(1) رئيس الوزراء الجزائري عبد المالك سلال أصدر توجيهات أو قرارات باتجاه ‘تشبيب’ الإدارة ومناصب المسؤولية (جريدة الخبر ـ عدد 2 تشرين الأول/أكتوبر). وفي التفاصيل أن المقصود إبعاد الذين تجاوزوا الستين من العمر والتقليل قدر الإمكان من إعادة توظيف المتقاعدين بعقود مؤقتة مدفوعين بالحاجة المادية والفراغ الإجتماعي (وإلا ماذا يضطر رجلا أفنى 35 أو 40 عاما من عمره يعمل بدون انقطاع ليعود إلى العمل ولم يبق في عمره وصحته إلا النزر اليسير؟).
ظاهريا، هو شيء يشرح القلب اتخذه الوزير الأول. أما في العمق، وبجد، هي نكتة أرادها سلال الذي يروي صحافيون اقتربوا منه إنه صاحب نكتة وروح مرحة.
لعل السيد سلال نسيَ أن الجزائر محكومة برجال بلغوا شتاء العمر، يتقدمهم رئيس الدولة الذي يزحف نحو الثمانين، ونائبه في وزارة الدفاع الذي تجاوزها! وأصغر وزير في الحكومة لامس الستين. المشكلة ليست في العمر، فكم من شاب بعدد السنوات تخاله في الثمانين، وكم من سبعيني أو ثمانيني تقول عنه في بداية ثلاثيني (تولى وزارة الإعلام في بداية التسعينات شاب في الثلاثين قفز إليها من الصحافة فكان أسوأ من الشيوخ عتاة الحزب الواحد الذين مروا على تلك الوزارة). إنما المشكلة في محاولة تضليل الناس، إذ كلما لاحت في الأفق مشكلة شعبية عولجت بالتصريحات المسكـّنة التي ينساها اصحابها بعد ايام معدودات. فإذا ما بدت علامات غضب عن غياب وظائف بسبب كثرة ‘الشيوخ’، جاء السيد سلال ليصدر تعليماته التي لن يكترث لها احد.
كان أفضل أن يحدد السيد سلال سن التسعين كسقف للذين لا يحق توظيفهم مجدداً، لأن أبناء الاستقلال يقتربون الآن من الستين وأغلبيتهم الساحقة لم تبدأ عمرها ـ في الشأن العام ـ بعد. أما الأجيال الأخرى فلها الانتظار والله مع الصابرين.
(2)
السيد عمار سعيداني الأمين العام لجزب جبهة التحرير الوطني يراسل الزعيم التاريخي مؤسس جبهة القوى الإشتراكية حسين آيت أحمد ويناشده البقاء في السياسة والانضمام إلى قافلة بناء الجزائر الديمقراطية (باعتبار أن جبهة التحرير مدرسة في الديمقراطية وسعيداني أستاذها!).
من يعرف ولو قليلا حسين آيت أحمد وردات فعله، يتمنى مثلي أن يكون حاضرا لحظة استلامه تلك الرسالة ثم قراءتها فتعليقه عليها (هذا إن كان استلمها فعلاً وقرأها). حاولت أن أتخيـّل أو أجد نقاطا مشتركة بين الرجلين، فعجزت.. لا ماضي ولا حاضر ولا مستقبل، لا سياسة ولا ثقافة ولا خبرة في الحياة. لا شيء على الإطلاق.
حاولت أن أشرّح لنفسي اسباب لماذا وكيف تجرأ سعيداني على مناشدة آيت أحمد، فعجزت.
ثم اهتديت إلى ما لم أتمن أن يحدث لجبهة القوى الإشتراكية، أقدم أحزاب المعارضة في الجزائر: لولا شعور ـ وربما اقتناع ـ سعيداني بأن هذا الحزب أصبح مجرد حزب ‘آخر’ يمكن أن يصغي إليه، لمَا تجرأ على التفكير في مراسلة رئيسه آيت أحمد.
(3)
ـ السفير الفرنسي لدى الجزائر آندريه باران يزور مقري حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وحركة مجتمع السلم والتقى قادتهما وبحثا معهما قضايا سياسية داخلية وإقليمية.
ماذا أصاب هذا السفير؟ وما الذي لا يعرفه حتى يبحث عنه عند قادة حزبين يحاولان ترقيع عذرية فقداها منذ سنوات وانتهت صلاحيتهما البيولوجية والسياسية؟
من الوهلة الأولى، تبدو خطوة ذكية: فالسفير اختار حزبين على طرفي نقيض. الأول بربري علماني غربي التوجه، والثاني إسلامي عربي الثقافة والهوى. لكن التناقض الحاد بينهما لم يمنعهما من اقتسام حضن واحد هو حضن السلطة المدعومة من الجيش في التسعينات، وفي دعم بوتفليقة كمرشح رئاسي اختاره الجيش والمؤسسة الأمنية والمشاركة في حكوماته المتعاقبة. عاثا الحزبان فساداً في كل العمل السياسي والحزبي في الجزائر، ثم قالا: كفى! لا بد من الابتعاد عن بوتفليقة. وجاءت زيارة ـ نكتة ـ السفير الفرنسي الذي تصرف وكأن حكومة أخرى غير حكومة بلاده هي التي تعرف كل ما يجب أن تعرف عن أهل السياسة والحكم في الجزائر، بدءا (أو انتهاءً؟) بالملف الصحي لرئيسها.
لكن ربما يجب البحث عن ظروف مخففة لسعادة السفير قبل القسوة عليه، ومنها أن الجزائر جـُرفت سياسيا وهي الآن أرض بور لا ينفع فيها شيء على يد هؤلاء الذين نراهم كل مساء على شاشة التلفزيون. ولعل سعادة السفير أدرك بحنكته أن الذي جمع الحزبين المذكورين في حضن السلطة ذات يوم، يتيح لهما اليوم معرفة ماذا يـُطبخ في الغرف المعتمة، أكثر من غيرهما.. ففي نهاية المطاف هما صاحبا حظوة لا يمكن ان تزول لمجرد أن قررا بدء رحلة استعادة العذرية.
(4)
الجزائر تعيش أزمة بنزين! البلد الذي تحفر بيدك فتستخرج نفطا وغازا يعيش أزمة بنزين ووقود.
كيف وصلت بها الحال إلى هذا الدرك؟ هناك أطراف عدّة تستحق الشكر والثناء، فقد اجتهدت واجتهدت حتى تحققت هذه المعجزة.. أطراف كلها تتقاسم كفاءة عالية في التسيير وعبقرية في الإدارة حتى احتارت كيف تتعامل مع ‘مشكلة’ اسمها الوقود: مرة يحددون سقف تزود الناس في مناطق الغرب لمنع التهريب الى المغرب، فتنشأ أزمة تمتد بسرعة البرق الى وسط البلاد. وأخرى يفعلون الشيء ذاته في الشرق فتحدث نفس الكارثة ويصطف الناس أمام محطات الوقود كأنك في بلد يعيش حصارا عالميا أو حربا ضروسا.
آخر تفاصيل هذه الحالة العجيبة كشفتها صحيفة ‘الخبر’ (الخميس 10 أكتوبر): الجزائر، عن طريق سونطراك، استوردت من إيطاليا وقودا لا تتوفر فيه المقاييس الدولية كما هو متعارف عليه!
الغش والفساد مرة اخرى. يبدو أن لا مفر منهما. ولسبب ما إيطاليا في صلب الموضوع. هذه ‘الإيطاليا’ وشركاتها هي الطرف الاساسي في قضايا الفساد والغش والرشاوى التي تلطخت بها الجزائر وزكمت رائحتها الأنوف. إذا سألتهم سيقولون: ‘عادي.. كل دول العالم فيها فساد’. تلكم هي العبارة المخلّصة!
(5)
ـ عدوى الفنانين المصرين اصابت نظراءهم الجزائريين. 19 فنانا جزائريا دخلوا الأستوديو لتسجيل أغنية مشتركة تندد بالفتنة و’الخلاطين’ الذين يضمرون الشر ويتمنون أن تراق فيها الدماء (الشروق عدد الخميس 2 أكتوبر).
فنانون ‘ذاهبون للحج والناس راجعة’! هل بقي من يسعون لإشعال نار الفتنة في الجزائر؟ أليست هذه بداية حملة مبكرة للرئيس بوتفليقة الذي يراد أن ترتبط الجزائر باسمه فيتساوى معها؟ ثم أليست الفتنة بعينها هي هذا الفساد المستشري في كل مستويات الدولة بشكل لم يسبق له مثيل؟
لا ضير أن يكون هناك فنانو بلاط، بل لا ضير ان يتحول كل من يشاء في الجزائر إلى فنان بلاط.. إلا أن بعض الذكاء مفيد وبعض الحياء ضروري.
‘ كاتب صحافي من الجزائر
شكرا لتوضيح والاعتذار والاهم ألف شكر لك على المقال.
بالحقيقة كنت واقعة بنفس الخطأ وأظن كما ظننت أنت..
المقال جدي ومكتوب بلغة راقية ..
يستحق التأمل والقراءة .
شكرا اخي الكريم عل المقال الجميل. المشكل ان الجزااريين يعرفون هناك سلطه فاسده وان هناك نهب وسرقه وتوريث للحكم و يقوولون الحمد لله مازال الخير الذي يسرق #ربي يزيدو #