نقمعهم لإبعادهم عن الغور ومناطق “ج”.. بأمر من قائد اللواء

حجم الخط
0

ضبط جندي وهو يقول الحقيقة، فيما قادته يسارعون إلى نفيها. ولكن تجربة صحافية كبيرة تدل على أن ليس لدى الجنود مصاف؛ لأنهم شباب وغير مروضين تماماً، ولأنهم لا يدركون حقيقة أن وظيفتهم كحراس للنهب ومدافعين عن السارقين تعدّ عملية غير سليمة تماماً. هم يخرجون ما يسمعونه في الممرات، بين الخيام، وفي سيارة الجيب المسرع في الطريق لتنفيذ الأمر.

في تشرين الأول 2018، أجاب جندي في إدارة التنسيق والارتباط بأريحا عن سؤال لنشيط إسرائيلي: أين هم رعاة القرية الصغيرة “سمرة” الذين اعتقلهم الجنود، ولماذا اعتقلوهم أصلًا؟ وكانوا قد أطلقوا سراح الرعاة بعد ساعة من اعتقالهم، فأجابه الجندي عبر الهاتف وشرح له بأن هذا كان “عقاباً ردعياً حتى لا يعودوا إلى القيام بالأمور التي قاموا بها”. ما الذي فعله الرعاة؟ كانوا يرعون. والجنود؟ أذعنوا للأمر. كيف؟ إذا كان الرعاة فلسطينيين يجب إبعادهم مع قطعانهم، أو حسب أقوال الجندي الذي يقول الحقيقة: “لقد ذهبوا مع قطعانهم واجتازوا شارعاً، وعندما طلبوا منهم إخلاءه لم يوافقوا، هذا التقرير الذي تلقيته”.

ولأن الأغنام الفلسطينية لم تتعلم بعد هضم الإسفلت أو الحصى، فلنفترض أنها لم تقطع الشارع، بل مرت عليه في طريقها إلى الأعشاب. أجاب الناشط بأن إغلاق الشارع يعد أمراً غير سليم، لكنه تساءل: أهذه وظيفة الجنود المسلحين.. أن يبعدوا الأغنام عن الشارع؟ “تعرف أنني لست الذي يقرر”، أجاب الجندي، لكننا “في مناطق ج المسؤولون كجيش أيضاً عن الأمن والجانب المدني”. أي أن الناشط استنتج أن الاعتقال ليس نزوة لجندي خرق أمراً. “صحيح”، أكد الجندي. “هذا من أجل الردع، لأن هذه هي الأمور التي تجري باستمرار”. عاد الناشط وتساءل بصوت عال “هل اعتقدت أن القاضي سيفرض عقوبة؟” أجابه الجندي بنزاهة: “هذه قرارات جاءت من مستويات عالية جداً. يعتبر قائد اللواء هو القاضي في مناطق ج، وهذه هي سياسة دولة إسرائيل”.

لا يعرف الجندي، أو أنه أصبح مروضاً إلى درجة أنه لا يريد أن يعرف بأن العائلات الفلسطينية التي في “سمرة” تعيش هناك منذ عشرات السنين في الوادي المخبأ تحت المنحدرات الغربية لجبال أم زوكا التي تقع شمال وادي الأردن. خلال عشرات السنين قاموا بتربية الأغنام وإخراجها إلى مراعي المنطقة، بل زرعوا القمح والشعير لاستهلاكهم الشخصي. في أعلى الجبل موقع عسكري لكتيبة “أسود الأردن”، وفي بداية 2017 أقيمت قربه بؤرة استيطانية غير قانونية باسم “مزرعة أوري” على اسم من إقامها.

من أجل تربية الأبقار وإضافة مبان وتمهيد أرض ومد أنابيب مياه، فإن شخصاً واحداً لا يكفي (حتى لو كان ابن عائلة مستوطنين مشهورة ومخضرمة، كما قال لي). منذ إقامة البؤرة الاستيطانية أصدرت الإدارة المدنية ضدها أوامر لوقف العمل، وما زالت هذه سارية المفعول. الاستنتاج؟ هناك جهة أقوى تمنع تطبيق القانون. مجالس محلية للمستوطنين، مجلس الضفة الغربية وغزة؟ لواء الغور؟ رئيس الحكومة؟ التخمين جيد مثل تخميني. في الوقت نفسه يتجول إسرائيليون يهود في المنطقة بسيارات جيب أو مع قطيع من الأبقار السمينة، ويطردون الرعاة من “سمرة” بصور شتى وغريبة، أو أن ينكل بهم الجنود بدلاً من المستوطنين. أي يعتقلونهم ويحتجزونهم ويبعدونهم، بمن فيهم نشطاء يعارضون الاحتلال ويرافقون الرعاة الفلسطينيين.

أرفق تسجيل أقوال الجندي باستئناف الـ 33 ناشطاً إسرائيلياً ضد ما يقوم به الجنود من تغطية عيون الرعاة الفلسطينيين في غور الأردن، الذين يحتجزونهم بشكل روتيني لعدة ساعات. الالتماس أجبر القادة (قائد لواء الغور العقيد اودي تسور، وقائد منطقة الوسط الجنرال نداف ايدن، والمستشار القانوني لمنطقة يهودا والسامرة العقيد ايال طوليدانو) على الاعتراف بأن الجنود الذين قاموا بتغطية عيون المعتقلين الفلسطينيين عملوا خلافاً للتعليمات المكتوبة، ووعدوا بأن يشددوا الإجراءات بحيث لا يتكرر هذا الأمر. كما يظهر من رد النيابة العامة في الأسبوع الماضي، نفى القادة أقوال الجندي في إدارة التنسيق والارتباط بأن عمليات الاحتجاز نفسها استهدفت إبعاد الفلسطينيين عن مناطق ج، وأن الأمر جاء من قائد اللواء.

ولكن الحقائق على الأرض تتحدث. نموذج العنف المشترك للمستوطنين والجنود واضح وبارز، وموجود في 7 بؤر استيطانية غير قانونية أقيمت في غور الأردن ومحيطه. هذا العنف انضم إلى طبقات أقدم من العنف المؤسس الذي تستخدمه إسرائيل منذ 1967 من أجل أن يبقي الغور فارغاً من الفلسطينيين قدر الإمكان. نعود ونذكر للمرة المليون: السيطرة على مصادر المياه والإعلان عن مناطق نيران ومحميات طبيعية ومستوطنات ومصادرة أراض وهدم بيوت وحواجز وبوابات حديدية وحفريات عميقة، وفي ظل هذه الشروط القاسية من الملاحقة الرسمية، فإن الوحدات التي تصمد هي تجمعات الرعاة الذين اعتادوا على الاكتفاء بالقليل.

بقلم: عميره هاس

 هآرتس 18/8/2019

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية