لندن “القدس العربي”: علقت صحيفة “نيويورك تايمز” في افتتاحيتها على فوز دونالد ترامب بالرئاسة قائلة “أمريكا قامت بخيار خطير”، واعتبرت أن الناخب الأمريكي قرر أن يختار عودة ترامب إلى البيت الأبيض مما يضع البلد على مسار خطير لم يتوقعه أحد. وأضافت أن الآباء المؤسسين للبلد توقعوا أن يصل في يوم ما حاكم مستبد إلى البيت الأبيض، ولهذا وضعوا ضمانات في الدستور، بما في ذلك الصلاحيات الممنوحة لفرعين آخرين من الحكومة والمصممة لكي تكون بمثابة ضابط للرئيس الذي قد ينتهك القوانين لخدمة مصالحه الخاصة. كما وضعوا عددا من الحقوق، وأهمها التعديل الأول، ومنح المواطنين حق التجمع وحقهم بالتحدث والاحتجاج ضد أقوال وأفعال زعيمهم.
وأضافت الصحيفة أنه يتعين على الأمريكيين على مدى السنوات الأربع المقبلة أن يكونوا واعين للتهديد الذي يواجه الأمة وقوانينها والذي سيأتي من رئيسها الـ 47، وأن يكونوا مستعدين لممارسة حقوقهم في الدفاع عن البلاد وشعبها والقوانين والمؤسسات والقيم التي حافظت على قوتها. وتضيف أنه يجب عدم تجاهل ملايين الأمريكيين الذين صوتوا لمرشح اعترف، حتى أقرب أنصاره بأنه يعاني من عيوب، على الرغم من اقتناعهم بأنه أكثر ميلا إلى تغيير وإصلاح ما اعتبروه مشاكل البلد: الأسعار المرتفعة وتدفق المهاجرين والحدود الجنوبية المفتوحة والسياسات الاقتصادية التي توزعت بشكل غير متكافئ عبر المجتمع. وقد أدلى البعض بأصواتهم انطلاقا من استياء عميق من الوضع الراهن أو السياسة أو حالة المؤسسات الأمريكية على نطاق أوسع.
وتقول الصحيفة إنه مهما كان الدافع وراء قرار هؤلاء الناخبين، إلا أن الأمريكيين يجب أن يكونوا الآن حذرين من إدارة ترمب القادمة التي من المرجح أن تضع على رأس أولوياتها مراكمة السلطة في يديها ومعاقبة أعدائها المفترضين، حيث تعهد ترامب أكثر من مرة بأنه سيقوم بذلك. ويتعين على كل الأمريكيين، بغض النظر عن ولائهم الحزبي أو توجهاتهم السياسية التمسك ببقاء الركائز الأساسية للديمقراطية في البلاد، بما فيها الضوابط والمعايير الدستورية والمدعين العامين والقضاة الفيدراليين ونظام الانتخابات المحايد والحقوق المدنية الأساسية، ضد الهجوم الذي بدأه ترامب بالفعل وقال إنه سيواصله.
يجب ألا يكون لدى الأمريكيين وهم حول ترامب وما يمثله وكيف سيحكم. فقد أظهر في ولايته الأولى وفي السنوات التي تلت مغادرته لمنصبه أنه لا يحترم القانون
وتتابع الصحيفة أنه عند هذه النقطة، يجب ألا يكون لدى الأمريكيين وهم حول ترامب وما يمثله وكيف سيحكم. لقد أظهر في ولايته الأولى وفي السنوات التي تلت مغادرته لمنصبه أنه لا يحترم القانون، ناهيك عن احترام قيم ومعايير وتقاليد الديمقراطية. وبينما يتولى مسؤولية أقوى دولة في العالم، فمن الواضح أنه لا يحركه سوى السعي إلى السلطة وعبادة الشخصية التي بناها حول نفسه، وهذه التقييمات الصارخة مذهلة في جزء منها لأنها ليست نابعه من نقاده فقط ولكن ممن عملوا معه عن قرب.
وقالت الصحيفة إن أمريكا هي أمة خرجت من بوتقة الصهر وقد تقوت مُثلها وأصبحت أكثر حدة. وصمدت المؤسسات الحكومية التي زادت صلابتها على مدى 250 عاما من الخلافات والاضطرابات والاغتيالات والحروب، حيث تعرضت للهجوم من ترامب قبل أربع سنوات. ويعرف الأمريكيون كيف يواجهون أسوأ غرائز ترامب، سواء كانت الأفعال الظالمة أو غير الأخلاقية أو غير القانونية، لأنهم فعلوا ذلك مرارا وتكرارا خلال إدارته الأولى. وغالبا ما وقف موظفو الخدمة المدنية وأعضاء الكونغرس وأعضاء حزبه والأشخاص الذين عينهم في مناصب عليا في طريق خططه، كما حملته مؤسسات أخرى في المجتمع، بما في ذلك الصحافة الحرة ووكالات إنفاذ القانون المستقلة المسؤولية أمام الجمهور.
وقالت الصحيفة إن حكام الولايات والهيئات التشريعية في مختلف أنحاء البلاد أمضوا شهورا في تعزيز قوانين ولاياتهم ودساتيرهم لحماية الحقوق المدنية والحريات، بما في ذلك الوصول إلى الرعاية الصحية الإنجابية والتأكيد على النوع الاجتماعي. وحتى الولايات التي صوتت بأغلبية ساحقة لصالح ترامب، بما في ذلك كنتاكي وأوهايو وكنساس، والتي رفضت المواقف الأكثر تطرفا بشأن الإجهاض. كما وستلعب مؤسسات أخرى من المجتمع المدني الأمريكي دورا حاسما في تحدي إدارة ترامب في المجتمعات والمحاكم وفي الاحتجاجات التي من المؤكد أنها ستعود.
ويجب ألا يكون للعالم أي وهم بشأن الزعيم الذي سيمثل الولايات المتحدة قريبا مرة أخرى على المسرح العالمي. لقد صدمت دول حلف شمال الأطلسي، خلال إدارة ترامب الأولى، باستعداده لتقويض هذه الشراكة الطويلة والمهمة. ولكن الدول الأوروبية التي تحدت توقعات ترامب، لم تتحد مع الولايات المتحدة في مواجهة غزو روسيا لأوكرانيا فحسب، بل ووسعت من صفوفها أيضا حتى حدود روسيا.
وتقول الصحيفة إنه بالنسبة للحزب الديمقراطي فالتحرك باعتباره معارضة لن يكون كافيا. ويجب على الحزب أيضا أن ينظر بجدية في سبب خسارته للانتخابات. وقد استغرق الأمر وقتا طويلا للاعتراف بأن الرئيس بايدن لم يكن قادرا على الترشح لولاية ثانية واستغرق الحزب وقتا طويلا للاعتراف بأن مساحات كبيرة من أجندته التقدمية كانت تنفر الناخبين، بما في ذلك بعض المؤيدين الأكثر ولاء لحزبهم.
استغرق الحزب الديمقراطي وقتا طويلا للاعتراف بأن الرئيس بايدن لم يكن قادرا على الترشح لولاية ثانية، وكذلك الاعتراف بأن مساحات كبيرة من أجندته التقدمية كانت تنفر الناخبين، بما في ذلك بعض المؤيدين الأكثر ولاء لحزبهم
وقد كافح الديمقراطيون على ثلاث دورات انتخابية الآن للتوصل إلى رسالة مقنعة تتردد صداها بين الأمريكيين من كلا الحزبين الذين فقدوا الثقة في النظام، مما دفع الناخبين المتشككين نحو الشخصية الأكثر إزعاجا. وإذا كان يريد الديمقراطيون معارضة ترامب بشكل فعال، فيجب ألا يكون ذلك من خلال مقاومة أسوأ غرائزه فحسب، بل وأيضا من خلال تقديم رؤية لما سيفعلونه لتحسين حياة جميع الأمريكيين والاستجابة للمخاوف التي يشعر بها الناس بشأن اتجاه البلاد وكيف سيغيرونها.
وتقول الصحيفة إن امتحان أعضاء الكونغرس الجديد سيبدأ بعد أدائهم للقسم، وقد وعد الرئيس المنتخب بأنه سيحيط نفسه بولايته الثانية بالموالين والمستعدين لعمل أي شيء يطلبه منهم. ولكن الرئيس يحتاج إلى موافقة مجلس الشيوخ على العديد من هذه التعيينات. ويمكن لأعضاء مجلس الشيوخ منع المرشحين الأكثر تطرفا أو غير المؤهلين من تولي مناصب وزارية مثل وزير الدفاع والنائب العام، فضلا عن مقاعد في المحكمة العليا والمحكمة الفيدرالية. ويمكنهم العمل على منع المرشحين غير المؤهلين بشكل واضح من تولي أي منصب مؤثر. وقد فعل مجلس الشيوخ ذلك في عام 2020، عندما وقف أمام محاولات ترامب تعيين أشخاص غير مؤهلين في مجلس الاحتياطي الفيدرالي ولا ينبغي للمجلس أن يتردد في القيام بذلك مرة أخرى.
وقالت الصحيفة إن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق من سيخدمون في إدارة ترامب الثانية. ويتعين على أولئك الذين يعينهم في منصب النائب العام ووزير الدفاع وغيرهما من المناصب القيادية العليا أن يتوقعوا أنه قد يطلب منهم القيام بأعمال غير قانونية أو خرق قسمهم الدستوري نيابة عنه، كما فعل في ولايته الأولى. وقد وجهت لهم الصحيفة نداء بضرورة إدراك أن ولاءهم للبلد هو الأهم مهما طلب منهم ترامب التعهد بالولاء له. وعليهم مواجهته وهو واجب على كل موظف عام أمريكي.
يتعين على أولئك الذين دعموا ترامب في هذه الانتخابات أن يراقبوا عن كثب سلوكه في منصبه لمعرفة ما إذا كان يتوافق مع آمالهم وتوقعاتهم
ولكن المسؤولية النهائية عن ضمان استمرارية القيم الأمريكية الدائمة تقع على عاتق الناخبين. ويتعين على أولئك الذين دعموا ترامب في هذه الانتخابات أن يراقبوا عن كثب سلوكه في منصبه لمعرفة ما إذا كان يتوافق مع آمالهم وتوقعاتهم، وإذا لم يكن كذلك، فيتعين عليهم أن يعلنوا خيبة أملهم وأن يدلوا بأصواتهم في انتخابات التجديد النصفي لعام 2026 وفي عام 2028 لإعادة البلاد إلى مسارها الصحيح. ولا ينبغي لأولئك الذين عارضوه أن يترددوا في إطلاق صفارة الإنذار عندما يسيء استخدام سلطته، وإذا حاول استخدام السلطة الحكومية للرد على منتقديه، فإن العالم سوف يراقبه.
وقال بنجامين فرانكلين مرة إن “الأمة جمهورية إن استطعت الحفاظ عليها”، وعليه فانتخاب ترامب يمثل تهديدا خطيرا على تلك الجمهورية، لكنه لن يحدد مصير الديمقراطية الأمريكية على المدى البعيد. وتظل هذه النتيجة في يد الشعب الأمريكي وهو ما يجب العمل عليه في السنوات الأربع القادمة.