بعد الانتخابات الأخيرة شعر المصوتون العرب بقوتهم، صنيعة أيديهم، وضعوا أصواتهم حاجزًا منيعًا لنتنياهو وأحزاب اليمين المتطرف من تشكيل حكومة، ازداد حضورنا السياسي والإعلامي. جدّدنا وحدتنا وصعدنا معًا من عشرة نواب إلى ثلاثة عشر نائبا، وكانت لوزننا أهمية في عدم الحسم بين المعسكريْن! وعشية الانتخابات البرلمانية الثالثة خلال أقل من سنة، تلمس بأنّ ثقة شعبنا بنفسه وبقيادته في تعاظم في الشهور الأخيرة.
في مرحلة التوصية على بيني غانتس لرئاسة الحكومة كان هدفنا واضحًا وحادًا، وهو منع نتنياهو واليمين المتطرف من تشكيل الحكومة. انطلقنا أولاً من التزامنا السياسي ووعدنا لشعبنا بأن نسعى لإنهاء عصر بنيامين نتنياهو واليمين المتطرف، وكنّا نسعى أيضًا للخروج من كهف اللاشرعية، الذي لم ينجح نتنياهو بزجّنا فيه إلا عند انضمام «اليسار الصهيوني» إلى اليمين منذ عام 2000 على وجه الخصوص، وليس فقط من خلال التحريض الأرعن على جماهيرنا العربية وقياداتها، وإنما من خلال موجة تشريعات عنصرية غير مسبوقة ترمي بالمحصلة إلى نزع شرعيتنا.
خضنا معركتنا الانتخابية الأكثر تسييسًا منذ سنين، حيث الشعار المركزي: «مشتركة أكثر، يمين أقلّ»، في مواجهة مباشرة ومركزية مع اليمين الحاكم، وليس على هامش الخريطة السياسية. نحن ندرك مكامن شرعيتنا ومصادر قوتنا، وهي أولا كوننا أصحاب الأرض وأهل البلاد الأصليين، وهذا هو الأساس الأصلب لشرعيتنا. وثانيًا مواطنتنا المترتبة على انتمائنا، وما يترتب عليها من قوة سياسية يمكن أن تكون وازنة ومؤثرة على الساحة السياسية في إسرائيل، وثالثًا كوننا منتخبين ديمقراطيًا من المواطنين وجماهير شعبنا، وكلها مصادر شرعية جوهريّة. ولكننا نعرف أيضًا أن خطاب الحقيقة والمحقّين لوحده غير كافٍ للتأثير السياسي، فلا بدّ من أن نفرض الاعتراف بنا وبمكانتنا وشرعيتنا. وهذا ما سعينا إليه عبر فرض اللقاء العلني بيننا وبين غانتس وممثلي كحول لافان، وطرح القائمة المشتركة وحضورها طيلة شهرين كلاعب سياسي لا يمكن تجاهله، وذلك بخلاف العشرين سنة الماضية.
المساواة الجوهرية، القومية واليومية، لن تتأتى بشكل كامل بدون إنهاء أمرين: الاحتلال ويهودية الدولة
في الانتخابات والعمل السياسي لدينا فرصة لمخاطبة المجتمع الإسرائيلي فوق رؤوس الأحزاب الأيديولوجية المناهضة. وفي امتحان النتيجة تصاعد تأييد الشارع الإسرائيلي لأن نكون جزءًا مؤثرًا بالقرار السياسي، إلى نسبة غير مسبوقة منذ تسعينيات القرن الماضي، حيث بيّن استطلاع مانو جيفع (11 نوفمبر/تشرين الثاني 2019) أنّ 56% من مصوتي كحول لافان يؤيدون أن تكون المشتركة جزءًا من القرار السياسي.
في مرحلة بلورة الخطة الاقتصادية 922 قبل بضعة أعوام ظهر تحد في مواجهة سياسة اشتراط الحقوق، أو حتى الميزانيات بالموقف السياسي. لم تنطل علينا عقلية «السلام الاقتصادي» لنتنياهو، فمن خطة 922 إلى قانون القومية إلى ورشة البحرين حللنا ونفذنا الى عمق هذه العقلية، لكننا بالمقابل لم نتنازل للحظة عن المعركة السياسية الجريئة والمثابرة بلا هوادة ضد نتنياهو واليمين. ونعتزّ بأنّ أكثر من 90% من رؤساء السلطات المحلية، المشاركين بالخطة 922، جنّدوا جماهيرنا من أجل تقوية القائمة المشتركة والمساهمة العنيدة لإسقاط نتنياهو واليمين. لقد شدّدنا بقوة خلال الأشهر المنصرمة على النضال الشعبي بامتياز، ضد العنف والجريمة وبصلبه إغلاق الشوارع الأهم في الدولة، وإلزام المؤسسة بالتعامل بجدية مع حقوق المجالس المحلية المعروفيّة، وساهمنا في منع مصادرة 300 دونم أرض من أراضي الملّ، ناهيك من قضايا الطلاب والجامعيين إلخ. وفي ليلة العدوان على غزة، كانت المظاهرة الوحيدة التي انطلقت بالعالم أجمع، ليس فقط في اسرائيل وفي الشرق الأوسط، هي مظاهرة الجبهة والحزب الشيوعي في عقر تل أبيب!
القضية المدنية لا ينفصم عُراها عن القضايا القومية. فهل يمكننا تجاهل جوهر التسييس في النضال ضد العنف؟ حيث كان هناك من يريد جرّنا إلى أسئلة مجتمعية داخلية حول الثقافة والتربية على حساب الأساس، وهو تواطؤ المؤسسة الحاكمة مع الجريمة والمجرمين، ونحن سيّسنا المعركة بأنها بمواجهة السلطة الحاكمة ومن خلال نضال جماهيريّ صميميّ.
إنّ المساواة الجوهرية، القومية واليومية، لن تتأتى بشكل كامل بدون إنهاء أمرين: الاحتلال ويهودية الدولة. وهذا أمر يعرفه كل مبتدئ بالعمل السياسي، ولكننا نعرف أيضًا أن رفع مكانة شعبنا، تعليمه الجامعي وأوضاعه الاجتماعية ومكانة نسائه بدرجات إضافية هو أمر ممكن بالكفاح الفردي والجماعي، وهذه المعركة التراكمية ليس فقط أنها ليست بديلا عن قضايانا الكبرى، وإنما تعزّز للناس الكرامة القومية واليومية، وتقوّي مكانتهم وتأثيرهم لصالح قضايانا الكبرى. فمن قوانين التطوّر الجدلي للمجتمعات أن تأتي التغييرات الكبيرة بعد أن يكون التراكم الكمي قد وصل ذروته وتبدأ عملية التطور النوعي.
ننطلق نحو الانتخابات الجديدة، مدركين أن الإنجاز الانتخابي سيكون حصيلة شهرين من التسييس على أوسع نطاق. فإذا استثنينا الأشهر النضالية العظيمة مثل التحضير ليوم الأرض الخالد، فالانتخابات هي فرصة لتنظيم مئات الحلقات البيتية والإصدارات المكتوبة والمرئية. وفي يوم الانتخابات تخرج مئات الآلاف من بيتها إلى الشوارع وصناديق الاقتراع، لتطلق صرخة حق وضمير بوجه سلطان جائر.
ننطلق بثقة كبيرة بشعبنا، بخطنا الوطني السياسي، ونتعاهد معًا على إحراز 15 مقعدًا غير مسبوق منذ عام 1948، يقوّي مكانتنا وتأثيرنا ويشكل سدًا بمواجهة عودة نتنياهو واليمين.
نحن شعبٌ يثق بنفسه!
رئيس القائمة المشتركة