على طول الخط كانت هناك تيارات يهودية مناهضة لسياسات إسرائيل العنصرية وجرائمها التي ترتكبها بحق الفلسطينيين، لكن الخوف من السطوة الإعلامية الإسرائيلية في مختلف دول العالم، وفي الغرب تحديدا، كان سببا رئيسيا في تهميش الأصوات اليهودية المطالبة بتطبيق العدل ورفع الحيف عن ضحايا الاحتلال الإسرائيلي. قبيل طوفان الأقصى وبعده، تصاعدت أصوات حركات يهودية في عواصم ومدن الغرب، وخرج آلاف الشباب اليهودي متضامنا مع الشباب العربي، رافعين شعارات تطالب بوقف المجزرة. وربما كان أبرز الحركات والجمعيات في هذا المضمارهي «نعامود» الناشطة في بريطانيا. ونظراً لأهمية نشاط هذه الحركة الحديثة التأسيس، أرى أن من الضروري تسليط الضوء على نشأتها وهيكلتها ونشاطاتها في المملكة المتحدة، وعلاقاتها بالمجتمعات اليهودية العالمية، وسعيها الحثيث لإدانة السياسات الإسرائيلية الإجرامية.
نعامود (بالعبرية: Najamod) وتعني «سنقف» باللغة العربية، هي حركة لليهود البريطانيين، تسعى إلى إنهاء دعم الجالية اليهودية البريطانية للاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة. ويذكر الموقع الرسمي للحركة أن هدفهم هو «العمل من أجل الحرية والمساواة والعدالة لجميع الفلسطينيين والإسرائيليين». ينشط أعضاء الحركة في أجزاء كثيرة من المملكة المتحدة بما في ذلك لندن، وبريستول، ومانشستر، وليستر، وليدز ونيوكاسل.
«نعامود» حركة لليهود البريطانيين، تسعى إلى إنهاء دعم الجالية اليهودية البريطانية للاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة
الاسم «نعامود» مأخوذ من القراءات الدينية في العبادات والصلوات الاجتماعية التي تقرأ في القداسات (الليتورجيا) المستخدمة لدعوة اليهود إلى قراءة التوراة أثناء خدمات الكنيس. تأسست حركة نعامود في أيار/مايو 2018 ردا على إطلاق الجيش الإسرائيلي النار على سكان غزة، الذين خرجوا في احتجاجات على حدود القطاع في ذلك العام، إذ تظاهر خمسون ناشطا يهوديا على إطلاق النار وأقاموا صلوات حداد في ساحة البرلمان البريطاني في لندن، بما في ذلك تلاوة صلاة الحداد «كاديش» وهي صلاة يهودية تقام لراحة أرواح الموتى. الحدث كان مثيرا للجدل إلى حد كبير داخل المجتمع اليهودي البريطاني، ودفعت الانتقادات التي تلت ذلك بعض الناشطين الحاضرين إلى إنشاء ما سيعرف بحركة «نعامود». وقد استلهموا نشاطهم من حركات مماثلة في أماكن أخرى، مثل حركة ((If Not Now في الولايات المتحدة، التي قامت أيضا خارج مكاتب مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية بتلاوة صلاة الحداد علنا على ارواح الضحايا الفلسطينيين والإسرائيليين، الذين قتلوا في الصراع بين إسرائيل وغزة عام 2014. أول ظهور لـ»نعامود» كحركة مناهضة للسياسات الإسرائيلية العنصرية كانت في تظاهرة في مطار لوتون في تموز/ يوليو 2018، حيث احتج الناشطون على أعضاء رحلة «بيرثرايت» التابعة لـ UJIA (United Jewish Israel Appeal) بمنشورات حول روايات بديلة، لمواجهة ما وصفوه بإنه إحاطات أحادية الجانب يتلقاها اليهود البريطانيون في جولات «بيرثرايت» في إسرائيل. وبعد مرحلة التفكير وإنجاز أعمالها القليلة الأولية، انطلقت الحركة رسميا في عام 2019 وأصبحت صوتا قويا يسعى لتوحيد يهود بريطانيا خلف رسالتها المعارضة للسياسات العنصرية للاحتلال الإسرائيلي. أما في ما يخص هيكلية حركة «نعامود» التي تقتصر عضويتها على اليهود، فهي منظمة لامركزية غير هرمية تتكون من ست فرق تدير جوانب مختلفة من نشاطات الحركة. يتخذ الأعضاء القرارات بالإجماع، وتضع الحركة إطارها السياسي في الاجتماعات الكبيرة ربع السنوية، والمؤتمرات الاستراتيجية السنوية. كما تجتمع هيئة تسمى فريق القيادة الاستراتيجي للإشراف على الحركة وتوفير التوجيه الاستراتيجي لها.
من أنشطة الحركة المميزة الحملة التي شنها ناشطوها ضد خطط استيلاء المستوطنين الإسرائيليين على أراضي الضفة الغربية، وقد تحركت «نعامود» بالتعاون مع منظمة «محامون بريطانيون من أجل إسرائيل» في هذا الشأن. وكذلك يشار إلى نشاط الحركة وتظاهراتها الرافضة لعمليات القصف الإسرائيلي على غزة عام 2021 وعمليات إخلاء الشيخ جراح في القدس الشرقية. وفي مطلع العام الحالي احتج ناشطو «نعامود» ضد المؤسسات اليهودية البريطانية، التي استضافت سفيرة إسرائيل في بريطانيا، اليمينية المتطرفة تسيبي هوتوفلي، التي صرحت «لا وجود لحل الدولتين في خططنا بعد الحرب.. ولا وقف لإطلاق النار» وعبر التظاهرات السلمية والملصقات الترويجية التي رفعها ناشطو الحركة، تم فضح عنصرية هوتوفلي ولفت انتباه المجتمع البريطاني لسجلها الإجرامي، وبالتالي ضرورة الوقوف ضدها.
كذلك من النشاطات المميزة التي أوصلت صوت حركة «نعامود» إلى العالم ما حدث في الثاني من نيسان/أبريل الجاري، إذ أغلق ناشطو الحركة مدخل وزارة الخارجية البريطانية وتنمية الكومنولث (FCDO) مطالبين حكومة ريتشي سوناك بإرسال مساعدات طبية وغذائية إلى قطاع غزة المحاصر، بدلاً من إرسال الأسلحة إلى إسرائيل. كما أظهرت الصور المنشورة على شبكة الإنترنت ناشطي حركة نعامود وهم يضعون الخيام واللافتات عند مدخل وزارة الدفاع البريطانية وقد رفعوا لافتات تقول؛ «لا للأسلحة» و»يهود المملكة المتحدة يقولون توقفوا عن تسليح جرائم الحرب الإسرائيلية». ومن بين دعوات «نعامود» دعوة الحكومة إلى التراجع عن قرارها بوقف تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) التي تدعم ملايين اللاجئين الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية المحتلة ودول المنطقة. وقال المتحدث باسم حركة نعامود على موقع X، المعروف سابقا باسم تويتر: «نحن هنا اليوم لأنه، حتى مع توصل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى نتيجة متأخرة مفادها، أن وقف إطلاق النار لا يمكن أن ينتظر، فإن حكومة المملكة المتحدة تتباطأ في رسم خط في الرمال». وأضاف «في مواجهة الكارثة التي لا يمكن تصورها في غزة، فإننا نطالب حكومتنا بالعمل مثل الآخرين والعودة لتفعيل تمويل الأونروا». في الرابع من أبريل الجاري، قالت إميلي هيلتون المؤسسة المشاركة لحركة «نعامود» إن تركيزها الرئيسي هو «إبعاد إسرائيل عن اليهودية». وقالت هيلتون، في حديثها أمام أنصارها في سينما جينيسيس في مايل إند، شرق لندن أثناء أمسية عرض فيلم «الإسرائيلية» ، إن تربيتها في حركات الشباب الصهيونية جعلتها غير مدركة لـ «الرعب والظلم» الذي ترتكبه إسرائيل ضد الفلسطينيين. كما أوضحت الناشطة اليسارية بقولها؛ «أعتقد أن الكثير من العمل الذي نقوم به الآن عبر نشاطات «نعامود» وعلى نطاق أوسع يدور حول كيفية فصل إسرائيل عن اليهودية. وهنا يجب أن نقف ونسأل؛ كيف نمنع أنفسنا من التواطؤ والوقوع في مشروع تسبب في الكثير من الضرر للعديد من الأشخاص في العديد من المجتمعات؟».
وفي وصفها لكيفية انخراطها في النشاط الفلسطيني، قالت هيلتون إن زيارتها إلى الضفة الغربية جعلتها في مواجهة الحقيقة المرة، وعرّضتها لـ»الرعب والظلم» الذي لا يتوافق مع القصص عن إسرائيل التي رويت لها أثناء طفولتها، وقالت هيلتون إنها استلهمت أفكارها من «يهود آخرين أرادوا بناء اليهودية خارج إسرائيل». وقد ظهرت أميلي هيلتون في حلقة نقاش، أمام جمهور من 500 شخص، برئاسة معلق صحيفة «الغارديان» والناشط العمالي السابق أوين جونز، بعد عرض الفيلم الأمريكي الصنع «الإسرائيلية» الذي يهدف إلى إدانة المنظمات المؤيدة لإسرائيل بشدة مثل Birthright وأيباك لأنها تغسل عقول الشباب اليهود وتدفعهم لاتخاذ مواقف يمينية متطرفة مؤيدة للصهيونية.
أرييل أنجيل، رئيس تحرير المجلة الأمريكية للتيارات اليهودية، يرى أن حركة «نعامود» هي واحدة من من المجموعات الناشطة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة التي «حركت المحادثة بين الطوائف حول إسرائيل/فلسطين» ففي كانون الثاني/يناير 2022، ظهروا في فيلم وثائقي من إنتاج هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) يدور حول معاداة السامية والمجتمع اليهودي. وقد رفضت صحيفة «جويش كرونيكل» نشاطات حركة «نعامود» ووصفتها بأنها «مجموعة يسارية هامشية» ووصفتها بأنها «مجموعة يهودية صغيرة مناهضة للسياسات الإسرائيلية» إلا أن كيث كان هاريس عالم الاجتماع والمعلق على الشؤون اليهودية البريطانية، وصف حركة «نعامود» بقوله؛ «إنها حركة حديثة وما تزال صغيرة العدد، إلا أنها تتمتع بتأثير كبير على الناشطين المنخرطين بعمق في الحياة اليهودية في المجتمع البريطاني».
كاتب عراقي