غني عن القول ان كل أنظمتنا التربوية والاجراءات العقابية ستبقى عاجزة عن ردع السلوكيات المشينة اذا ما انعدمت الرقابة الذاتية والضمير الحي. وحتى الرادع الديني سيصبح مجرد واجهة استعراضية اذا لم يتجذر الحس الاخلاقي الداخلي والسلوك المهني الرفيع . والأمثلة متعددة على السلوكيات ‘غير الحميدة’ فالطبيب الجراح قد يسوق المريض لغرفة العمليات قبل أن يتأنى بتشخيص المرض بدقة خوفا من ان يفلت المريض، أو قد يعرضة لجملة فحوصات باهظة غير ضرورية، وقد يخرب طبيب الاسنان أسنانك حتى تصبح زبونا دائما عنده، وقد تؤدي ممارسات طبية- تمريضية خاطئة في أحد المستشفيات (الذي يدعي التميز!) لفقدان حياة مريض، أو لحدوث علة صحية مزمنة! والاستاذ الجامعي قد يبيع مادة نظرية للشركات متبجحا بمعرفة عملية لا يملكها، والناشر الجشع الذي لا يعترف بحقوق المؤلف المالية، والمدراء في بعض الشركات قد يتظاهرون بحبهم لمصلحة شركاتهم بينما يعملون خفية على تخريبها داخليا بالرواتب الخيالية وبالفساد والمحسوبية، ولن اسهب بالحديث عن مختلف السلوكيات المشينة كممارسات سائق التكسي والموسرجي والسباك وميكانيكي السيارات وبائع البقالة وحتى المهن الراقية لا تخلو من مثل هذة السلوكيات كالتاجر والمحامي والمهندس، فالكل يشهد على حالات غش وخداع وتضليل أدت لمعاناة وهدر للجهود والوقت والمال! والمتأمل لشوارعنا يجد العجب العجاب، فحالات التجاوز في الممارسات وانظمة السير لا تعد ولا تحصى.. وتربيتنا المنزلية لا تعتمد في الغالب على بناء حس المواطنة وانما تعتمد على المظاهر وتضخم الشعور بالأنا والفردية، فالطفل يفهم منذ نعومة أظفارة بانه يجب أن يكون الاول (ليس بمفهوم التفوق الدراسي)، والمدارس تنمي حس الفردية والتنافس بدلا من تنمية الشعور الجماعي واساليب عمل الفريق كما يفعل اليابانيون. وما زلنا نتذكر قصص نصابي البورصة الوهمية الذين نصبوا وسرقوا وغشوا في وضح النهار وكذلك حالات التسمم الغذائي الناتجة عن تلوث الطعام وفساد الضمائر والذمم! وحتى المهن التي تبدو محصنة أمام السلوكيات الرديئة لا تخلو أيضا من بعض الممارسات والمواقف المنفرة مثل الصحافة والفضائيات والاعلام والاستشارات وغيرها.. وكمثال المستوى الرديء لبعض المسلسلات من حيث سخافة السيناريو وركاكة الاخراج وضعف الاداء وخلوها من المنطق الدرامي وعناصر الاقناع، ولنشير بخجل لحالات الخداع والادعاء في قطاع الاستشارات الادارية حيث اصبح كل من حضر دورة متخصصة وأنجز عرضا توضيحيا خبيرا لا يشق لة غبار! وخذ أمثلة اخرى لكتاب اعمدة ومقالات’يسلقون’ مقالاتهم ولا يبذلون جهدا لتحضيرها، أو كمذيعي برامج فضائية يظهرون أحيانا كالمهرجين، أو كموظفي قطاع عام وشركات يمارسون الاستعلاء والجشع على عباد الله! والغريب أن الاسلام كدين سماوي عالمي يزخر بكم هائل من الايات والاحاديث النبوية والمقولات والماثر والسلوكيات التي تحث بمجملها على الاستقامة في التعامل وتجنب الغش والاحتيال (من غشنا فليس منا)، كما تؤكد على عناصر على جملة ضوابط سلوكية واخلاقية منها النظافة والطهارة والاستقامة في القول والعمل. وعندما يحاول المرء مناقشة مناحي السوء بأنماط حياتنا وأنشطتنا تجد فورا من يتهمك بالمبالغة والتنظير! لقد أخذنا من الغرب كل شيء تقريبا والمطلوب أن نضع ‘مواصفات جودة وذوق’ لمعظم الممارسات المهنية وأن تكون واضحة لا لبس فيها، وأن نقود في مجتمعاتنا العربية الواعدة حملات توعية شاملة تجعلنا نفيق من سباتنا التاريخي ونزاحم الامم المتحضرة . لقد شبعنا من ‘بازار’ جوائز التميز حتى أصبحنا نتوهم بالفعل بأننا متميزون ومنجزون عكس الواقع الحقيقي المليء بالممارسات الرديئة والانجازات المتواضعة، ومن المنطق تسليط الاضواء على حالات الاخفاق بهدف التصحيح وأخذ الدروس والعبر، وأقترح هنا (للطرافة) أن يتم تشكيل لجنة من الباحثين والادباء والمهندسين والفنانين والخبراء الحقيقيين وذلك بهدف فرز الانجازات والاعمال السيئة واعطاءها جوائز سنوية وذلك اسوة بالجوائز التي تمنح سنويا للاعمال والانجازات المتميزة وعلى كافة الاصعدة الادبية والفنية والهندسية والعقارية أو المعمارية! حسب اعتقادي المتواضع فان معظم ممارسات الغش والخداع والتضليل والتشوية تنبع اساسا من انعدام حس المواطنة وضعف الانتماء، فالذي يستخدم المياة العادمة لسقاية الخضروات او الذي يبيع معلبات فاسدة أو يستخدم صهاريج النضح الفارغة لنفل الزيوت النباتية أو حتى الذي يجمع مدخرات المواطنين في بورصات وهمية كاذبة، كل هؤلاء لا يملكون الحد الادنى من الشعور بالمواطنة والانتماء بل ويملكون كرها مبطنا لمجتمعاتهم ومواطنيهم بالاضافة لانانيتهم وجشعهم ولا يختلفون بالجوهر عن اللصوص ومروجي المخدرات! وانهي مقالتي بقصة ‘أبو بريص’ الياباني، وهي حكاية ذات دلالة معبرة، فقد اكتشف مواطن ياباني بمحض الصدفة أثناء تعزيلة لمنزله وجود ‘أبو بريص’ وقد اخترقة مسمار وجعله غير قادر على الحركة، وتملكة الفضول فراقب الحيوان لساعات ولاحظ أن هناك ‘ابو بريص’ اخر يزور ذلك المعلق من وقت لاخر ويزوده بالطعام من حين لاخر مما أبقاه حيا لسنوات! انه حس المواطنة واحترام الاخر والضمير الحي الداخلي هو الذي يفعل السحر ويجعلنا نتعايش بنزاهة وعدالة في مجتمعات يسودها الخير والتكافل. مهند النابلسي [email protected]
أخي كاتب المقال المحترم……تحية تقدير ….لقد وضعت بوصفك الدقيق لحال مجتمعاتنا اليد على الجرح كما يقول المثل ….. فواقعنا محزن ومخز في نفس الوقت وذلك بما كسبت أيدينا أو ايدي الكثير من أبناء امتنا التي يفترض أنها خير أخرجت للناس…..فالظلام الذي نعيشه اليوم هو نتيجة حتمية لظلمنا لأنفسنا وكذلك ظلمنا لغيرنا…. فلا رجاء لصلاح آخرنا إلا بما صلح به أولنا … ولا بد من عودة صادقة إلى الله سبحانه بكل ما في هذا من معاني ومبادئ ….ولا بد كذلك من وضع ضوابط أخلاقية ومهنية في مجالات حياتنا تكون ملزمة لجميع الناس بالعدل …. هذا في حال اردنا النهوض من كبوتنا المزمنة ومحاولة اللحاق بباقي الامم … وان لم نفعل فلسوف نمضي بقية الدهر بين الحفر….
أخي كاتب المقال المحترم……تحية تقدير ….لقد وضعت بوصفك الدقيق لحال مجتمعاتنا اليد على الجرح كما يقول المثل ….. فواقعنا محزن ومخز في نفس الوقت وذلك بما كسبت أيدينا أو ايدي الكثير من أبناء امتنا التي يفترض أنها خير أخرجت للناس…..فالظلام الذي نعيشه اليوم هو نتيجة حتمية لظلمنا لأنفسنا وكذلك ظلمنا لغيرنا…. فلا رجاء لصلاح آخرنا إلا بما صلح به أولنا … ولا بد من عودة صادقة إلى الله سبحانه بكل ما في هذا من معاني ومبادئ ….ولا بد كذلك من وضع ضوابط أخلاقية ومهنية في مجالات حياتنا تكون ملزمة لجميع الناس بالعدل …. هذا في حال اردنا النهوض من كبوتنا المزمنة ومحاولة اللحاق بباقي الامم … وان لم نفعل فلسوف نمضي بقية الدهر بين الحفر….