هذه قصيدة أرسلها لي نزار قباني من مدريد لنشرها في مجلة (الأسبوع العربي) وكان ذلك عام 1965 أي حين غادرت دمشق وانتسبت إلى الجامعة الأمريكية في بيروت للماجستير، وعملت في الوقت ذاته ككاتبة عمود في تلك المجلة. ولا أعتقد أن هذه الرسائل من نزار إلى أمه منشورة في أي من كتبه، ولعلها كانت ستضيع لو لم أحتفظ بها طوال أربعة عقود ونصف، فأنا عاجزة عن تمزيق الكلمات المبدعة مهما أضحت حقائبي ثقيلة في ترحالي من دمشق إلى بيروت إلى لندن فروما وجنيف فباريس وسواها. وحين شبت الحرب الأهلية اللبنانية هربت بالكثير من أوراقي، فقد كان بيتي يقع في ساحة الحرب، وكنت أنتهز فترات الهدنة لأهرب بها إلى بيوت الأصدقاء الآمنة في أحياء بعيدة عن «خطوط التماس»!
نزار: خمس رسائل إلى أمي
أعرف جيداً والدة نزار العمة فايزة التي كتب لها هذه الرسائل القصائد، ولعلها أميّة كصديقتها جدتي، وبالتالي لم تقرأها، لكنها لها!
وأبدأ برسالته الأولى إلى أمه، وفيها يقول:
صباح الخير يا حلوة
صباح الخير يا قديستي الحلوة
مضى عامان يا أمي
على الولد الذي أبحر
برحلته الخرافية
وخبأ في حقائبه
صباح بلاده الأخضر
وأنجمها.. وأنهرها.. وكل شقيقها الأحمر
وخبأ في ملابسه
طرابيناً من النعناع والزعتر
وليلكة دمشقية..
الرسالة الثانية إلى أمه:
أنا وحدي
دخان سجائري يضجر
ومني مقعدي يضجر
وأحزاني عصافير
تفتش ـ بعد ـ عن بيدر
عرفت نساء أوروبّا
عرفت عواطف الإسمنت والخشب
عرفت حضارة التعب
وطفت الهند، طفت السند،
طفت العالم الأصفر
ولم أعثر على امرأة
تمشط شعري الأشقر
وتحمل في حقيبتها
إليّ «عرائس السكر»
وتكسوني إذا أعرى
وتنشلني إذا أعثر
أيا أمي.. أيا أمي
أنا الولد الذي أبحر
وما زالت بخاطره تعيش (عروسة السكر)
فكيف.. فيكف يا أمي
غدوت أباً.. ولم أكبر..
حنين إلى والده الشامي العتيق
في رسالته الثالثة من مدريد إلى والدته، يكتب في رسالة تشي بوحشته:
صباح الخير من مدريد، ما أخبارها الفلة؟
بها أوصيك يا أماه، تلك الطفلة الطفلة
فقد كانت أحب حبيبة لأبي
يدللها كطفلته..
ويدعوها إلى فنجان قهوته..
ويسقيها..
ويطعمها..
ويغمرها برحمته..
ومات أبي
وما زالت تعيش بحلم عودته
وتبحث في أرجاء غرفته
وتسأل عن عباءته
وتسأل عن جريدته
وتسأل ـ حين يأتي الصيف ـ عن فيروز عينيه
لتنشر فوق كفيه
دنانيراً من الذهب..
من البيت الدمشقي القديم إلى «ساحة النجمة»
كنا جيراناً في الشام القديمة، وتصادف أن انتقلت أسرتنا من أحياء دمشق القديمة قرب الجامع الأموي إلى دمشق (العصرية)، وعدنا جيراناً في «ساحة النجمة».
وها هو نزار يذكر «ساحة النجمة» في رسالته الرابعة الرائعة إلى أمه، وجاء فيها:
سلامات.. سلامات
إلى بيت سقانا الحب والرحمة
إلى أزهارك البيضاء.. فرحة (ساحة النجمة)
إلى تختي، إلى كتبي، إلى أطفال حارتنا
وحيطان ملأناها بفوضى من كتابتنا
إلى قطط كسولات تنام على مشارقنا
وليلكة معرشة على شباك جارتنا..
مضى عامان يا أمي
ووجه دمشق عصفور يخربش في جوانحنا
يعض على ستائرنا
وينقرنا ـ برفق من أصابعنا
مضى عامان يا أمي..
وليل دمشق
فل دمشق
دور دمشق
تسكن في خواطرنا
كأن مآذن الأموي قد زرعت بداخلنا
كأن مشاتل التفاح تعبق في ضمائرنا
كأن الضوء والأحجار
جاءت كلها معنا..
طفل في أعماق كل كاتب مبدع
نعم، ثمة رسالة خامسة لا يتسع المجال لنشرها اليوم، بل في الأسبوع المقبل. وهي تسيل حنيناً إلى دمشق كما حال كل (شامي) غادر تلك المدينة المسحورة ولم يعد إلا إلى المقبرة، كما حدث لنزار.
من طرفي، حتى كشامية عتيقة، أحن أيضاً إلى مدينة أمي: اللاذقية السورية البحرية.
ولكن لعنة الغربة تصيب، فيما يبدو، كل من يغادر وطنه الأم حتى إلى وطن عربي آخر كلبنان، وهو ما فعلته، وهو ما فعله نزار بعد غربة طالت بين مدريد وبلاد الهند والسند. ورسائل نزار إلى أمه قصائد تنزف حنيناً، ولعل كل من شرب من مياه نبع (الفيجة)؛ أي المياه التي كانت تتدفق من صنابير البيوت الشامية.. لا يستطيع الشفاء من جرثومة الحنين إلى الشام.. وهو ما يجسده نزار قباني في رسالته الخامسة من مدريد إلى أمه.
ونسيت أن أقول لكم إن مجلة «الأسبوع العربي» حين نشرت رسائل نزار إلى أمه كما أعطيتها لها، نشرت صورة له وصار عمرها أكثر من 45 سنة، وله فيها شارب شامي وتميل في الصورة طفولة من عينيه لمن تساءل ببراءة في إحدى قصائده/الرسائل إلى أمه:
فكيف ـ فكيف يا أمي
غدوت أباً ولم أكبر..
أتساءل: ترى هل يكبر الشعراء، أم أنهم يكفون عن الإبداع حين (يكبرون) ويموت الطفل في أعماقهم؟
القصيدة بالنسبة لي أن تكون بالقافية!
أما غير ذلك فتكون نثراً وليس شعراً!! ولا حول ولا قوة الا بالله
القصيدة هي إحساس بريئ يتدفق لحظة ولادتها مثلما تتدفق قطرات دم المولود بعد قطع الحبل السري ، وقافية الشعر الحديث الذي سميته “نثرا ” هكذا عبثا ، لا يستوعب إيقاعها ويتدوق جرسها الموسيقي المتدفق عبر الكلمة والصوت إلا الشعراء أنفسهم ومريدهم ممن عانوا لكي يعيشوا لحظات النشوة الشعرية مع السياب وعبدالوهاب البياتي وخليل الحاوي وأدونيس ومحمود درويش وبنيس والمعداوي وعبدالمعطي حجازي وأحمد مطر ونزار القباني وغيرهم ، ومادام صوت الحرف العربي له قيمة إيقاعية رمزية والكلمة العربية لها وقع على الأذن
ده انت عليك حاجات ي سي كروي !!!! ده انت دقة قديمة ؟؟؟؟
يقول جورج صيدح في دمشق :
دمشق ان قلت شعرا فيك ردده ……قلب كأن خفوق القلب أوزان
أنا وليدك يا أماه كم ملكت ……. ذكراك نفسي وكم ناداك وجدان
منذ افترقنا نعيم العيش فارقني…….. و الهم و الغم اشكال و الوان
دمشق ان أشجت الاوطان مغتربا ……اني لاوجع من أشجته أوطان
– من النت –
هدية من الكروي داود لسيدة الأدب العربي, ولا حول ولا قوة الا بالله
دمشق هي عاصمة سوريا وتعتبرُ واحدة من أقدمِ مدن العالم التي تعاقبت على حكمها العديد من الحضارات البشرية، أمّا لقبُ مدينة الياسمين فهو مسمّى أُطلقَ على مدينةِ دمشق؛ بسبب انتشار أشجار الياسمين في أحيائها، ومناطقها فأصبحت رائحةُ الياسمين جُزءاً من هوائها، أما اسم دمشق فهو يعودُ إلى عصور ما قبل الميلاد؛ إذ كانت تُعرفُ باسم داماسكي، وفي العهدِ الآرامي تحول اسمها إلى ديماشقو واستمر استخدام هذا الاسمُ حتى الفتح الإسلامي لبلاد الشام، فتم اشتقاق الاسم العربي للمدينةِ من اسمها الآرامي لتعرف منذُ ذلك الوقت باسم دمشق.
– عن موقع موضوع –
أرى الطفلَ مُقتبساً رُوحَــهُ
لأبـدأَ أوَّلَ تـــلكَ الدُّروبِ
فيفرشُ دربيَ بالياســــمينِ
تفوحُ به عاطراتُ الطيوبِ
فأجهلُ كلَّ الذي خبَّأتْ
يدُ الغيبِ ليْ من خفايا الخطوبِ
بريءٌ، وأفعلُ ما أشــتهي
ملاك، وأجهلُ معنى الذنوبِ
إلى الآن ما سجَّل الكاتبانِ
عليَّ خطى مخطئٍ أو مُصيبِ
وأمَّا كبــــرتُ ولاحَ الحجى
يهيئُ لي مُزعجـــاتِ الكُروبِ
هربتُ من العقلِ فعلَ الجبانِ
فما منقذٌ ليَ غيـــرَ الهروبِ
وعاودتُ مُقتبساً روحَ طفـلٍ
وعــدتُ لأبدأَ أولى الدُّروبِ
– للشاعر العراقي أحمد الصافي –
الكاتبة غادة السمان
اثابكم الله أثارت فيّ خاتمة المقال وسؤالك هل يكبر الشعراء ؟مشاعر الحنين لذكريات من مرآة الطفولة العذبةصغتها شعرا ما زالت تصهل في ثنايا الذاكرة
يا عمري الأبيض الوضّاءدمت هدى
ماضاق قلب بكى لله أو سجدا
قيثارة الشعر نبض العبقرية من
لآليءالتاج في العقل الفصيح صدى
أناهوالطفل فالإبداع خلّدني
حتى المشيب على ما شبّ وانعقدا
– [ ] وفاء من السيدة الايقونة لنشرها رسائل نادرة للشاعر الكبير نزار قباني ، والرائع بان هذه الرسائل توازيها ذكريات دمشقية تسردها الاستاذة غادة السمان باسلوبها الذي يزهر من خلاله الياسمين الشامي .. والجميل في الرسائل تلك البساطه في اللغة ، ومن طرفي أحسست بانها صيغت على قالب موسيقي حتى خيل إلي بانها كلمات أغنية مهداة لوالدته ، وظني بانه أوصى ان تلقى على مسامع السيدة والدته كنشيد أو على هيئة أغنية شامية عتيقة .
اتطلع بلهفة إلى مطالعة الرسالة الدمشقية ..
اما الطفل الصغير الذي يسكن الاعماق فأظنه ينبض بالحيوية حتى أخر لحظة في الحياة .
تحياتي
نجم الدراجي – بغداد
في كتاب “ قصتي مع الشعر “ للراحل الشاعر نزار قباني يقول فيه عن أمه : كانت امي تحب الله ، والفل الدمشقي . وكانت ينبوع عاطفة يعطي بغير حساب ، و كانت تعتبره ولدها المفضل ، وتلبي مطالبه الطفولية بلا شكوى او تذمر . و حتى عندما كبر ، بقي في عينيها دائما الطفل الضعيف القاصر . وعندما التحق بالسلك الدبلوماسي وسافر الى عدة قارات ، كانت تقلق على أكله وشرابه ونظافة ملابسه وترسل له طرود الأطعمة الدمشقية الى السفارات التي كان يعمل بها .
أما على الصعيد الفكري فيقول ، أنه لم يكن بينه وبين أمه أية نقاط التقاء ، حيث كانت مشغولة في عبادتها ، وسجادة صلاتها وصومها ، فكانت أمه ماء ، وكان أباه الثائر ناراً ، وأنه كان بطبيعة تركيبته ، يُفضل نار أباه على ماء أمه .
أفانين كبة – كندا
القصيدة منشورة في احد مجموعات نزار قباني الشعرية..
أختي الكريمة، ست الشام الحبيبة
أولا أود أن أشرح لبعض قرائك الذين ربما لا يعرفون ما معنى ” عروسة السكر” ربما يختلط عليهم المعنى بامرأة عروس. و”عروس السكر” هي لفافة من الخبز والزبدة والسكر كانت أمهاتنا تصنعها لنا عندما كنا صغارا، أو عروس الزيت والصعتر، وكنا نعشق هذه العرائس اللذيذة. يتبع.. لطفا
اختي الكريمة، ست الشام الحبيبة
كنت اعمل كرئيس تحرير في قناة عربية في بلد لا يحب نزار، ولا أشعار نزار، وكنت قد التقيت شاعرنا عدة مرات بعد أن قرأت دواوينه كاملة وحفظت منها ما حفظت، وأجريت له حديثا لإذاعة الشرق في باريس، وكتب مرة في مجلة معارضة كنا نصدرها هناك. عندما وقع خبر وفاته، بكيت وكأن كائنا عزيزا علي رحل. وكانت نشرة الأخبار جميعها على الشاعر بعنوان عريض: رحيل الشاعر الكبير نزار قباني. وعندما بثت النشرة جاءني المدير يحتج. قال: تغفل خبر ” رئيس الدولة لتضع خبر وفاة هذا التافه” قلت: هذا “التافه” يرحل مئات الرؤساء وهو لا يرحل، كالمتنبي بشعره خلد اثنين سيف الدولة الذي مدحه، وكافور الذي هجاه. وكان ذلك آخر يوم عملت فيه في هذه القناة.
سيدتي الكريمة لك ولكل زوارك اجمل تحية
أخي سوري هذه القصة بالفعل نادرة وكم أتمنى أن أعرف أين حدثت.