الرباط- «القدس العربي» : حاول نشطاء حقوقيون استعادة وهج الحراك الشعبي الذي شهده المغرب تزامنًا مع ما أُطلق عليه «الربيع العربي» عام 2011، فكانت الذكرى 12 لانطلاق «حركة 20 فبراير» مناسبة لتنظيم وقفات احتجاجية في عدة مدة مغربية، رُفعت فيها مطالب بالعدالة الاجتماعية والكرامة والمساواة والتراجع عن غلاء أثمان المواد الاستهلاكية.
ونشرت مواقع إخبارية صورًا للوقفات التي أقيمت في مدن الرباط والخميسات وسطات وتازة وقلعة السراغنة وغيرها، أول أمس، تلبيةً لنداء «الجبهة الاجتماعية المغربية». بينما عادت الصفحات الافتراضية بالذاكرة إلى تلك الموجة التي فاضت على الشوارع، حين وقف شبان وهم يرددون الشعارات التي بدت مختلفة عن شعارات السابق من زمن الأحزاب والساحات الجامعية.
بعض السياسيين فضّلوا أن يبثوا بعض الفيديوهات من العالم الرقمي، ليبعثوا برسائلهم إلى العالم الواقعي، ومنهم الأمينة العامة لـ «الحزب الاشتراكي الموحد»، نبيلة منيب.
الزعيمة اليسارية التي تحمل صفة برلمانية أيضًا، سجلت حلقة جديدة من «البودكاست» الذي تقدمه، وخصصتها لـ «حركة 20 فبراير» والغلاء، حيث ربطت بين الاحتفاء بالذكرى الـ 12 لانطلاق الحركة المذكورة، وبين الأوضاع الاجتماعية «المزرية» كما وصفتها، خاصة في ظل الغلاء، الذي «تكتوي به فئات واسعة»، وفق تعبيرها.
بالنسبة لمنيب، فإن بعض الأسباب التي أدت إلى هذه الأوضاع، تتمثل في أن «اختيارات البلاد أدت لإغلاق مصفاة (سامير) وتحرير الأسعار، ما نتج عنه احتكار بعض العائلات للمحروقات، حيث راكمت أربع عائلات أكثر من 45 مليار درهم».
التحليل الذي قدمته الأمينة العامة لـ «الحزب الاشتراكي الموحد» لا يخرج عن سابق تصريحاتها التي قالتها سواء في مناسبات حزبية أو تحت قبة البرلمان أو في حوارات صحافية. وزادت في خضم توضيحاتها، أن ارتفاع سعر الطاقة أدى لغلاء كل المواد المرتبطة بالنقل، وعلى رأسها أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية.
ورغم أن «حركة 20 فبراير» كانت الوحيدة التي استطاعت أن تخلد نفسها في ذاكرة المجتمع، فإن نبيلة منيب قالت إن بعدها جاءت «حركات شعبية أخرى، رفعت مطالب مشروعة بعمق سياسي، وبهدف دخول البلاد لمصاف الدول الديمقراطية عبر التوزيع العادل للثروة وتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية». وما دام صوت المعارضة يصدح في ذهن الحركة والزعيمة اليسارية، فقد أجزمت منيب أن الدولة ليست واعية بعمق الأزمة اليوم، ومقبلة على مشروع وكالات جهوية للماء والكهرباء، ستبيع الطاقة بأسعار أغلى ما سيزيد من تردي الأوضاع الاجتماعية.
ملفات عديدة استعرضتها نبيلة منيب في خروجها الإعلامي في ذكرى «حركة 20 فبراير»، منها «تسليع الماء والكهرباء وفرض التعاقد في التعليم»، كما أشارت إلى أن قطاع الصحة مقبل أيضًا على الخوصصة، لتنبه هنا إلى كون تلك القطاعات هي أساسية والجائحة أظهرت ضرورة عودة دور الدولة فيها.
ما قالته الزعيمة اليسارية هو لسان حال جميع المحتفلين بذكرى مرور 12 عامًا على انطلاق حركة كان لها الأثر على حياة أشخاص ومجموعات، ونخص بالذكر الأحزاب التي استفادت من ذلك، وهنا تشير أصابع من يحفظون التاريخ الحديث، إلى أن «20 فبراير» حملت «العدالة والتنمية» إلى رأس الحكومة لولايتين متتاليتين.
الحديث عن الحركة وذكرى انطلاقها والاحتفال بها، عاماً بعد عام، ينحصر ويقل عدد المحتجين، كل سنة يصبح العدد أقل، وتصبح أغنية «راب» أكثر أهمية منها ومن وقفتها المبرمجة التي جمعت بين الاحتفاء والاحتجاج.
بلاغة بعض التدوينات تقطع المسافة الفاصلة بخفة الريشة وثقل الفكرة الوازنة، وهو ما كتبه الصحافي يونس دافقير، في صفحته على الفيسبوك، حيث قال: «هذا الأسبوع كان ديزي دروس أكثر إثارة من (ذكرى) حركة 20 فبراير».
كلام الصحافي المغربي ليس مجرد تخمينات، فقد كتب كبار المثقفين عن انبهارهم بأغنية «مع العشران» التي أطلقها مغني الراب «ديزي دروس»، السياسيون أيضًا عبّروا عن ذلك الإعجاب وهو ما ورد أيضًا في تدوينة دافقير، «يكفي أن نلاحظ مثلًا أن عبد الله بوابو رئيس المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية ومحمد أوزين أمين عام الحركة الشعبية انبهرا في نفس الأسبوع بأغنية ديزي، وليس بزمن أكبر حركة اجتماعية شهدها المغرب في العشرين سنة الأخيرة».
الملاحظة التي سجلها دافقير، كنت مثل وضع الأصبع على الجرح، وباختصار قالها «لم يعد شباب 20 فبراير هم مصدر الدروس كما راج في الخطاب السياسي لسنة 2011، اليوم، وللغرابة، يصبح مغني راب، وبعظمة لسان بعض السياسيين، مصدر العبر».
وأضاف الصحافي أنه «خلف هذه الصورة الكاريكاتيرية توجد الحقيقة: استنفدت حركة 20 فبراير كل إمكانياتها في توقيتها وسياقها، واستنفدت أيضًا كل أوكسجين المحيط الدولي الذي أسهم في ميلادها»، كما أن «خميرتها كانت أكبر من مجرد غلاء في الأسعار أو في صفعة ظالمة. وذلك حديث آخر».
من حديث استنفاد الإمكانيات والتوقيت والسياقات، إلى اعتبار «حركة 20 فبراير» تصلح لبناء شرعيات تاريخية نضالية للأجيال الجديدة مما يصفه الخطاب اليساري ب (المناضلين)»، يوضح دافقير.
نهاية «حركة 20 فبراير» التي يؤكدها عدد من المتتبعين، لم تنفها سارة سوجار، أحد وجوهها البارزة، والتي قالت في حوار مع موقع «أصوات مغاربية» منذ سنوات خلت، إن الحركة «انتهت فقط كإطار تنظيمي، ولكن روحها باقية وحاضرة في الديناميات الاحتجاجية التي لحقتها، كما أن مطالبها ما تزال قائمة إلى غاية اليوم».
كان ذلك في تخليد ذكرى مرور تسع سنوات على انطلاقها، ونحن اليوم أمام تراكم ثلاث سنوات إضافية مع ما يلزم ذلك من متغيرات زادت من حجم المسافات المتعاطفة.
بالنسبة لبعض المحللين، فإن استنفاد إمكانيات وزمن «حركة 20 فبراير»، ليس مرتبطاً بشكل أو بآخر بحالة التنظيم الذي لم يكن بالمعنى الصحيح، بل كان عبارة عن تحالف شبابي من مختلف التوجهات والإيديولوجيات. بل هو مرتبط أيضًا بتحقيق أغلب مطالبها، ولنا في دستور 2011 خير دليل، ناهيك عن مجموعة من الإصلاحات الاجتماعية.
سوف نشهد ثورة الجياع