علم السرد ما بعد الكلاسيكي: السرد غير الواقعي

حجم الخط
0

(علم السرد ما بعد الكلاسيكي: السرد غير الواقعي) هو عنوان الكتاب الجديد الصادر عن مؤسسة أبجد للترجمة والنشر والتوزيع لنادية هناوي وهو الجزء الثاني بعد الجزء الأول الذي صدر بداية هذا العام بعنوان (السرد غير الطبيعي). ويأتي الجزءان في إطار مواكبة مستجدات النقد عالميا. وقد عملت المؤلفة في بحثها كمشروع نقدي تسعى فيه إلى بلورة خصوصية عربية لعلم السرد، تنبع من صلب المنجز السردي والنقدي العربيين، وفيه ترى المؤلفة أن السرد رافق الإنسان منذ أن وعى وجوده على الأرض، وخبر آفاقه كحاجة لا بد له من تلبيتها.. وإذا كان لعلم السرد أن يتقدم على أيدي المنظرين الفرنسيين البنيويين وما بعد البنيويين، فإن تطورات متسارعة أصابت العلوم بنوعيها الإنسانية والصرفة أولا، وتغيرات هائلة في قطبية الهيمنة السياسية والاقتصادية في النظام العالمي الجديد ثانيا، وقد ساهمت في بروز منظومة نقدية جديدة أنكلوأمريكية، أخذت على عاتقها تطوير علم السرد باتجاهات جديدة وبمساع حثيثة، واضعة نصب عينيها التعاكس والاختلاف مع كل ما أسسته ونظَّرت له وأكدته المدرسة الفرنسية بنيوية وما بعد بنيوية.
وتعلل هناوي استعمال (Un-Reality اللاواقعي) بدلا من ( Un-Natural اللاطبيعي) بأن الأول معبر عن الدلالة أكثر مما يعبر عنها الأخير. وميزت المؤلفة مفهوم (السرد غير الواقعي) عن السرد العجائبي وحددت دواعي استعماله ومنها، أن السرد غير الواقعي هو سرد مضاد وغير منطقي يتعامل مع الواقع باستراتيجية معاكسة تجعل ما هو خيالي كالذي هو غير خيالي، عبر إعادة صياغة دلالة (الواقعي) في تمثيل التسلسل الزمني وتوظيف الشخصيات الوهمية ـ التي بقيت ولزمن طويل في السرديات الواقعية تُرفَض أو تُهمَل أو تهمش أو تُستثنى ـ لتكون فاعلة وبطلة من خلال عقلنة السرد، التي معها تبتعد الفاعلية السردية عن التشكيك والإيهام والاستحالة، وتصبح عملية القص الخيالية والخرافية وما فيها من حيوانات أو جنيات متحررة من السخرية، منافسة أو متحدية المحاكاة في الطرق التي فيها يمثل الخيالي والواقعي معاً.
ومما قالته هناوي في مقدمة الكتاب: (إن السرد غير الواقعي سرد يخرق المعتاد ويجعله غير مقبول، لكنه بمنطقية التحبيك السردي، يصبح معتاداً هو ليس كذباً ولا خداعاً، بل مجموعة مسببات أفضت إلى نتائج مقبولة ومعقولة من ناحية منطقية الفواعل السردية، وما يسند إليها من فعل بطولي خارق أو عجيب وأهليتها في أن تكون هي الفاعلة بدور السارد، أو بدور المسرود مع تسلسل الزمان السردي بطريقة معقولة ليست غرائبية، ما يعطيها واقعيتها ويصبح السرد موصوفاً بأنه سرد واقعي) وأكدت أن السرد الواقعي والسرد غير الواقعي لا علاقة لهما بأي صورة من صور المذهب الواقعي. فالواقع هو موضوع السرد نفسه أيا كانت توجهات هذا السرد وأيا كانت أصناف هذا الواقع. بعكس مفهوم السرد الطبيعي الذي يشي ولو من بعيد بعلاقته بالواقعية الطبيعية بوصفها صورة من صور المذهب الواقعي كما تدلل عبارة (غير الطبيعي) على وجود تضادية داخل الطبيعة مع أن لها نظامها الذي لا تضاد في تصارع أضداده. وتظل قدرات الكاتب هي الحاسمة في جعل السرد غير الواقعي واقعياً، يلائم مقتضيات الواقع الموضوعي كنظام اجتماعي وبيئي معيش، أو بالعكس كواقع غير راهن، بل هو سحيق ومندثر أو مقبل من مجهول. وأهم قدرة تأليفية هي فهم حقيقة (الواقعية) بشمولية، هي ليست فانتازية أو سوداوية أو طبيعية أو غرائبية أو إيهامية أو موضوعية، وإنما هي بشموليتها تغدو لا واقعية.
وقد اشتمل الكتاب الذي بلغت صفحاته أكثر من أربعمئة صفحة على قراءات لعشرات القصص والروايات العربية والأجنبية، وبعض منها مغمورة يعود إلى عصر النهضة. ومما جاء في غلاف الكتاب الخلفي (يقوم مفهوم السرد غير الواقعي على فكرة عدم استنساخ العالم بشكله المباشر والممكن، وإنما التعبير عنه على نحو غير ممكن، تحكمه مبادئ لا علاقة لها بالعالم الموضوعي، لكن بالفهم الإدراكي الذي يعزز الصلة التوليفية بين السرد والعقل، فيغدو التواصل السردي مع أمور غير قابلة للتصديق في عالمنا القائم، مرتهنا بالفهم الإدراكي لما هو غير معقول. ولا تتحدد الإثارة في السرد غير الواقعي في ما يفتحه من أبواب تعيد النظر في شرائح واسعة من تاريخ الأدب وفئات من النماذج الأدبية المغمورة والمطمورة حسب؛ بل أيضا في ما يتيحه هذا السرد من مصادر إلهام للكتّاب، فيها يجدون وسائل جديدة في التفنن الإبداعي والإبهار بالإيهام).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية