إذا كان بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، قد أباح لنفسه السخرية من السلطات الإيرانية، على أساس (أكذوبة) حظر ارتداء بنطال الجينز في إيران، فلماذا لا يكون مباحاً لأحد أعضاء حكومته، وزير العلاقات الدولية يوفال شتاينيتس، أن يقارن بين اجتماع جنيف 2013، الذي انعقد قبل يومين، حول البرنامج النووي الإيراني، وميونيخ 1938، حين تنازلت بريطانيا وفرنسا أمام ألمانيا النازية؟ وعلى المنوال ذاته، لماذا لا يرى بشار الأسد في لقاء جنيف هذا، المخصص لبحث ملفات إيرانية صرفة (النووي، العقوبات الاقتصادية، انفتاح طهران على ‘المجتمع الدولي’ بعد انتخاب الرئيس الإيراني حسن روحاني…) تمريناً تمهيدياً على مؤتمر جنيف ـ 2 حول سورية، ولكن لصالح نظامه؟ أو ترى بعض أطراف المعارضة السورية، خاصة ‘الائتلاف الوطني’، المنتقل من عجز إلى فشل إلى تهميش إلى عزلة، العكس تماماً: أنّ تنازلات إيران، في تلك الملفات، إنما تضعف النظام السوري؟
ذلك لأنّ تصريحات التفاؤل، التي انهمرت تباعاً بعد انفضاض اجتماع جنيف، كانت تتراوح بين الحديث عن ‘الجدّية’ و’الجوهر’ و’التقدّم’، من جانب الولايات المتحدة وألمانيا والاتحاد الأوروبي، و’الاختراق’ و’المرحلة الجديدة في علاقاتنا’ مع المجتمع الدولي، من جانب إيران. وحده المندوب الروسي، سيرغي ريباكوف، شذّ عن القاعدة؛ فأشار إلى ‘المستوى المنخفض للغاية’ من الثقة بين الجانبين، واعتبر أنّ ‘التقدّم الإضافي غير مضمون’، و’لا سبب يبرّر الاندفاع إلى التصفيق’. هنا، أيضاً، بدا واضحاً أنّ حاجة الإدارة الإيرانية الجديدة إلى ‘حلحلة’ الأمور (بالنظر إلى عشرات المليارات من الدولارات التي تخسرها إيران في صادرات النفط وحدها، وانخفاض الريال الإيراني بمعدّلات قياسية ودراماتيكية، وتدهور الحياة المعيشية، جرّاء العقوبات الاقتصادية)؛ تلتقي مع حاجة مجموعة الـ 5+1، أو ‘المجتمع الدولي’ في الرطانة الدبلوماسية، إلى تحريك المياه الراكدة في ملفّ متفجر أصلاً، والأخذ بيد روحاني ـ ما أمكن الأمر وأتاحت الحال، بالطبع ـ في مواجهة المتشددين داخل بيت السلطة الإيراني.
الجوهري، مع ذلك، ظلّ كامناً في موقع آخر من المشهد، تمثله حقيقة أنّ إيران لم تدخل النادي النووي، بعد، رغم تشغيل مفاعل بوشهر؛ ولكنها اقتربت خطوة أخرى نوعية على طريق نادي النخبة الأثير ذاك، شاء القيّمون على قواعد التنسيب إليه، أم أبوا. فمن جانب أوّل، تظلّ قضبان الوقود النووي التي استُخدمت في التشغيل روسية الصنع والملكية، والبروتوكول ينصّ على إعادتها إلى بلد المنشأ بعد الاستخدام، رغم ما يتردد عن احتمال تمكّن إيران من انتاج الوقود النووي ذاتياً، عبر خلال تنشيط آلاف من أجهزة الطرد المركزي المتوفرة في منشأة نطنز. ومن جانب ثانٍ، لا ترقى نسبة تخصيب الوقود النووي، الذي ستؤمّنه القضبان الروسية في تشغيل المفاعل، إلى نسبة أعلى من 90 في المئة، المعدّل المطلوب لصناعة السلاح النووي. وأخيراً، ما دامت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تمارس الرقابة اللصيقة على هذا المفاعل، أو أي مفاعل إيراني آخر، بموجب البروتوكول الموقع مع روسيا أساساً، وهو تفصيل حاسم تعززت أهميته مؤخراً، في جنيف، بموافقة طهران على تفقد منشآتها؛ فإن انتساب إيران إلى النادي النووي يظلّ ناقصاً، ومنتقَصاً.
وهو نقصان محفوف بمخاطر أشدّ، وربما أبعد أثراً وعاقبة، من تلك البرهة في يوم 7/6/1981، حين دكّت القاذفات الإسرائيلية مفاعل تموز العراقي؛ أو البرهة الأخرى، يوم 7/9/2007، حين دمّرت قاذفات إسرائيلية مماثلة موقعاً عسكرياً في ‘الخُبر’، قرب مدينة دير الزور السورية، وتردد أنه مفاعل نووي قيد الإنشاء. وإلى جانب التهديد، الذي لا يهدأ التلميح إليه حتى يشتدّ مجدداً ويشتعل لهيبه أكثر، بضربة عسكرية قاصمة، إسرائيلية أو أمريكية أو حتى أطلسية؛ ثمة ذلك الخطاب الآخر الذي يضع البرنامج النووي الإيراني في قلب ما يُعرف باسم ‘الحرب على الإرهاب’، من جهة؛ وفي جوهر مخاطر ما يُسمّى ‘الإرهاب الإسلامي’، من جهة ثانية؛ فضلاً، بالطبع، عن البلاغة المعتادة حول واجبات الغرب في حماية الحلفاء المحليين.
وثمة جانب آخر في هذا التحريض، له أبعاد ثقافية وفنّية لا ينتظرها المرء دائماً بصدد سياقات كهذه، نموذجه الشريط السينمائي الوثاقي المسمّى ‘العدّ التنازلي لساعة الصفر’، من إخراج لوسي ووكر، الذي يستفتي آراء أمثال جيمي كارتر وميخائيل غورباتشيف وزبغنيو برجنسكي وجيمس بيكر وتوني بلير وف. د. دوكليرك وبرفيز مشرّف وروبرت مكنمارا وسواهم، حول مخاطر السلاح النووي. وإذا كانت هذه هي رسالة السطح في الشريط، فإنّ رسائل الباطن يُراد منها الباطل تحت قناع الحقّ البسيط، وهي بمثابة تحريض مطلق ضدّ قنبلة نووية ذات ديانة واحدة محددة، هي ‘القنبلة المسلمة’، وليس ضدّ مخاطر السلاح النووي في الإجمال. سوابق هذه الرياضة التأثيمية تكررت مراراً في الماضي، وكلما تعالى لغط حول اقتراب دولة إسلامية من امتلاك التكنولوجيا النووية.
نعرف، مثلاً، أنّ وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر، أحد أشهر الأسماء في تاريخ الدبلوماسية الأمريكية، هو الذي أطلق تعبير ‘القنبلة المسلمة’ في وصف البرنامج النووي الباكستاني. وهو الذي قسّم نوويات العالم، على أديان العالم: قنبلة مسيحية في الولايات المتحدة وأوروبا، وبوذية في الصين، ويهودية في إسرائيل، وسيخية في الهند، ومسلمة في الباكستان، و… ملحدة (نعم!) في الاتحاد السوفييتي المنحلّ! وقبل عقد ونيف، ولكي لا يحتكر أهل الغرب التعبير إياه، سارع عدد من المعلّقين العرب إلى إطراء التجارب النووية التي أجرتها الباكستان آنذاك، من منطلق مركزي ـ شبه وحيد تقريباً، وبروحيّة الحماس الصوفي ـ هو وضع تلك التجارب في خدمة ‘القنبلة المسلمة’.
وهذه مناسبة ملائمة للتذكير بحقيقة حاسمة، لعلّ البعض يتجاهلها أو يتقصّد التعتيم عليها، تفيد بأنّ البرنامج النووي الإيراني لم ينطلق في عهد الثورة الإسلامية الخمينية، بل قبل اندلاعها بما يقارب ربع قرن، في أيام الشاه رضا بهلوي. كذلك كان البرنامج جزءاً من ألعاب الشدّ والجذب بين واشنطن وموسكو، خلال عقود الحرب الباردة؛ ولهذا فإنّ الولايات المتحدة الأمريكية كانت هي الجهة التي رعت وأشرفت على تنفيذ البرنامج. وأمريكا، وليس سواها، هي التي زوّدت إيران بمفاعل نووي طاقته 5 ميغاواط، وهي التي زوّدته بالوقود اللازم، أي اليورانيوم المخصّب (ذاته… الذي يقيم الدنيا ولا يقعدها اليوم)، كما قبلت إقامة منشآت لتخصيبه في إيران.
وفي عام 1975 كان كيسنجر، نفسه، هو الذي وقّع ما عُرف باسم ‘مذكرة القرار الأمني 292’، التي أرست دعائم التعاون النووي الأمريكي ـ الإيراني، بقيمة استثمارية صافية تبلغ ستة مليارات (للمقارنة، لم تقبض موسكو، حتى اليوم، أكثر من مليار ونصف لقاء إسهامها في تطوير البرنامج النووي الإيراني). وبعد سنة فقط، وقّع الرئيس الأمريكي الأسبق جيرالد فورد أمراً إدارياً بتمكين إيران من شراء وتشغيل منشأة تتيح فصل البلوتونيوم (المرحلة الأعلى على صعيد تصنيع القنبلة النووية!)، بذريعة أنّ هذه التكنولوجيا سوف ‘تحرّر ما تبقى من احتياطيّ نفطي، وتضعه في التصدير’. كلّ هذا تمّ بمباركة وحميّة ودعم أمثال كيسنجر، ونائب الرئيس السابق ديك شيني، ووزير الدفاع الاسبق دونالد رمسفيلد، وأحد شيوخ المحافظين الجدد بول ولفوفيتز…
وأخيراً، في السياق ذاته، لم تكن حكومات ألمانيا وفرنسا وبلجيكا وإسبانيا والسويد بعيدة عن المساهمة في هذا البرنامج النووي، على نحو أو آخر، وحصلت على استثمارات بمليارات الدولارات من خلال مؤسسة Eurodif الإيرانية. الشركة الألمانية Kraftwerk-Union حصلت على عقد بقيمة 4 ـ 6 مليارات لإقامة مفاعل نووي للمياه الثقيلة في إيران، والشركة الفرنسية شبه الحكومية Cog’ma دخلت في شراكة مع إيران لتأسيس شركة الـ Sofidif لتخصيب اليورانيوم…
استذكار هذه الحقائق يخدم في فهم أولى قواعد الغرب بصدد إدارة الملفّ النووي الإيراني: التكنولوجيا النووية، حتى إذا كانت سلمية وبريئة بلا أظافر ولا مخالب، ممنوعة إلا على الحلفاء، والمقرّبين منهم حصراً؛ وهي مشروطة بأن تتمّ بأيدي الأخوة الكبار في الغرب عموماً، والأخ الكبير الأمريكي خصوصاً. وحين كانت إيران هي البلد الصديق الحليف، وكذلك البلد النفطيّ الغنيّ واسع الاستثمار في الغرب ومع الغرب، فإنّ التكنولوجيا النووية لم تكن مشروعة طبيعية مطلوبة فحسب؛ بل كانت في الآن ذاته عربون صداقة بين إيران وأمريكا كدولة مقابل دولة، وبين ‘كوجيما’ الفرنسية و’بوشهر’ الإيرانية كشركة مقابل شركة. وحين صارت إيران خصماً، بعد ثورة 1979 تحديداً، انقلبت الحال راساً على عقب في ما يخصّ ذلك التعاون، فصار رجيماً، شريراً، عسكرياً، غير سلميّ، لا يسمح به ‘المجتمع الدولي’، وتجب محاربته… بكلّ الوسائل!
والحال أنه من حقّ إيران، وكلّ دولة شرق ـ أوسطية تحديداً، امتلاك التكنولوجيا النووية لأغراض مدنية؛ وحقّها، كذلك، في وضع خيار التكنولوجيا النووية العسكرية نصب أعينها، ما دامت إسرائيل دولة نووية، ليس عليها حسيب أو رقيب أيضاً. والانتساب إلى النادي النووي، والنووي العسكري تحديداً، يبدو ضرورياً بالمعنى الستراتيجي، في حالات محدّدة؛ وكذلك في تطويق نزاعات لا يفلح في تطويقها إلا ‘خيار الدرجة صفر’، حين يهيمن توازن الرعب على شروط النزاع، وحين يفرض حال التساوي في الحدّ الأدنى من الخسائر الكارثية.
وليس جديداً القول بأنّ منطقة الشرق الأوسط، ضمن هذا التعليل، هي الوحيدة التي تحتاج إلى قنبلة نووية من النوع الذي يحقّق توازن الرعب، ويعدّل انفراد إسرائيل بهذا السلاح، ويضع النزاعات العسكرية خلف خطّ أحمر أدعى إلى تأمّل طويل قبل الانخراط في الحروب. وبديهي، في المقابل، أنّ مصالح إيران الوطنية والإقليمية، وموقعها على خريطة القوى الكبرى في الشرق الأوسط الكبير، هي أعلى دوافع البرنامج النووي الإيراني؛ وأعلى، بما لا يُقاس، من احتمالات أية أجندات أخرى تدعم هذا الطاغية أو ذاك، وهذا المذهب قبل سواه.
بديهي، استطراداً، أنّ روحية التفاوض التي شهدها اجتماع جنيف، وسيشهدها أغلب الظنّ اجتماع الشهر القادم المتمم، ذات صلة بسلسلة معقدة من معادلات الاشتباك الإقليمية التي تتقاطع في دول الخليج العربي، وسورية والعراق، وتونس ومصر، فضلاً عن تركيا… لكنّ حلقتها الأولى، القاطعة والحاسمة والأولى، هي الحفاظ على أمن إسرائيل؛ وبعدها، فليكن، لكلّ فريق إقليمي آخر أن يغنّي، ما طاب له… على ليلاه!
‘ كاتب وباحث سوري يقيم في باريس
يا سيدي الكريم، إن كُلاً يغني على ليلاه، منذ أن صدقنا خطوط سايكس-بيكو على أنها حدود بيننا، وبعنا الوحدة لأجل عيون القومية، فأرعبنا بخطيئتنا كل أقلية، وبأسم الوطنية، أنشأنا الحزبية، وببركتها ترعرعت الديكتاتورية.
بلاد العُرب أوطاني
شكرا للأخ الكاتب ( صبحي ) على مقاله القيم المفيد .
* أمريكا والغرب …إنكشفوا للجميع : كان هدفهم تشليح النظام السوري
آخر كرت بحوزته وممكن يلعب به ضد اسرائيل …؟؟؟
وبعد ( تسليم الكيماوي ) …أصبح النظام السوري ( ورقة محروقة ) لأمريكا والغرب :
بقي أو رحل …( ما تفرق معاهم ) …؟؟؟
أماّ …ذبح الشعب السوري …فهذه ( مسألة داخلية ) بعيون الغرب :
ويكفي إرسال : بعض المساعدات الإنسانية ويرتاح ضميرهم الميت أصلا …؟؟؟
* الحقبة القادمة : ( ايران ) سوف تتصدر المشهد العالمي بامتياز …؟؟؟
وسوف تستمر المحادثات بين ايران وأمريكا ومعها أوروبا لفترة :
وفي النهاية ( يحصل الإتفاق ) الذي يرضي جميع الأطراف ….
* بقي على ( العرب ) أن يفهموا أنّ ( أمريكا ) و ( روسيا ) والغرب عموما :
لا يفهم سوى لغة ( المصالح ) وأما لغة ( الصداقة والحب ) :
فهذه لغة الضعفاء والحمقى …فقط ….؟؟؟!!!
حياكم الله وشكرا .