‘نساء خالدات’ على قناة ‘السادسة’ المغربية: توثيق تلفزيوني لتجارب نسائية رائدة

حجم الخط
1

الرباط ـ ‘القدس العربي’: تقدم قناة السادسة المغربية برنامجا وثائقيا بعنوان ‘نساء خالدات’. يخصص البرنامج كل حلقة من حلقاته لامرأة مغربية من العصر القديم، امرأة عاشت من القرن 18 فما قبل، وكانت متألقة في زمانها في مجال من المجالات، سواء في السياسة، أو في الأدب، أو الطب، أو الفلسفة، أو العلوم الدنية.. المدة الزمنية لكل حلقة هي 13 دقيقة.
يستضيف البرنامج في كل حلقة أستاذين جامعيين ُيدرسان مادة التاريخ، ويتناول كل واحد منهما السيدة التي تكون موضوعا لحلقة البرنامج، بحيث يقارب كل منهما شخصيتها من زاوية معينة للتعريف بها وبتاريخها، وأثناء عملية المونتاج يتم تركيب تدخلات الأستاذين وتنسيقها لكي يصبح حديثاهما متكاملين، وكلام كل واحد منهما يتمم كلام الثاني ويغنيه، ويصاحب ذلك تعليق للربط بين ما يقوله الأستاذان في حق السيدة موضوع الحلقة.
الاستنتاج الرئيسي الذي يخرج به المرء من معاينة حلقات هذا البرنامج هي أن المرأة المغربية لم تكن في غابر الأزمان كما يتم تصويرها في الكثير من الأحيان من طرف البعض بأنها كانت ‘محتجزة’ في البيت، وغير مهتمة بالعلم والمعرفة والشأن العام. عبر ما تقدمه قناة السادسة في هذا البرنامج، عن نساء من مختلف الحقب الزمنية القديمة، يمكن الاستنتاج بسهولة، بأن المرأة المغربية كانت حاضرة بقوة في كافة الميادين العلمية والحياتية.
لقد كانت حاكمة وتمارس الجهاد البحري مثل السيد الحرة حاكمة تطوان، وكانت بانية وتفكر في حاجيات المجتمع كما فعلت فاطمة الفهرية التي أسست جامع القرويين، كما كانت تمارس السياسة والتجارة ولها شهرة كبيرة في عصرها مثل السيدة خناثة بن بكار التي وصل صيتها إلى أصقاع أوروبا. بل إن المرأة مارست قديما جدا الطب وعالجت المرضى كما فعلت السيدة عالية لوقش ابنة مدينة تطوان.
لم تكن وظيفة المرأة هي تربية الأطفال وإعداد الطعام فقط، وفي أحسن الأحوال الخروج إلى الحقول لمساعدة الرجال في الزراعة ورعي الماشية دون إعمال الفكر والعقل والمساهمة في إنتاج المعرفة. المرأة المغربية كانت تستهلك الكتب وتحفظ الأشعار وتنتج الأفكار وتهتم بكل القضايا والمشاكل التي تشغل بال مجتمعها وتسعى لإيجاد الحلول المناسبة لها، لقد كانت مشاركة فعلية إلى جانب الرجل ومساهمة معه في كل الانجازات التي حققها المغاربة عبر تاريخهم الطويل.
فرغم أن للتاريخ طابعا ذكوريا، كما يقال، ورغم أن الرصيد المدون من تاريخ المغرب يشير في أغلبه إلى الدور البارز للرجال في صنع أحداثه ووقائعه، رغم ذلك، فإن الممحص لفصول هذا التاريخ والمقترب منها أكثر، والمتأمل فيها بشكل جيد ودقيق، سيقف على أن المرأة كانت حاضرة أيضا في نسج العديد من وقائع تاريخ بلادنا وكانت فاعلة فيها بقوة ولو من خلف الستار. لقد تمكنت إنجازاتها من تخطي الحواجز ووصلتنا أصداؤها واضحة وبينة.
لم تكن كل نساء المغرب ضحايا الجهل والأمية وغارقات في الخرافة ومستلمات لعالم الطهي وإعداد الطعام والتطريز، وبعيدات عن قضايا الشأن العام، كما يراد لهذا الأمر أن يترسخ في الأذهان. يوضح البرنامج أن نساء مغربيات كثيرات كان لهن حضورهن المتميز في الحياة العامة، وأنهن قمن بوظائف سامية من نوع الوزيرات ومستشارات الملوك، ولو بشكل غير رسمي، كما كن عالمات جليلات وأديبات كبيرات، ومارسن التدريس وعلمن بنات جنسهن مختلف العلوم التي كانت سائدة في عصورهن، ولقد كافأهن المجتمع وأقر لهن بالفضل وبما أسدينه لأفراده ذكورا ونساء وصغارا وكبارا.
ولكي يكون للبرنامج طابعه البصري المعتمد على الصورة، ولكي يصبح برنامجا مرئيا، وللتغلب على انعدام صور راهنة مرتبطة بالبرنامج، فلقد عادت مخرجته الشابة مريم عدو إلى الأماكن التي عاشت فيها النساء اللواتي تناولتهن في البرنامج، وقامت بتصوير الفضاء الذي أقمن فيه في حياتهن، كما أنها أعادت تمثيل لقطات مفترضة لهؤلاء السيدات وهن يمارسن المهام التي كن يقمن بها على قيد الحياة، واستعانت بهذه الصور لتعد برنامجا عن فترة ليس من السهل تناولها تلفزيونيا.
لقد عالج برنامج ‘نساء خالدات’ قضية من القضايا المسكوت عنها في ثقافتنا. يتعلق الأمر بالدور الذي كان للمرأة في صنع تاريخ المغرب في حقب مختلفة منه. لقد تناول البرنامج قضية من الماضي ولكنها قضية تخدم الحاضر. فالمرأة التي كانت في العصور الغابرة فاعلة في كل القضايا المجتمعية، لا يمكنها أن تكون إلا كذلك حاضرة وفاعلة، وبزخم أكبر في عصرنا الراهن. وتزداد أهمية البرنامج وقيمته عندما يعرض على شاشة تلفزيونية اهتمامها الرئيسي منصب حول الشأن الديني، وبما للدين من تأثير في تكوين الدهنيات وإنشاء القناعات عند الأفراد والجماعات.
فبقدر ما يشكل ‘نساء خالدات’ برنامجا تلفزيونيا تعيد من خلاله قناة السادسة الاعتبار لتاريخ العديد من النساء المغربيات، وتُعرف بإنجازاتهن، وتعترف لهن بما تمكن من تحقيقه لمجتمعهن في زمن مضى، وتكرمهن بذلك، بقدر ما تقدم القناة أيضا، المرأة النموذج التي يتعين استحضار عطاءاتها والاقتداء بها من طرف شابات اليوم. بل قد يساهم البرنامج المذكور في شعور المرأة بالافتخار بذاتها والاعتزاز بها والثقة فيها، وإلى تمسكها بهويتها الوطنية المتبلورة من الوقائع التاريخية للبلد الذي تعيش فيه.
ولعل مثل هذه البرامج التلفزيونية المهتمة بشؤون المرأة هي التي تحتاجها هذه اللحظة الراهنة من تاريخنا، ويتعين الإكثار منها، وتوفير الوسائل والإمكانيات لإعدادها بوفرة، وتقديمها على الشاشة، وذلك تعزيزا، لدور المرأة في المساهمة في النهوض بالوطن، وترسيخا لثقافة الانفتاح والتسامح والانسجام مع متطلبات العصر وتطلعاته. المرأة هي نصف المجتمع، ولا يمكن النهوض بهذا المجتمع دون أن يكون نصفه مساهما في ذلك.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول هشام عبد القادر:

    حبذا لو قامت السادسة بتسليط الضوء أيضا علي نساء مغربيات مجاهدات شاركن إلي جانب الرجال في الكفاح ضذ الإستعمار الفرنسي أمثال ندو سعدن، بيدة بنت سعيد، مينة خوض و آمنة البرحيلية التي تعرضت لأقصى أنواع التعذيب علي يد الفرنسيين وغيرهن كثير.

إشترك في قائمتنا البريدية