لندن- “القدس العربي”- من إبراهيم درويش:
تحت عنوان “كيف سحر محمد بن سلمان الغرب وهو يحكم البلد بيدٍ من حديد”، كتبت الصحافية والروائية الفلسطينية – الإيطالية رولا جبريل، مقالة طويلة عن سياسات ولي العهد السعودي، وكيف تعامل معه الغرب كإصلاحي وثوري ووجه التغيير في المملكة مع أنه مارس سياسة عدوانية ضد معارضيه في الداخل والخارج.
وبدأت جبريل مقاربتها بالحديث عن “الرحلة الكبرى” للأمير بن سلمان وزيارته للندن في آذار/ مارس، ولقائه الملكة إليزابيث الثانية في قصر باكنغجهام.
وأشارت لعنوان في صحيفة “ديلي تلغراف” وصفه “إنه ثوري” خاصة أن النخبة البريطانية المحافظة وقعت في حب الأمير السعودي، نظراً لما يحمله معه من وعود، مثل بيع جزء من أسهم شركة النفط العملاقة (أرامكو) ووضعها في البورصة. وكانوا يأملون أن يتم الإعلان عن ذلك في لندن لتحسين الوضع الاقتصادي ورفع مكانة العاصمة البريطانية كمركز للاقتصاد العالمي.
وواصل بن سلمان رحلته إلى أمريكا حيث اجتمع في المكتب البيضاوي مع الرئيس دونالد ترامب، وزار لوس أنجليس ونيويورك و”سيلكون فالي” وسياتل وهوليوود، للقاء النخبة الفنية والتكنولوجية بمن فيهم أوبرا وينفري وإليون ماسك مدير شركة تيسلا.
وكانت هذه الزيارات أول خروج للأمير على المسرح الدولي، حيث تخلى والده الملك سلمان (82 عاماً) عن بعض صلاحياته. ومن خلال تصريحاته والرؤية التي كان يحملها “رؤية 2030” فقد كانت تؤكد على أن السعودية لا تستطيع مواصلة الحياة بناء على “الشيكات الدبلوماسية” في الخارج ودولة الرفاه الإجتماعي في الداخل.
من هنا كان الهدف هو تخفيف اعتماد البلد على تصدير النفط والاستثمار في التعليم والترفيه والسياحة وإنعاش الاقتصاد وتقوية دور المرأة في سوق العمل.
وعزز ابن سلمان من صورته الدولية، عبر مرسوم سمح للمرأة بقيادة السيارة. وتم التعامل مع اعتقال العشرات من الأمراء والمسؤولين في الإعلام الغربي على أنه مكافحة فساد وتنظيف للبيت الداخلي، أضاف 100 مليار دولار لخزينة الدولة (مع أن قيمة أموال العائلة الحاكمة تصل إلى تريليون دولار).
الحادي عشر من سبتمبر
وتعتقد جبريل أن زيارات الأمير الخارجية ومحاولة تلميع صورته كرجل “تقدمي” تعبر عن جهود قوية لمواجهة المشكلة الرئيسية التي تواجه السعودية: صورتها المشوهة التي لم تتعافَ أبداً من هجمات أيلول/ سبتمبر 2001، خاصة أن غالبية المنفذين للهجمات كانوا سعوديين.
وحاولت السعودية عام 2016 جهدها لكي تقمع تقريراً أعدته لجنة في الكونغرس الأمريكي، زعم أن المنفذين حصلوا على دعم أفراد يعملون في الحكومة السعودية. وفي برقية لوزيرة الخارجية في حينه هيلاري كلينتون تعود إلى عام 2009، قالت فيها “إنه تحدٍ مستمر لإقناع المسؤولين السعوديين أن التعامل مع تمويل الإرهاب النابع من السعودية كأولوية استراتيجية”.
وكانت استراتيجية الأمير الأولى هي “دفن هذا السرد وتقديم رواية أخرى” عن السعودية “المتغربة والأمة الاستهلاكية الجائعة للاستثمار الأمريكي والأسلحة لمواجهة الأعداء المشتركين” ولعب الدور بحماسة منقطعة النظير حيث تخلى عن الزي السعودي طوال رحلته، وارتدى الجينز عندما قابل مدير “فيسبوك” مارك زوكربيرغ.
وفي كل محطة من زيارته، لاحقه الإعلام الأمريكي، وتحدثت قناة “فوكس نيوز” بحماس عن “دفعة التحديث” واعتبرت شبكة “سي إن إن” السعودية “أسخن الأسواق في الوقت الحالي”. وقامت شركة “أمريكان ميديا إنك” التي يملكها صديق ترامب ديفيد بيكر، بنشر عدد خاص ثمنه 14 دولاراً خصصته لزيارة الأمير وإنجازاته.
قمع
ووسط هذه الحفاوة المبالغ فيها فشل الصحافيون في طرح أسئلة حول النساء المعتقلات في السعودية، مثل سمر بدوي ونسيمة السادة، اللتين دافعتا عن حق المرأة بقيادة السيارة، ولم يتساءلوا عن الكارثة الإنسانية ولا عن الملايين التي أنفقها الأمير لشراء حاجات شخصية وكيف تتواءم هذه مع السرد الذي يتحدث عن الإصلاح الإقتصادي.
وتنقل الكاتبة عن الباحثة والأنثروبولوجية مضاوي الرشيد، التي ألفت عدداً من الكتب عن تاريخ السعودية قولها: “استخدم السعوديون كل ما توفر لديهم من مصادر لخنق أي دفعة نحو الديمقراطية في العالم العربي”. ورغم كل الضجة الإصلاحية، فمحمد بن سلمان يقود نظاماً ديكتاتورياً لا يتسامح مع المعارضة. ومن هؤلاء المدون رائف بدوي، مع محاميه الناشط البارز في حقوق الإنسان وليد أبو الخير، وكذا نهى البلوي الناشطة البارزة في مجال حقوق الإنسان، التي نشرت تعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي تتحدى التطبيع مع إسرائيل واعتقلت في شباط/ فبراير.
وطالب الإدعاء السعودي بإعدام الناشطة إسراء الغمغام لمشاركتها في تظاهرة سلمية، وهي محتجزة منذ 32 شهراً دون السماح لها بالاتصال مع محامٍ.
كل هذا، في الوقت الذي يواصل فيه الدعاة والمشائخ الراديكاليون الذين يدعون لقتل المسلمين الشيعة واليهود والنصارى عملهم في المناصب البارزة وتصدير العقيدة الوهابية المتطرفة إلى العالم الإسلامي.
وتشير الرشيد إلى قائمة أخرى من الناشطين الشيعة في المنطقة الشرقية والذين اعتقلوا وعذبوا وأعدموا واختفوا بدون أثر “لأن أفكارهم خطيرة عليه ولا يتم التسامح مع أي نقد”.
وتقول جبريل، إن الديمقراطية ليست على أجندة ولي العهد السعودي “فهو بالتأكيد يجسد الثورة المضادة التي أطفأت شعلة الديمقراطية التي لمعت لفترة قصيرة خلال الربيع العربي، وهو وحلفاؤه من الرجال الأقوياء في الشرق الأوسط تحركوا بوحشية لإنعاش النظام الإقليمي الديكتاتوري وفي مركزه الرياض والأيديولوجية الوهابية”.
من أبو ظبي
وتقول الكاتبة، إنه من أجل فهم قدرة محمد بن سلمان المثيرة على التلاعب بالعلاقات العامة علينا أن نبدأ القصة من أبو ظبي، عاصمة الإمارات العربية المتحدة. ففي المخيال الغربي فهذا البلد مرتبط بناطحات السحاب المصنوعة من الزجاج والفولاذ في دبي، مراكز التسوق الفاخرة ومنتجعات التزلج المغلقة، وأقل معرفة هو ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد الذي وصفته برقية دبلوماسية أمريكية بالشخصية “الكاريزماتية والذكي والذي يشعر براحة مع الغرب”. وكان هو الشخص المفضل للغرب بعد تولي أخيه خليفة الحكم عند وفاة والده. لكن مرض أخيه جعل بن زايد الحاكم الفعلي للإمارات.
وقام الطيار السابق البالغ من العمر 57 عاماً بتوسيع الجيش الإماراتي والنفقات على الصناعة العسكرية. وبسبب تلاعب بن زايد بالإعلام فقد قُدمت الإمارات على أنها بلد متسامح ومفتوح وقوة متعددة الثقافات من أجل التقدم، وهو درس في صناعة الصورة استوعبه تلميذه ابن سلمان.
ومع بدء الربيع العربي نهاية عام 2010 في تونس وانتشاره سريعاً إلى مصر، شعر بن زايد بالخوف من إمكانية انتشار الديمقراطية في العالم العربي، ووصول الإخوان المسلمين للحكم، وقال إن المتظاهرين المطالبين بالديمقراطية لا يريدون الإصلاح بل فرض الشريعة، واعتمد على شركات اللوبي في واشنطن مثل “هاربور غروب” و”غامستول غروب”.
وبحلول عام 2012 كان وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش يقدم تصريحات للإعلام الغربي أن الإمارات واحة استقرار وتسامح في جوار خطير. وانتقد المجلس الوطني الإعلامي الرسمي وبشدة انتخاب أول رئيس مصري ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين.
ولأنه لم يكن مستعداً لقبول قرار الناخب المصري، فقد قام ابن زايد بشن حملة لإعادة الحكم العسكري في مصر. وأدت الاحتجاجات التي قادتها حركة تمرد عام 2013 للانقلاب العسكري. وكانت هذه الحركة تبدو كجماعة عمل مدني، إلا أن ناشطي “تمرد” حصلوا على التمويل من الإمارات.
ووضع الانقلاب قائده عبد الفتاح السيسي في الرئاسة. وقام بسرعة بتعليق الدستور. وبعد شهر من الانقلاب أدار السيسي مذبحة قتلت حوالي 1000 من المحتجين السلميين في ساحة رابعة. وبحلول أيار/ مايو 2014 وصل عدد المعتقلين السياسيين إلى حوالي 41.000 .
ورغم دعم واشنطن ولندن لحركات الديمقراطية، إلا أن ردها على العنف الذي أداره السيسي ظل مكتوماً.
ولكن تمويل الانقلاب كان من الإمارات، حيث استمع رجل ابن زايد سلطان الجابر، وهو يتحدث مع الجنرال عباس كامل، والذي سمع وهو يطلب مزيداً من المال لمساعدة السيسي لدعم الاقتصاد المتداعي. واستخدمت الإمارات نفس الأساليب لتقويض التجربة الديمقراطية في تونس، حيث استخدمت القنوات التلفازية التي تملكها النخبة الأوليغارشية لنشر مزاعم علاقة حركة النهضة الفائزة في الانتخابات بمؤامرة فرض الشريعة التي يقوم بها الإخوان المسلمون.
وقامت الإمارات بقمع ناشطي حركة الإصلاح الإماراتية، واعتبرتها جزءاً من الإخوان المسلمين. وفي عام 2013 حكمت على 93 ناشطاً -محام وأكاديمي ومدون وطالب وأمير- بالسجن بتهمة الإنتماء لجماعة إرهابية.
التحرك
منحت وفاة الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز عام 2015، ابن زايد فرصة تدمير النموذج التقليدي للدبلوماسية الخليجية، القائم على الرزانة والحذر والحفاظ على جبهة موحدة بين دول الخليج.
وقضى ابن سلمان وقتاً مع ابن زايد الذي هيأه للدور. وقد اشترك الاثنان معاً في رفضهما لجمود جيل الأباء، وحاولا تأكيد دور حازم تجاه تحديات المنطقة. وأضاف ابن زايد لنزعة ابن سلمان المحاربة، الحملات الإعلامية الغربية. حيث نشر شركات اللوبي والعلاقات العامة لتأكيد الرؤية أن السعودية والإمارات هما القيادة المتنورة للعالم العربي، وهما من تحاولان مواجهة الإخوان المسلمين وإيران.
وبعد سنوات من الاستثمار في شركات العلاقات العامة، أثمرت الجهود بوصول ابن سلمان لولاية العرش. وبحلول عام 2016 كان لدى السعودية 10 شركات لوبي تدفع لها 1.3 مليون دولار شهرياً حسب موقع “ذا هيل”. ومنها شركة “كينغ أند سبالدينغ” والتي أوكلت بمهمة تخفيف قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب (غاستا) والذي يسمح لعائلات ضحايا 9/11 تقديم دعاوى الحكومة السعودية أو أفراد فيها. ووقعت عقداً بقيمة 90.000 دولار مع “كابيتال ميديا غروب” التي عملت في أكثر من مشروع إعلامي معادٍ للإسلام، واستعانت بها شركة “كيوأورفيس” لإحضار عدد من الجنرالات والعسكريين السابقين إلى الكونغرس للحديث ضد غاستا، ولكن الكونغرس مرر القانون متجاوزاً فيتو الرئيس باراك أوباما.
وفي أثناء زيارة ابن سلمان للندن، انتشرت اليافطات والإعلانات التي تلمع صورته في شوارع لندن. ووجد تحقيق قام به المكتب المستقل للتحقيقات الصحفية، أن واحدة من الشركات العاملة في لندن “كونسلوم” كانت تخدم دبلوماسياً بريطانياً يعمل مع السعودية. فيما ساعدت الشركة سيئة السمعة “كامبريدج أنالاتيكا” السعودية لتحديد أي قطاع في السعودية قد يثور ضد ولي العهد.
وكانت نتيجة حملة العلاقات العامة، هي أنها زادت من الأوضاع القمعية في المملكة، حيث تم اعتقال عدد من الناشطين والناشطات في مجال حقوق الإنسان، مثل لجين الهذلول، التي اعتقلت في أيار/ مايو.
ولم تتحرر المرأة بعد من قانون الولاية الذي يحرمها من السفر أو الدراسة بدون إذن من ولي أمرها. ويقول علي الأحمد، المعارض السعودي ومدير معهد شؤون الخليج في واشنطن إن المرأة السعودية حولتها الملكية المطلقة لمجرد رقيق.
وهناك حرب اليمن التي شنها ابن سلمان عام 2015 عندما كان وزيراً للدفاع. ورغم خلقهم أكبر كارثة إنسانية من صنع الإنسان في العالم، فشل السعوديون بفرض إرادتهم على اليمن وهزيمة الحوثيين.
وبحسب تحقيق لوكالة “أسوشييتد برس” فقد تعاون السعوديون والإماراتيون مع مقاتلي القاعدة في اليمن وسمحوا لهم بالانسحاب مع أسلحتهم ومعداتهم و100 مليون دولار سرقوها من بنك. وتم تجنيد معظم هؤلاء من قبل التحالف الذي تقوده السعودية بشكل قوى مقاتلي التنظيم الخطير. ويقدر المسؤولون الأمريكيون عدد مقاتليه في اليمن بحوالي 8.000 عنصر، وهم في تزايد.
ويشبه التعاون في اليمن دعم السعودية للمجاهدين في أفغانستان ضد السوفييت، والذي أدى لولادة القاعدة. وأدى هذا لمخاوف الحلفاء الغربيين، حيث صوت البرلمان الأوروبي عام 2016 على حظر لبيع السلاح ضد السعودية. وعلّقت النرويج مبيعات السلاح للإمارات. وحتى دعم واشنطن لم يعد بدون شروط. ففي آذار/ مارس، قاد السناتور المستقل بيرني ساندرز، جهدواً أقنع فيها 44 سناتوراً من 100 سناتور للتصويت على إنهاء دعم الولايات المتحدة لجهود السعودية الحربية. ولم يستسلموا وسيحاولون مرة أخرى.
وتختتم الكاتبة رولا جبريل مقالتها بالقول “إنها ليست النوع من الدعاية التي يريدها ابن سلمان، وبالطبع لا شيء يشوش السحر مثل صور الأطفال اليمنيين القتلى الذين تقتلهم الصواريخ المصنعة أمريكياً وبطيران التحالف الذي تقوده السعودية”.