مدهش ما نحن فيه وما وصلنا اليه من عجز اذ لا يمكن أن ننجز لنا امرأ إلا بتسليم قيادنا لهم أو منحهم التوكيل ابتداء من الساعة التي نلبسها ولا نصنعها وليس انتهاء بثوراتنا التي نشعلها ولا ننجزها. اليوم لو نظر كل منا بين يديه خلفه ومن حوله في أدوات عمله ووسائل رفاهيته وراحته في بيته وسيارته وابتعد عن جدل الكلام لسلم إننا امة نعتمد عليهم اعتماد الطفل الذي – لا حول له ولا قوة – على أمه التي عليها أن توفر له حاجاته الأساسية حتى ألعابه الترفيهية. وهنا أتذكر كلمة للشيخ يوسف القرضاوي ‘أن لو كل شيء لدينا ذهب الى مصدره لبقينا عرايا لا نجد ما يستر اجسامنا وعوراتنا’. ومع هذا فلا بأس أن نصنفهم اعداء ونشتمهم كل يوم وندعو إلى مقاطعتهم فهم حتى بكثير من صناعاتهم كانوا يتآمرون علينا! والدعابة التالية تجسد تناقضنا العجيب، فقد صحا من نومه وتناول قهوته البرازيلية بسرعة ثم لبس طقمه الفرنسي وحذاءه الايطالي تناول جواله الفنلندي ومشى وهو يلبس ساعته السويسرية وذهب مسرعا نحو سيارته المرسيدس الألمانية ركبها مسرعا في طريقه إلى اجتماع يدعو إلى مقاطعتهم وعدم شراء بضاعتهم، لكن هل هذه دعابة أم واقع يجسد حال امتنا المأساوي؟! أتذكر أيضا في هذا المقام انه قبل سنوات كانت لي الفرصة ان اشارك في عمل اضافي ينجز ضمن زمن محدد واستمر ذلك لعدد من السنوات كان القائمون عليه من ‘الاجانب الحقيقين’. عندما كنا نتلقى إشعار التكليف بالعمل كان يتضمن اجابة لكل ما يمكن ان يخطر ببالك من سؤال كان يتضمن مثلا تاريخ بدء العمل وعدد أيامه وعدد ساعات اليوم ووقت الاستراحة ومدتها وأجرة الساعة وخريطة تبين موقع العمل ومتى ينتهي ومتى سنحصل على مقابل ذلك العمل في اليوم والساعة وعندما يحين وقت الاستراحة نجد اكبر القائمين عليه يقفون في الخارج يناولون الوجبات والمشروبات مع الابتسامة لا تلمس لديهم تبرما او ضيقا. فوالله إن كانوا يعرفون أن سيأتي يومٌ يحكي أو يكتب احدٌ مثلي عن هذه الممارسات فهم اذكياء وإن كانوا لا يعرفون فهم انقياء. المهم بعد سنوات تركت الشركة الاجنبية هذا العمل ولا اعرف عن توافق أم اختلاف ليحل محلها شركة عربية. اول ما فكرت فيه الشركة العربية هو إنقاص أجرة ساعة العمل لكل من يشارك فيه وصار وقت الدوام يطول دون مقابل والعنجهية تلحظها في عيون متصاغرين وبدأت وجبات الاستراحة تختفي وصار كأس الشاي يحتاج ان تقف له في الدور اما اجرة نهاية العمل في مهب الريح متى تقبضها فعلمها عند الله إن حصلتها بعد سنة فانت محظوظ وفي اخر عام مع هذه الشركة كان هناك هرج ومرج في حقوق الناس فالبعض اخذ اكثر من حقه مقابل كثيرين لم يحصلوا على حقهم. في العام التالي كان هناك قرارٌ بإنجاز العمل اعتمادا على الكفاءات المحلية و تم اختياري ضمن الفريق الذي يقوم بالتحضير للعمل لنتفاجأ أننا لا نجد ورقة واحدة أو قرصا واحدا يبين لنا الطريق واننا لم نستفد من كل السنوات السابقة في شيء فلا نحن فكرنا كيف نتعلم ولا هم رغبوا في ذلك علما بأن الشركة الأجنبية كانت تتقاضى مبالغ طائلة وهكذا بعد ان كان العمل ينجز الكترونيا عدنا للعمل يدوياً ليستغرق وقتا اضعاف ما كان ينجز فيه في سالف الايام. ما حصل تماما كما السيارة تسلم مع المفتاح نفرح بها ونسوق وعندما تـقف نـقف مكتوفي الأيدي لا نلوي على شيء ولم نفكر مرة ان نرد لهم المفتاح وبقيت سياسة تسليم المفتاح تريحنا وتريحهم. يشغلني دائما لماذا هم قادرون على التخطيط بدقة والإنجاز بحرفية من اصغر الاعمال وحتى إنجاز ثورة واسقاط نظام فتبدو اعمالهم عظيمة بينما نحن تطغى على اعمالنا الفوضى والعشوائية فتظهراعمالنا هزيلة حتى عندما نشعل ثورة ونسقط ديكتاتور؟