور مهم في دحض خطاب محور المتاجرة بفلسطين و المقاومة