نساء العراق يواجهن انتقادات الصدر لـ«الاختلاط» بتظاهرات حاشدة

مشرق ريسان
حجم الخط
0

بغداد ـ «القدس العربي»:شهدت العاصمة العراقية بغداد، أمس الخميس، وعدد من محافظات الوسط والجنوب، أبرزها بابل وذي قار، تظاهرات نسوية حاشدة تحدياً لموقف زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الرافض لـ«الاختلاط» في ساحات الاحتجاج، وتعبيراً عن دعم نساء العراق للتظاهرات الاحتجاجية وتسويف مطالب المتظاهرين.
ووفق ما أكدت مصادر لـ«القدس العربي» فإن «مئات النسوة خرجن في تظاهرة حاشدة انطلقت من شارع السعدون باتجاه نفق ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد»، مبينة أن «المشاركات في التظاهرة نددن بأعمال القمّع التي يتعرض لها الناشطون والمحتجون السلميون، بالإضافة إلى التنديد بتسويف مطالب المحتجين، والتأكيد على دعمهن للحراك الاحتجاجي».
ووفق المصادر، فإن «النسوّة توشحن بالألوان البنفسجية والوردية والحمراء، تلبية لدعوة كان قد أطلقها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، كردٍ على موقف الصدر الرافض للاختلاط بين الذكور والإناث في ساحات الاحتجاج».
وفي بابل، شهدت ساحة تظاهرات مشاركة واسعة للنساء، بعدما توافدت العشرات منهن إلى ساحة الاعتصام الرئيسية في المحافظة، والمشاركة في مسيرة للتأكيد على دور المرأة في التظاهرات.
كما امتلأت ساحة الحبوبي وسط مدينة الناصرية، بجموع نسوية غفيرة، استجابة لنداء ناشطات العاصمة بغداد، بالخروج في تظاهرة موحدة. ورددن هتافات تُندد بقمع الاحتجاجات الشعبية، وأكدن أن التظاهرات مستمرة لحين تلبية مطالب المتظاهرين الشرعية.
وردّاً على تلك التظاهرات، دعا صالح محمد العراقي، الناطق بلسان زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، للخروج بتظاهرة موحدة سلمية نسوية بعد صلاة الجمعة المقبلة.
وتعمّق الخلاف بين الصدر وأتباعه من جهة، وبين المتظاهرين المدنيين السلميين، على خلفية سيطرة الصدريين و«أصحاب القبعات الزرق» على ساحة التحرير ومبنى المطعم التركي، وفرضهم إجراءات قمعية طاولت جميع المختلفين معهم في الرأي والموقف من الحكومة التي يدعمها الصدر أو من الحراك الاحتجاجي.
وبدأ أتباع الصدر مؤخراً بـ«التهديد المباشر» لجميع من «يتطاول على آل الصدر»، سواء في ساحات الاحتجاج أو في مواقع التواصل الاجتماعي، حسبما أخبر ناشطون «القدس العربي».
وروى أحد المتظاهرين ويدعى أحمد، ويسكن في منطقة مدينة الصدر، شرقي العاصمة، لـ«القدس العربي» قائلاً: «أنا وأخوتي ووالدي من المشاركين في تظاهرات تشرين الأول/ أكتوبر منذ انطلاقها»، مبيناً أن «بعد سيطرة الصدريين على الساحة، وقيامهم بالتجاوز على الطلبة المتظاهرين والناشطين بالكلام أو الضرب أو باستعمال الأدوات الجارحة، صرنا ننتقد تلك الإجراءات من خلال منشوراتنا في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك».
وأضاف أحمد الذي يقطن في مدينة تعدّ معقل التيار الصدري في بغداد، إن «أخي الكبير ينتقد الصدر علناً في منشوراته، الأمر الذي يؤدي في كل الأحيان إلى مشاجرات مع أتباع الصدر لا تبتعد عن مواقع التواصل الاجتماعي».

تهديد مباشر

لكنه أشار إلى أن «الأمر أصبح مختلفاً، عندما بدأت جماعات نعرفها من الصدريين بتهديدنا بشكل مباشر، ومطالبتنا بالكف عن الإساءة للصدر»، لافتاً إلى أن «منطقتنا (مدينة الصدر- الثورة سابقاً) مليئة بالصدريين، ونعرفهم جيداً كوننا من أهالي المنطقة ونعيش فيها منذ زمن بعيد».
وتابع: «عادة ما تنتهي بمشاجرة كلامية بيننا أنا وأخوتي وبين الصدريين، لكن والدي يحثنا دائماً على تجنبهم»، لافتاً إلى أن «في حال انتهت الثورة وحُسمت لصالح أحزاب السلطة، سيتم قمعنا بشكلٍ مُمنهج. لن يسلم حتى من أُعجب بالمنشور، لذلك لن نستسلم ولن نترك ساحة التحرير»، على حدّ قوله.
يأتي ذلك بالتزامن مع توجيه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، أمس الخميس، نصيحة لمن وصفهم «دواعش التمدّن والتحرر»، مؤكداً عدم وقوفه «مقيداً وساكتاً عن الإساءة للدين والعقيدة والوطن».
وقال، في «تغريدة» له، «بالأمس تعالت أصوات التشدد والقتل وحر الرقاب والتفخيخ بإسم الدين، واليوم تتعالى أصوات التحرر والتعري والاختلاط والثمالة والفسق والفجور، بل والكفر والتعدي على الذات الإلهية وإسقاط الأسس الشرعية والأديان السماوية والتعدي على الأنبياء والمرسلين والمعصومين صلوات الله عليهم أجمعين»، مبينا «ذكرني ذلك بشعارهم القديم بما معناه: إنهم لا يريدون (قندهار) بل يريدون (شيكاغو)». في إشارة إلى تظاهرات مدنية خرجت في 2011 احتجاجاً على قرار بإغلاق محال بيع الخمور، حمّلت شعار حينها «بغداد لن تكون قندهار».
وأضاف: «نحن اليوم ملزمون بعدم جعل العراق قندهارة للتشدد الديني ولا شيكاغو للتحرر والانفلات الأخلاقي والشذوذ الجنسي للفجور والسفاح والمثليين»، مشيراً إلى أن «كلا الطرفين عبارة عن مرضى لم يسلم عقلهم وقلبهم من الأمراض كما قال تعالى: (في قلوبهم مرض فزادهم الله ممرضأ ولهم عذاب ألية بما كانوا يكذبون)».
وشدد على ضرورة «الدفاع بكل ما أوتينا من علم وإيمان وأخلاق وقوة عن ديننا وعقيدتنا وثوابتنا ومنهجنا الذي تربينا عليها، فلا نكون من عبدة الأصنام التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وأن لا نكون أتباع الشهوة والتسلط وعشق القتل والدماء وأن لا نكون عبدة للشهوة والملذات والغرب الكافر».

خرجن في بغداد والناصرية وبابل وذي قار… وتهديدات تطاول الناشطين

وتابع: «يدعي الكثير من دعاة الانفلات والتحرر والتنوير اليوم أنهم يريدون إسقاط القواعد السماوية كلها والتمرد ضدها بحجج واهية ساعين بكل ما أوتوا من مغريات شبابية وحضارية لذلك»، لافتا الى أنهم «تناسوا أنهم يخرجون من أحضان السماء ليرتموا في أحضان النفس الأمارة بالسوء التي تأمرهم بالفحشاء والمنكر والبغي، كما قال تعالى: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذوي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذگرون). وهو عز من قائل: (يعدهم ويسميهم وما يهم الشيطان إلا غرورا).
واكد أن «التحرر والتنوير لا يجب أن يصل إلى نشر الفاحشة والمنكر بين المجتمعات أياً كانت وبالخصوص المجتمع العراقي الذي يقطن في بلد القدس الإلهي والعصمة النورانية»، داعيا إلى «تحصين أنفسنا أولاً بالعلم والتقوى والأخلاق لكي نستطيع أن نكون دعاة للاعتدال وجندة لله وللمعصومين ثانياً»، ناصحا «هؤلاء الشرذمة الشاذين من (دواعش التمدن والتحرر) أن لا ينجروا خلف غرائزهم الحيوانية وشهواتهم التسافلية فإننا لن نقف مقيدين وساكتين عن الإساءة للدين والعقيدة والوطن ولن نسمح بمحو آثارها كما لم نسمح للمحتل بطمس العراق سابقا».
في الأثناء، كتب الكاتب والصحافي العراقي شمخي جبر، تعليقاً على «تدوينة» الصدر، في صفحته على «فيسبوك» قائلاً: «لا نريد أن يصبح العراق شيكاغو ولا قندهار. بل نريد وطنا حراً ومواطناً لا تنتهك حريته. نريد وطناً يحترم فيه التنوع الديني والطائفي وتحترم فيه جميع الأديان والمعتقدات ودولة مدنية لا يتدخل في شأن إداراتها رجال الدين».
وزاد: «نريد وطناً تحترم فيه الحريات العامة والخاصة ولا تنتهك فيه حقوق الانسان. نريد وطنا بسيادة كاملة على أرضه وسمائه وطنا قويا يوفر لمواطنيه الكرامة والحرية والعيش الكريم. نريد وطنا لا سلطة فيه الا للقانون ومؤسسات الدولة بعيدا عن تدخل المليشيات والعصابات».
وأضاف: «نريد وطنا لا فارق فيه بين عربي وكردي ومسيحي ومندائي ومسلم لا فارق فيه بين شيعي وسنّي… نريد وطن المواطنة الذي يساوي بين ابنائه في الفرص والامتيازات والحقوق والواجبات»، موضحاً: «لا نريد للعراق أن يكون نسخة من شيكاغو أو قندهار لأننا وطن التنوع الديني والقومي والطائفي. وطن التعدد السياسي والثقافي. نريد وطنا يحترم فيه التعدد والتنوع. نريد وطنا يحكمه القانون الذي يحمي التنوع والتعدد ويحاسب من ينتهك حقوق الانسان وحريته».
وتابع: «نريد وطنا لا يتعرض فيه الإنسان للاقصاء والتهميش بسبب دينه أو قوميته أو طائفته، للمواطنين وليس الرعايا، للتسامح والمحبة واحترام الاختلاف. وطن المسلمين والمسيحين والمندائيين والايزيديين والكاكائيين والبهائيين وطن العرب والكرد والتركمان وجميع القوميات والأديان الاخرى».
وتأييداً لموقف الصدر، اعتبرت كتلة «سائرون» النيابية، أمس، «استهداف المعتقدات والرموز الدينية والوطنية»، «مخططاً أمريكياً واضحاً ومكشوفاً»، داعية الجهات المعنية إلى تطبيق القوانين بحق «مثيري الفتن ومهددي السلم الاجتماعي».
وقالت الكتلة، في بيان لها، إنها «تؤكد على أن التظاهر السلمي من الحقوق المكفولة دستورياً وهي انعكاس إيجابي للحالة الديمقراطية في العراق، ولكن استهداف المعتقدات والرموز الدينية والوطنية مخطط أمريكي واضح ومكشوف خصوصاً تجاه العوائل التي عرفت بمواقفها الرافضة للطغيان والظلم والاستكبار كعائلة آل الصدر الكرام فباتت هدفاً لأمريكا وسياساتها في المنطقة».
وأضافت في بيانها، «مما يدمي القلب أن أدوات الإساءة هذه المرة من العراقيين الذين انساقوا من دون وازع وطني أو أخلاقي مع الموجة الأمريكية الهادفة لتسقيط كل المعتقدات والرموز الدينية والوطنية في العراق».
وتابعت: «لذلك ننصح الذين تطاولت ألسنتهم على عقائد العراقيين ورموزهم وقادتهم بالكف عن مثل هذه الإساءات»، داعيةً «الجهات المعنية لتطبيق القوانين بحق مثيري الفتن ومهددي السلم الاجتماعي لأنهم يمثلون خطراً كبيراً لا يختلف عن خطر الإرهاب الداعشي».

سلوكيات منحرفة

واختتمت الكتلة بيانها بالقول: «أملنا كبير بالمتظاهرين السلميين أن يعزلوا الشوائب التي تسيء لمشروعهم بشتى السلوكيات المنحرفة، وستبقى معتقداتنا راسخة في ضمائرنا وقادتنا قمم شاهقة لا تدنسها أفواه الأقزام وبائعي الضمير والمتماهين مع مشروع أمريكا التخريبي في العراق».
في الأثناء، شدّد سكرتير الحزب الشيوعي العراقي، النائب «المستقيل» رائد فهمي، على أهمية «اليقظة والحذر» من محاولات المس بالطابع الوطني والسياسي والاجتماعي الاقتصادي لأهداف ومطالب الانتفاضة السلمية الباسلة.
وأضاف في بيان له أمس، إن «محاور الصراع الرئيسة في العراق تدور حول غياب العدالة الاجتماعية واستشراء الفساد وتفشي البطالة وتدهور الخدمات وعدم تمكين مئات الاف النازحين من العودة الى مناطقهم وعدم اعمارها، والانتقاص من السيادة الوطنية وكثافة التدخلات الخارجية وغيرها من مظاهر الأزمات التي ينتجها نظام المحاصصة، وهي تتسبب في معاناة أوسع فئات المجتمع على إختلاف انتماءاتهم من مدنيين ومتدينين، فقد أصبحت القضايا ذات المضامين الاقتصادية والاجتماعية والمتعلقة بحقوق المواطن ومعيشته وكرامته وحريته تحتل الأولوية في مطالب الحراك الاحتجاجي وأهداف الانتفاضة الشعبية. وهي مطالب وطنية تتعدى الهويات الدينية والطائفية والقومية، وتعزز الانتماء الوطني».
وأضاف: «من الواجب الحذر واليقظة إزاء محاولات تأجيج الاختلافات والصراعات ذات الطابع الهوياتي والثقافي، ودفعها إلى المقدمة، فذلك من شأنه إثارة الانقسامات في صفوف المنتفضين وقد يقود إلى أجهاض الانتفاضة الباسلة».

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية