مع نهاية كل عام، وإطلالة عام جديد، تصلني ولا بد تصل لغيري من الناشطين في المجال الإبداعي والفني، تلك الاستطلاعات المكررة، عن أفضل الكتب التي قرأتها، وأفضل الأفلام التي شاهدتها، وأفضل المشاريع التي أنجزتها، بافتراض أنني قرأت كتبا كثيرة وشاهدت أفلاما بلا حصر، وأيضا كانت لي إنجازات تستحق أن أنتقي منها الأفضل.
لقد ذكرت مرة في أحد الحوارات أن الاستطلاعات عموما فيها تضييع لكثير من الوقت، الذي من الممكن أن يستغل في نشاط آخر/ هناك استطلاعات قد لا تكون قريبة من تخصص الكاتب أو الشاعر، وبالرغم من ذلك يشرك فيها، وسألني مرة أحدهم عن رأيي في أداء وزارة الصحة لدولة لا أعرف عن صحتها أو مرضها شيئا، ولا أعرف لماذا حشرت في ذلك الاستطلاع. أيضا من الممكن جدا أن يسأل شاعر عن زلازل وإعصارات ومسائل مربكة في بلاد بعيدة، من دون مراعاة أن الشخص مجرد شاعر، قد يكون ملما بالقوافي والتراكيب اللغوية والنحو والصرف وأجواء بلاده التي يستوحي منها، ولا شيء آخر. وما زلت مصرا على أن المبدع عموما ليس بالضرورة ملما بكل شيء، حتى من يمكن أن يطلق عليه لقب مثقف، يظل مثقفا في مواضيع وبعيدا عن الثقافة في مواضيع أخرى. بمعنى أنني قد أكون محبا للقراءة والسينما والموسيقى، وملما بكثير من تفاصيل تلك الأنشطة، لكني لا أذهب إلى السينما إلا نادرا، ولا أتابع أفلام المواسم، ولا أتذكر أنني شاهدت مباراة لكرة القدم، منذ زمن طويل، وأي استطلاع للرأي في ما يخص السينما وكرة القدم، لن أكون صادقا ومتمكنا في الإجابة عليه.
بالنسبة لقراءة الكتب، تبدو مسألة انتقاء كتب معينة، وتسميتها أفضل ما قرأته خلال العام، صعبة للغاية، وقد لا يتذكر الشخص عدد الكتب التي قرأها ومواضيعها حتى، ليختار شيئا.
صحيح أن هناك قراءات تركز في الذهن، وتقفز الكتب العالقة، إلى الذاكرة بمجرد أن تأتي سيرة القراءة الجيدة، لكن أيضا لا يمكن أن نسميها أفضل القراءات، فهناك عوامل كثيرة تساعد في بقاء كتب في الذاكرة وضياع أخرى منها، مثل المواضيع والأسلوب، وأيضا المحبة، وهنا أعني محبة الكاتب، التي تؤدي إلى وجود اسمه مقرونا بالجودة، في أي وقت تذكر فيه الكتابة والقراءة. وغابرييل غارسيا ماركيز، هو اسمي الذي سأتذكره دائما حين أتذكر الكتب، و”الحب في زمن الكوليرا”، و”مئة عام من العزلة”، و”ريرنديرا الغانية”، تظل روايات سابحة في بحر الذاكرة، لا يهدأ ضجيجها.
لذلك يصبح سؤال أفضل الكتب عبئا، أكثر منه سؤالا قد تضيء إجابته دربا معتما. قد أرد باسم كتاب، رواية أو ديوان شعر، أو حتى كتاب غير إبداعي، ولن يكون ذلك رأيا بكل تأكيد، لأن كثيرين قد لا يتفقون معي في ما قلت. وأذكر في إحدى السنوات أنني ذكرت رواية لكاتب زميل بوصفها أفضل عمل قرأته في العام، وعاتبني كثيرون اختلفوا معي في الرأي، واعتبروا ذكري لاسم تلك الرواية، مجاملة مني لكاتبها. وحقيقة لا أذكر هل كنت فعلا معجبا بتلك الرواية؟ أم ذكرتها بغرض الإجابة عن الاستطلاع، الذي كان صاحبه ملحا؟ أم ماذا؟
بالنسبة للمشاريع التي يتم إنجازها في خلال العام، لكاتب معين، فحقيقة لن تكون كثيرة، وغالبا كتابا واحدا، أو لا شيء. وينبغي هنا أن يخرج سؤال الإنجاز من الاستطلاعات، ويضاف إلى الحوارات العادية، ويصبح: ما هي المشاريع التي أنجزتها في العام الماضي؟
هنا تتم الإجابة بارتياح شديد: إما أنجزت هذا الكتاب الذي سأذكر اسمه، أو ربما كتابين أو ثلاثة، أو كان عامي خاليا من الإنجازات للأسف، ولم أكتب شيئا. وبالنسبة للكتاب الذين تعودوا على إصدار كتاب كل عام، غالبا ستكون الإجابة ممتلئة باسم ما، عكس المقلين، الذين يصدرون كتابا كل عدة أعوام حيث تخلو إجاباتهم من التشويق، وهؤلاء لن يتحدثوا عن أي عمل تحت الإنجاز، لأنهم في الغالب يفكرون كثيرا، قبل إصدار أي عمل أو قبل الاقتناع بأنه اكتمل وجاهز للنشر.
نهاية هذا العام، ومع رحيل الكاتب الإسرائيلي المعروف عاموس عوز، وصلني سؤال ليس داخل استطلاع، وإنما داخل حوار طويل، كان المحاور يسأل عن رأيي في أدب عوز، وإن كان كاتبا مهما أم لا؟
لقد قرأت في الواقع كتبا عدة لعوز، منها “حنا وميخائيل”، وروايته المذهلة التي عدت سيرة له “قصة عن الحب والظلام”. وبالرغم من نظرة عاموس العنصرية للعرب، وأنه يحمل الفكر المتغطرس، والمزدري لأناس احتلت أرضهم، وشردوا من بيوتهم، واعتبروا إرهابيين وهم يقاومون إرهاب الدولة العبرية، إلا أنه مهم فعلا، وتأتي أهميته من كونه أضاء لنا جوانب كثيرة خافية من التفكير الإسرائيلي والمجتمع الإسرائيلي، وخلاصة أن لا تعايش يمكن أن يحدث بين العرب واليهود. وأظن إن لم أكن مخطئا، أن عاموس كان من أنصار وجود دولتين، ولم يكن داعية سلام كما يردد البعض.
عاموس مهم وكتابه “قصة عن الحب والظلام” من الكتب النادرة التي تستطيع قراءتها بسهولة، بالرغم من ضخامة الكتاب، وكونها سيرة متسخة وغير مغسولة كما نرى في كثير من سير الزعماء والمبدعين، يجعلها نموذجا واضحا ومهما لما ينبغي أن تكون عليه السير. وإن كنا لا نهتم كثيرا بأدب عاموس، ولا يهنا وجوده من عدم وجوده، إلا أن موته يمثل خسارة للأدب العبري بلا شك.
في النهاية لم أجب على أي استطلاع، ولم أردد ما كنت أردده في أعوام سابقة عن السنة الماضية، وقسوتها، وما فعلته في الناس، وما أتمناه في السنة الجديدة، من رحابة صدر. ذلك أن السنوات كلها غدت متشابهة، العام الجديد لن يفرق كثيرا عن الماضي، وربما يكون أكثر قسوة.
* كاتب سوداني
السلام عليكم
تحية طيبة مباركة
أستاذي(تاج فوق رؤوسنا وأمير مملكتنا الأدبية وسر الفضيلة)
فيما يخص رائعتك –حول استطلاعات الرأي- أرى فيها ما يقد يؤثر فينا ايجابا (بمن أنت معجب؟ بمن تأثرت؟ ما هو العنوان الذي تأثرت به وأثّر فيك؟ وغيرها من نمط هذه الأسئلة…)إنّي أجد فيها كثيرا من الإيجابية وتكون حافزا وسبيلا للإقتداء بمن لهم الشأن حتى تحاكهم وتقلدهم في سيرتهم الفنية تبغي القمّة التي أدركوها وأرى لابد للناشء في كل الميادين من قدوة ويمكن عن طريق الإستطلاع أن يقفوا أثرها…
وليس ببعيدا أنا أريد أن أقفوا أثرك نظرا لما تشتمل عليه روائعك من مهنية وفنية وتصوير الكلمة بكل أبعادها الأدبية…فكيف لي أن لا أطّلع على ما يعجب (سرّ تاج أميرنا) من خلال استطلاعات تخص مساره الأدبي –أكيد لست مثلك ولكن أريد أن أتشبّه بك-على حد قول الشافعي –رحمة الله عليه- أُحِبُّ الصالِحينَ وَلَستُ مِنهُم لَعَلّي أَن أَنالَ بِهِم شَفاعَه
تقبل مني أخلص التحيات سيدي وأستاذي(أمير تاج السر)
ولله في خلقه شؤون
وسبحان الله
أستاذ تاج السر … هذا التكتم المتعالي لم يعد يتقبله القارئ العربي ولا القارئة العربية …
القارئ العربي والقارئة العربية أكثر وعيا بكثير من ذي قبل !!!!
ما يبعث على الضحك بالفعل أن الأستاذ أمير تاج السر يثير مسألة ما يعجبه من الكتب
وفي نفس الوقت يترفع على البوح بما يعجبه من الكتب وكأنه سر من أسرار الكون العجيبة
إذا كنت لا تريد أن تبوح بذلك فلماذا أثرت هذه المسألة غير المهمة في الأصل ؟؟
ما يبعث على الضحك بالفعل أن الأستاذ أمير تاج السر يثير مسألة ما يعجبه من الكتب
وفي نفس الوقت يترفع على البوح بما يعجبه من الكتب وكأنه سر من أسرار الكون العجيبة
إذا كنت لا تريد أن تبوح بذلك فلماذا أثرت هذه المسألة غير المهمة في الأصل ؟؟
(وما زلت مصرا على أن المبدع عموما ليس بالضرورة ملما بكل شيء) …
اكتشاف الاكتشافات في القرن الواحد والعشرين فعلاً !!!!!
وهل هناك فعلاً من يلم بكل شيء على وجه الأرض ؟؟؟؟؟
الفرق بين الادب الاسرائيلي والذي يمثلة الكاتب عاموز عوز عن الادب العربي هو ان الادب اليهودي الاسرائيلي لا يستعمل المقص واللصق ،بمعني انة اكثر تحرراً وواقعية في نواحي كثيرة ،لذا المكتبة اليهودية المترجمة لها مكانة خاصة بالنسبة لي لما تحتوية من اشياء شيقة ومدهشة …
ابتسم والدي وجلس ينظر لمجموعة الكتب في الاهوتيات والتلمود وغيرها عندما وضعتها امامة ليتعرف عليها فهي نادرة في السودان ،ومن ضمنها رواية عاموس عوز ،فقلت لة اطلب منك كتابة مزكراتك بحكم ان كنت تدعو للعدالة الاجتماعية ولك تاريخ كبير وحافل بالاحداث ،فقال لي انا تركت لك جزءين ،فإبتسم وفهمت مايقصدة ،…اللهم ارحمة رحمة واسعة واسكنة فسيح جناتك …