كان لا بد من مخفر ومعتقلين كي يكتمل عيد الاستقلال الذي جاء هذا العام على إيقاع انتفاضة تشرين اللبنانية.
في الاستقلال الأول عام 1943، كان هناك معتقل قلعة راشيا، وفي هذا الاستقلال الجديد صار هناك مخفر حمّانا.
في راشيا اعتُقل القادة السياسيون الذين كان معدّل أعمارهم 50 سنة، وفي حمانا اعتُقل أطفال من الانتفاضة معدل أعمارهم 14 سنة.
فمساء السبت 23 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، تم اعتقال مجموعة من الأطفال في قرية حمّانا بتهمة تمزيق صور لميشال عون، ونزع يافطة عن أحد مقرات حزب صهره.
هكذا اكتمل العيد واتخذ بعده الرمزي برئيس ثمانيني يعتقل أطفال «الهيلا هيلا هو».
صورة الأطفال المعتقلين هي جزء مكمل لصورة الاستقلال التي انقسمت إلى نصفين، نصف للرؤساء الثلاثة في العرض العسكري الرتيب بوجوههم المتجهّمة وعيونهم الميتة، وصورة لشعب الانتفاضة وهو يرقص ويهتف ويغنّي معلناً موت النظام.
صورة الأطفال المعتقلين تكمل صورة شباب الانتفاضة الذين خطفتهم المخابرات في بعبدا، وأذاقتهم التعذيب مستخدمة أساليب سفّاح دمشق، أجبروا سامر مازح أن يجيب «اسمي حمار» حين يُسأل عن اسمه، كما أذاقوا رفيقه خلدون جابر طعم السحل والضرب.
ولكن…
لا اعتقال الأطفال ولا محاولة إذلال الشابات والشبان، ولا ميليشيا الدراجات النارية والعصي والهتاف الطائفي، تستطيع إيقاف هذا الموج الثوري العالي، فالحمار ليس سامر الذي خرج من المعتقل مرفوعاً على أكتاف الثوار، الحمار هو من لا يرى ولا يسمع ولا يفهم أن ما يجري اليوم في لبنان يضع نقطة النهاية على السطر، معلناً موت نظام الحرب الأهلية وسيطرة اللصوص والأوغاد على لبنان.
اسمعوا أيها الحمقى الجالسون على عروش الخراب، فالانتفاضة هي العلاج الذي استنبطه الوعي الشعبي كي لا يتفكك لبنان ويتحول إلى غابة بسبب الانهيار الاقتصادي الذي صنعتموه بأيديكم.
لن نشتمكم، ليس لأننا مهذّبون، بل لأن الشتائم التي اخترعها البشر بكل اللغات لا تكفيكم، نصفكم بالأوغاد والزمكّات، ونغني «الهيلا هيلا هو» بصيغها المختلفة ونحن نعلم أنها لا تروي غليلنا أمام هذه الكارثة التي صنعها نهبكم وحقارتكم وسفالتكم.
تعالوا نتخيّل لبنان من دون هذه الانتفاضة: مصارف «تتمصرف» على المودعين الصغار، عاملون في قطاعات اقتصادية مختلفة يُصرفون من وظائفهم، يقبض الناس بالليرة التي تلامس الحضيض ويشترون حاجياتهم بالدولار، موظفون يقبضون نصف رواتبهم الشهرية، أسعار المواد الغذائية ترتفع بشكل جنوني، العفن في كل شيء، ورجال السلطة يتصارعون على الكراسي، وفي أذهانهم نهب النفط والغاز…
تخيّلوا المشهد، وسترون التفكك وهيمنة عصابات النهب والجريمة والفلتان الأخلاقي والأمني.
هل هذا هو اقتراحكم يا أصحاب الفصاحة الحمقاء.
قائم مقام الرئيس المدعو جبران باسيل قدّم لنا اقتراحاً مشابهاً للحل، حين قام بزيارته الدموية إلى قبر شمون، ثم هددنا بسفّاح دمشق وبأنه قادر على قلب الطاولة.
وكان أمام الشعب اللبناني احتمالان لا ثالث لهما، إما العودة إلى خراب الحرب الأهلية، وإما الثورة.
هذا هو جوهر انتفاضة تشرين، شعب قرر أن يُدافع عن وجوده وكرامته وحقه في الحياة، بعدما اكتشف أن نظام الطوائف ورأسمالية النصّابين والزعران يريد أن يضحك عليه من جديد، ويدفع به مقيّداً بسلاسل الفقر إلى حافة الحرب الأهلية.
منذ تأسيس نظام الطائف على أيدي القابلتين السورية والسعودية وبرعاية أمريكية، ونحن نعيش في رعب صنعه نظام الحرب الأهلية.
الفزّاعة التي رفعوها في وجوهنا هي الحرب المحتملة، فحكمنا أمراء الحرب والخطف والقتل الذين لم يتوقفوا عن تربيحنا جميلة ما أطلقوا عليه اسم السلم الأهلي.
باسم هذا السلم الأهلي اللعين باعوا واشتروا ونهبوا وسرقوا، أوصلوا الدين العام إلى رقم فلكي، دمّروا الجامعة اللبنانية، حولوا التعليم العام إلى زرائب، حطّموا النقابات وحولوها إلى مسخرة، استولوا على الشواطئ، صارت أزمة الكهرباء بالوعة المليارات، زرعوا الكسّارات التي دمّرت الجبال، أغرقونا في الزبالة، لوّثوا الأنهار، ملأوا البحر بالمجارير، نهبوا الهاتف المحمول، سرقوا كل شيء وهرّبوا أموالهم إلى الخارج، وأخيراً وقفوا كالبلهاء يتفرجون على الحرائق التي اجتاحت لبنان من أقصاه إلى أقصاه.
كانت الحرائق إشارة لما سيكون، فانتفض الشعب كي لا يكون ما يريدون.
اسمعوا أيها الحمقى، الحرب الأهلية انتهت منذ ثلاثين سنة، وحكم أمرائها ومرتزقتها ينتهي اليوم.
ألم تسألوا أنفسكم لماذا مزجت الانتفاضة بين الغضب والفرح.
اسمعوا ولا تعوا، فهناك حاجز بينكم وبين الوعي، فوعيكم لا يتجاوز مضغ كلام قديم لم يعد يقبضه أحد.
هذه الانتفاضة هي العلاج الذي اخترعه الشعب من مرض الحرب الأهلية، ومن أمراض التفكك في دولة النهب والمحاصصة.
ولأن المرض خبيث ومُستفحل كان لا بد من صدمة كبرى اسمها الانتفاضة الشاملة.
شرط الشفاء من المرض هو استئصال الأورام الخبيثة.
وأنتم كل أحزاب السلطة، أنتم كل الطائفيين، أنتم كل القمع، أنتم كل أجهزة الرقابة الدينية، أنتم كل أعداء حرية المرأة، أنتم كل العنصريين، أنتم جميعاً، «كلن يعني كلن» يجب أن تمضوا.
لا خيار أمامنا، إما الانتفاضة وإما الخراب الشامل.
هذه الانتفاضة هي سلاح شعب يدافع عن وجوده.
نغضب منكم ونفرح بثورتنا لأننا اكتشفنا أننا صرنا شعباً.
هكذا يصنع اللبنانيات واللبنانيـــــون وطنهــــم، يلتقطونه من حافة الانهيار ويكتشفون أنهم يصنعون وطناً جميلاً يشبههم.
لبنان ليس لوحده! فها هو العراق الثائر يدعم ثورة لبنان, وها هي الجزائر التي أطاحت بالمومياء وتنتظر الخلاص من السدنة!! ولا حول ولا قوة الا بالله
تحياتي للمبدع الحر الشريف الأستاذ الياس فقد ابدعت في وصفك للمستبدين بالأولاد والزمكّات.وللعلم اخواني القراء العرب فإن كلمة زْمِكْ تعني القصير جدا مع احترامي للقصار القامه المحترمين وكذلك تعني منبت ذنب الطير.
باختصار فإن الزعماء الطراطير لا يساوون اكثر من منبت ذيل عصفور صغير والمارد الشعبي بدأ يتململ وهو قادم لا محاله وسنرى الزمكّات تفر كالجرذان او تُلقى في الزنازين.
لم اقرأ لك من قبل مقالا بهذه الدقة في رسم التراجيديا اللبنانية البالغة البؤس لقد كان مقالك غصة في قلب ثائر يسمع ويرى …يا ستاز الياس ..عون وباسيل عاشرو الكوم ( القوم) كما كانت امي الفلاحة الفلسطينية التي ذاقت كل تراجيديات شتاتنا وبؤسنا .. يعني عاشرو القوم اربعين يوما فصارو مثلهم ..الثورة في لبنان ..يجمعها الشوق الموؤود حيا تحت خطاباتهم وتاريخهم العنصري وارتباطاتهم الخارجية ..لقد لعبو على سيكولوجية الخوف خوف الطائفة على وجودها ازاء طوائف اخرى حاربتها في تاريخ سفالة الحرب الاهلية بكل ممارساتها السوداء اليوم اكتشف اللبنانيون انهم طاىفة واحدة هي طائفة البؤس يحكمها قاتلوها وسافكو دم اولادها يحكمها عمائم للايجار تدعي وصلا بالله وهي تخونه بسفك دم المستضعفين وتدعي وصلل بالمسيح وهي تصلبه كل يوم على خشبات لانه قلب اقفاص بائعي الحمام والصرافين .. تدعي وصلا بالعروبة ومحمد وهي تنفذ اوامر البيت الابيض من البيت الاسود …انها ليلة القدر يا الياس ..تتنزل فيها سيوف العدل وروح الانتفاضة وهتاف واحد كلون يعني كلون
المحبة غادة
الحرب الأهلية لم تنتهي ببساطة لأن أمراءها ما زالو قابعبن على رؤوس مناطقهم يتحكمون بناسها وخيراتها يتقاسمون ثروات الشعب الفقير وإنما أخذوا إستراحة من القتل إلى إستراحة للنهب والسلب وحينما يشعرون بالخوف على مكتسباتهم سيعودون لممارسة شعائرهم بالقتل والذبح كما فعل من قبل كبيرهم القابع في دمشق والذي سيكون لهم نصيرا وعونا كما كانوا هم له نصيرا وعونا في جرائمه. هؤلاء لن يهتز لهم شعرة إن قتلوا نصف الشعب أو حتى كله من أجل بقائهم ووجودهم فهم بسلاحهم وجهلهم وغطرستهم لا يروا سوى أنهم الأسياد وأن غيرهم هم العبيد الذين لا يجب ان يطالبوا بأي حق من حقوقهم بل يجب عليهم الإكتفاء بما يرمي لهم سيدهم من بقايا سرقته ونهبه. الحرب لم تنتهي وستعود بينهم وبين من يرفض العبودية الحرب ستعود بينهم وبين من يرفض الذل والمهانة . الثورة على الظلم معانيها جميلة رائعة ولكنها إن لم يكن لها أسنان وإن لم يكن لها صبر على الأذى فهي ضعيفة لا أمل فيها .
شكراً أخي الياس خوري. وماذا أضيف على هذا الكلام الرائع, رغم أنه يخيفني بعض الشيء لأن الشعلة بيد الشعب البناني يجب تبقى مشتعلة مضيئة مرفوعة عالياً, فهي اليوم منارة لنا وأملنا في عهد جديد. كل يوم يكبر فينا هذا الآمل وهاهو لبنان الثورة يعطينا الآمل بعودة الروح إلينا من جديد, ويارب يالله تعينكم وتنصركم.
الثائر الجميل الياس خوري..قدوتنا التي نعتز بها على الدوام..
العين الباصرة والقلم الرصين المبشر بالعبور نحو شرق جديد.
المجد لقلمك ..
يُطفئون الشّمس ! حُمْقٌ عُمْيٌٌ لا يفقهون ! شكرا أستاذنا. أبهرنا، أنارك الله و كان في العون