عجيب أمر فئة من الليبراليين العرب، إذا رأيتهم يتحدثون عن قيم الليبرالية من حرية ومساواة، ترى أعينهم تفيض من الاستبشار والاعتزاز والاطمئنان والفخر وهم يرددون أسماء مفكرين غربيين، في الوقت الذي لا يكادون يذكرون شيئا عن قيم الإسلام العظيمة التي سبق بها الغرب، إذ ان فضله في تقرير الديمقراطية غير مسبوق، إذ أن الديمقراطية الإسلامية تقوم على أربعة أسس: المسؤولية الفردية، عموم الحقوق وتساويها بين الناس، وجوب الشورى على ولاة الأمور، التضامن بين الرعية على اختلاف الطوائف والطبقات، وهو ما ذهب إليه الاستاذ عباس العقاد في كتابه القيم ‘الديمقراطية في الاسلام’، مؤكدا كل جانــب بالآيات والأحاديث والبراهين. أذكر في سني عمري الجامعية أن ترسخ في ذهني أن دعاة الليبرالية العربية كاذبون، إذ رأيت أحدهم ـ أستاذا جامعيا وناقدا مشهورا حيا يرزق- يسخر من إحدى الطالبات المحجبات، واصفا حجابها بأنه غطاء على الفكر. كان هذا الموقف كافيا لأخذ انطباع سيئ عن هؤلاء الليبراليين الذين فقط يريدون حريتهم ومتعتهم، بينما يحرمون الناس منها. ولست هنا في معرض الحديث عن الحجاب في الإسلام، وأنه ليس هناك حجاب في الاسلام بمعنى الحجر والحبس والمهانة، ولكنه مانع الفتنة والغواية، كما ذهب الى ذلك الاستاذ العقاد في كتابه الشائق ‘المرأة في القرآن’. النموذج الثاني لليبراليين كاذبين هو أيضا لناقد مشهور لا يزال حيا يرزق أيضا، عندما ذهبت إليه إحدى الكاتبات لإهدائه روايتها الجديدة، فما كان منه إلا أن طردها، ورفض أن يستقبلها، لا لشيء إلا لأنها منقبة، وهو الموقف الذي تكرر أخيرا من منع إحدى المنقبات من المشاركة في إحدى المسابقات الأدبية في إحدى الدول الخليجية. أية ليبرالية هذه؟ أهي ليبرالية القمع والحجر والرأي الواحد؟ أم ليبرالية المزاج والأهواء والانتقاء؟ مثل هؤلاء الليبراليين الكاذبين، سبب رئيسي في أزمة الهوية التي تعيشها الأمة الإسلامية، لأنهم أرادوا أن يباعدوا بينها وبين دينها وقيمها وأصالتها، وصوروا كل من يفعل ذلك بأنه متخلف ورجعي ومعاد لحركة الحداثة. لا ندري سببا لعداء هؤلاء لدين عظيم مثل الاسلام، الدين الذي يحض على العلم في العشرات من آياته، نذكر منها ولا نعدها ‘ قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن’، ‘ قل هاتوا برهانكم هذا ذكر من معي وذكر من قبلي’، ‘يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات’. قيم المساواة والحرية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية التي يتشدق بها هؤلاء متحققة في القرآن الكريم منذ أكثر من ألف وأربعمئة عام. هل من جدوى لأن نوجه هؤلاء ليخلصوا النية، ويقرأوا قوله تعالى ‘وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره’. أرأيتم التسامح واحترام الآخر مهما كان شأنه من الوقاحة وقلة الأدب، فالاعراض مؤقت وإلى حين، وليس التجاهل التام والاحتقار الذي يمارسه دعاة الليبرالية الكاذبة. أم ترى ثمة فائدة من تذكير هؤلاء بأن القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي نزل فيه عتاب لنبيه الكريم غير مرة من آياته ‘عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين’. ‘ عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى’. أخيرا إذا كان هؤلاء يتحملون مسؤولية التنكر لدين عظيم، فإن عامة الأمة، مسؤولون لنكوصهم عن فهم دينهم، وتقديم نموذج راق له، نموذج التحضر والرقي والتسامح واحترام الآخر، وأدب الحوار، وآن لهم أن يفعلوا، قبل أن يأتي يوم يندمون فيه، ولات حين مندم.